ووفقا للتقرير الذي نشرته المجلة، فإن لجنة التمويل الدائمة التابعة للمجلس الوطني الباكستاني علمت أن مواطنين باكستانيين استثمروا 8 مليارات دولار في سوق العقارات في دبي خلال السنوات الأربع الماضية.
كما تم تكليف مجلس الإيرادات الاتحادي بالتواصل مع السلطات الإماراتية لمعرفة المزيد من التفاصيل حول هؤلاء الباكستانيين، والتحقيق في كيفية انتقال أموالهم إلى هناك. ومع ذلك أبلغ مسؤولو المجلس اللجنة أنهم عادوا من دبي بخفي حنين، بسبب عدم تعاون السلطات الإماراتية.
وتشكل الإمارات، وفقا للمجلة، منذ سنوات وجهة رئيسية للاستثمارات العقارية بالنسبة للأثرياء الباكستانيين، وقد قام العديد من هؤلاء بإيداع أموالهم في البنوك الإماراتية بسبب قوانينهم المتساهلة.
ضغوط أميركية
وبدأت الإمارات بتشديد قوانينها نتيجة الضغوط المتزايدة من الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة التي ترى في النظام المصرفي للدولة الخليجية وسياساتها الاستثمارية نقطة ضعف تستغلها العناصر الإجرامية لغسل الأموال وتمويل الأنشطة الإرهابية في العالمية.
ومن التدابير التي اتخذتها البنوك الإماراتية طلب معلومات عن الوضع الضريبي لأصحاب الحسابات في بداية كل سنة.
وبموجب التشريعات الجديدة، سيطلب من أصحاب الحسابات الذين تزيد إيداعاتهم عن مليون دولار، بغض النظر عن كونهم مقيمين أو غير مقيمين في دولة الإمارات، تقديم تفاصيل عن إقامتهم الدائمة وجنسيتهم ووضعهم الضريبي في بلدانهم الأم.
وتقول المجلة إنه "من المريح رؤية الإمارات تشدد قوانينها في وجه "الأموال القذرة" المتدفقة عبر قنواتها المصرفية وغير المصرفية، لكن للأسف لم تبادر السلطات الإماراتية حتى الآن إلى تقديم يد المساعدة لباكستان للقضاء على الفساد وعمليات غسل الأموال الجارية على أراضيها".
وتنقل المجلة عن مجلس الإيرادات الاتحادي تأكيده "أنه توجه إلى السلطات الإماراتية بعدة رسائل طالباً تقديم تفاصيل حول الباكستانيين النافذين الذين يقومون بالاستثمار في الإمارات، إلا أن المسؤولين الإماراتيين أخبروا نظراءهم الباكستانيين أنهم لا يمكنهم غربلة معلومات خاصة بباكستان من البيانات الموجودة لديهم، ويمكنهم فقط إعطاء تفاصيل حول أشخاص محددين تزودهم السلطات الباكستانية بأسمائهم".
المثير للاهتمام وفقا لـ"ذا نيوز" أن سلطات الإمارات كانت متعاونة جداً في تقديم تفاصيل عن الشؤون المالية لأسرة رئيس الوزراء السابق نواز شريف بل وحتى نسخ عن "إقامات" بعض الوزراء الباكستانيين، والتي انتشرت بكثرة على وسائل التواصل الاجتماعي أثناء نظر المحكمة العليا في قضية تسريبات بنما، كما أن الإقامة الإماراتية هي التي أدت إلى تنحية رئيس الوزراء نواز شريف، لكن من ناحية أخرى يقوم الخليجيون بحجب معلومات أخرى عن باكستانيين آخرين بحجة مشكلات تقنية.
وقالت "ذا نيوز" إنه في حال كانت باكستان جادة في التنقيب عن مصادر الأموال السوداء التي تجنى داخل البلاد ثم ترسل إلى الخارج، فعليها الإسراع في جهودها للتوقيع على اتفاقيات ثنائية مع دول أخرى لتتبع مصادر هذه الأموال، كما ينبغي بذل الجهد للتوصل إلى اتفاق مع الإمارات يسمح بتدفق سلس للمعلومات المتعلقة بالمعاملات الغامضة. لكن قبل هذه المحاولات، على السلطات الباكستانية اتخاذ إجراءات بشأن المعلومات المتاحة لها حالياً.
