فاقمت المعارك الدائرة في العاصمة الليبية نفاد السلع من الأسواق والمحال التجارية في العديد من ضواحي طرابلس، فيما أغلقت الصيدليات أبوابها، وأخلى أصحاب متاجر الذهب محلاتهم خوفا من التعرض لأعمال نهب، بينما اتسع القلق ليطاول قطاع النفط، إذ أبدى البيت الأبيض قلقه من تضرر الصادرات، ما يؤثر على خططه لتضييق الخناق على النفط الإيراني.
ونزح معظم سكان جنوب طرابلس، بسبب المعارك المندلعة، على أثر الهجوم الذي شنته قوات شرق ليبيا التابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر على طرابلس والاشتباك مع قوات حكومة الوفاق الوطني.
وقال سكان محليون من جنوب طرابلس لـ"العربي الجديد" إن هناك نزوحا للعائلات بسبب الاشتباكات، مشيرين إلى تفاقم الصعوبات المعيشية بعد أن أغلقت معظم المتاجر أبوابها ومحطات الوقود والمخابز.
وأشار مفتاح جلول، أحد التجار في طرابلس إلى أن هناك نفادا في السلع الغذائية الأساسية، بينما معظم المتاجر أغلقت خوفا من عمليات السطو المسلح والنهب، لافتا إلى أن استمرار الاشتباكات المسلحة يعني استنزاف السوق من السلع وارتفاع أسعارها.
وقال المواطن محمد أبو غمجة من سكان منطقة قصر بن غشير في جنوب طرابلس لـ"العربي الجديد" إن الأسر لجأت إلى تخزين السلع الأساسية والبنزين اللازم لتشغيل المولدات الكهربائية، مشيرا إلى أن الكثيرين غادروا منازلهم بينما فضل البقاء وحيدا من بين أفراد أسرته التسع خوفا من سرقة منزله.
وفي شارع المدار، أحد أكبر التجمعات التجارية لبيع الهواتف النقالة وسط طرابلس، لجأ التجار إلى إخلاء المحال من البضائع وتخزينها في المنازل، الأمر الذي فعله أيضا أصحاب متاجر الذهب في سوق بوسليم، وفق ما أكده علي التومي أحد تجار الذهب في تصريح لـ"العربي الجديد".
ويتسبب الصراع المتصاعد بين الحين والآخر في خسائر باهظة للاقتصاد الليبي خاصة قطاع النفط. وأظهر تقرير صادر عن ديوان المحاسبة في طرابلس، أن ليبيا خسرت نحو 150 مليار دينار (107 مليارات دولار)، من جراء توقف موانئ التصدير خلال الفترة من منتصف عام 2013 وحتى نهاية 2016 فقط.
وقبيل المعارك الأخيرة، قال وزير المالية في حكومة الوفاق، فرج بومطاري، في تصريحات صحافية في مارس/آذار الماضي، إنه من المتوقع أن يزيد إنتاج بلاده من النفط عن المعدلات البالغة آنذاك 1.2 مليون برميل يومياً.
وأبدت الولايات المتحدة قلقها من تضرر صادرات النفط، ما يؤثر على خططها لتضييق الخناق على النفط الإيراني، عبر عدم تمديد الإعفاءات الممنوحة لثماني دول من الحظر المفروض على طهران.
ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مسؤول أميركي مشارك في برنامج العقوبات، قوله إن النزاع المتصاعد في ليبيا يهدد بزعزعة المعروض العالمي من النفط في وقت ترتفع فيه الأسعار، ويزيد من احتمال أن تجدد الولايات المتحدة الإعفاءات لبعض مشتري النفط الإيراني.
ووفق الصحيفة فإن الاضطراب المحتمل في ليبيا يقوض خطط الولايات المتحدة لخفض شحنات النفط من إيران وفنزويلا إلى الصفر. وشهدت أسعار النفط ارتفاعاً مستمراً منذ بداية العام الجاري 2019، بلغت نسبته 25 في المائة مدعومة بخفض الإنتاج من قبل منظمة أوبك والمنتجين الكبار خارجها وعلى رأسهم روسيا.
وقال المسؤول الأميركي الذي يتمثل دوره في مراقبة تقدم العقوبات الإيرانية : "ليبيا في خطر مرة أخرى.. لا يمكننا تحمل وقوع حادث في سوق النفط".
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، حظرت الولايات المتحدة شراء النفط من النظام الفنزويلي لنيكولاس مادورو. كما بدأت واشنطن في حظر النفط الإيراني في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، لكنها منحت إعفاءات لثماني دول لمدة 180 يوما قبل التوقف عن الشراء من طهران في الخامس من مايو/ أيار المقبل.
وكان المبعوث الأميركي الخاص لإيران، برايان هوك، قد قال لرويترز في وقت سابق من إبريل/نيسان الجاري، إن ثلاثاً من الدول الثماني التي منحتها واشنطن إعفاءات من العقوبات لاستيراد النفط الإيراني، أوقفت شراء الخام الإيراني، مشيرا إلى أن واشنطن لا تسعى إلى منح أي إعفاءات أو استثناءات من نظام العقوبات.
وقال هوك إن العقوبات أخرجت من السوق نحو 1.5 مليون برميل من صادرات النفط الإيرانية منذ مايو/ أيار 2018. والدول المستثناة مؤقتا من حظر شراء النفط الإيراني هي الصين والهند واليونان وإيطاليا وتايوان واليابان وتركيا وكوريا الجنوبية.
وتراهن الولايات المتحدة على زيادة إنتاجها من النفط الصخري، وكذلك إنتاج بعض الدول ولا سيما العراق وليبيا من أجل تعويض حصص إيران وفنزويلا وخفض الأسعار عالميا.
وفي مقابل القلق الأميركي من تضرر النفط الليبي، جراء الصراع المسلح الدائر حالياً، قال مصدر في المؤسسة الوطنية للنفط لـ"العربي الجديد" إن "الصادرات النفطية تسير بشكل طبيعي حتى الآن"، لكن المصدر أعرب عن تخوفه من امتداد الاشتباكات إلى موانئ التصدير والإنتاج ما يعرض الصادرات للخطر.
وقال المحلل النفطي محمد أحمد: "لو استمرت الصراعات المسلحة فإن ذلك سيؤثر حتما على الصادرات النفطية، وستزيد تكلفة التأمين والغرامات المالية في حالة تعطيل الناقلات في موانئ غرب طرابلس".