وتشير المجلة إلى أنه بعد الكشف عن تسريب بنما، قام مجلس الإيرادات الاتحادي بمراسلة جميع الذين ظهرت أسماؤهم في التسريب، لكن لم يتم بذل أي جهود حقيقية في ملاحقة تلك الأموال.
وقدمت تسريبات "أوراق الجنة" كنزاً من المعلومات للسلطات الباكستانية، وقال مجلس الإيرادات إنه يقوم بمراسلة جميع الذين وردت أسماؤهم في التسريبات. كذلك وعد بنك باكستان بالتحقيق في مصادر الأموال التي يستثمرها الباكستانيون في الشركات الخارجية. رغم ذلك، وبالنظر للسجل التاريخي للجهود الباكستانية التي تمتد لعقود في الحد من الفساد، ليس هناك آمال كبيرة في إحراز تقدم ملموس في هذا الصدد.
وثائق بارادايز
وشكلت تسريبات أوراق بنما العام الماضي مفاجأة مدوية للباكستانيين الذين سارعوا إلى معرفة كيف يخبئ الأغنياء والأثرياء ثرواتهم في ملاذات آمنة بعيدة لتفادي الضرائب الحكومية.
وعلى الرغم من أن وضع رؤوس المال في شركات الخارج ليس جريمة في حد ذاتها، إلا أن السؤال الحقيقي كان حول مصدر ومدى قانونية الثروات التي جمعها الأثرياء الباكستانيون الـ 400 الذين وردت أسماؤهم في التسريبات، وما إذا كانوا قد نقلوا تلك الثروات خارج البلاد بوسائل قانونية؟
وبينما ما يزال الباكستانيون يعانون من آثار تلك الاكتشافات، والتي أسفرت عن تنحي رئيس الوزراء نواز شريف، ظهرت على السطح مفاجأة مدوية أخرى ملأت عناوين الصحف في وسائل الإعلام الدولية وهي التسريبات الجديدة، التي أصبحت تسمى "وثائق بارادايز" أو "أوراق الجنة"، والتي كشفت عن استثمارات ضخمة لقادة ومشاهير من العالم خارج بلدانهم هربا من الضرائب.
ومن بين هؤلاء رئيس الوزراء الباكستاني السابق شوكت عزيز، حيث قام هو الآخر بإنشاء شركة خارجية عام 1999، وهو العام الذي انضم فيه إلى حكومة الجنرال برويز مشرف وزيراً للمالية، قبل أن يصبح في وقت لاحق رئيساً لحكومة البلاد.
وتقول "ذا نيوز" إنه ليس واضحاً ما إذا كان سيتم إجراء تحقيق ضد شوكت عزيز أو غيرهم من أثرياء باكستان الواردة أسماؤهم في التسريب المزدوج، إلا أن المؤكد هو قيام الأشخاص النافذين في كافة القطاعات، بمن فيهم السياسيون والبيروقراطيون والقضاة والجنرالات، بإخفاء مبالغ ضخمة من الأموال في بنوك وعقارات خارج البلاد للتهرب من عمليات التفتيش الوطنية.
وفي الآونة الأخيرة أشارت تقارير صحافية إلى أن مكتب المحاسبة الوطني قام في السنوات الأولى من إنشائه بإعداد قائمة بالأشخاص النافذين الذين يمتلكون شركات خارجية بهدف التحقيق في ثرواتهم، ولكنه اضطر للتراجع عن جهوده لأسباب يعرفها المسؤولون وقتذاك.
ويعتبر الفساد قضية رئيسية في باكستان منذ عقود، وتقول المجلة إنه "لم تبذل جهود جدية لوقفه بطريقة فعالة، بل كان يستخدم على الدوام كوسيلة لترهيب المعارضين السياسيين، كما تحتاج باكستان إلى محاسبة موثوقة وحقيقية تجري تدقيقاً شاملاً في أصول النخب الحاكمة وتفتش عن جميع المخالفات، بدلاً من المحاسبة الانتقائية التي تجعل القضية أشبه بمطاردة ساحرات وتساهم في تقويض مصداقية الجهود محلياً ودولياً".