رغم ازدحام نشرات الأخبار في واشنطن بالعديد من القضايا، مثل الانخفاض الكبير في أسعار الأسهم، واستمرار الارتفاع في أسعار النفط وتزايد التوقعات بوصول سعر البرميل إلى 100 دولار، وقضية اختفاء جمال خاشقجي، إلا أن هجوم عاصفة مايكل، التي تحولت إلى إعصار، على الأراضي الأميركية، استطاع أن يخطف نصيبه من الأضواء والاهتمام.
وبينما كانت مدينة شاطئ المكسيك في ولاية فلوريدا صاحبة القدر الأكبر من الخسائر، إلا أن بقية مدن الولاية، بالإضافة إلى مساحات كبيرة من ولايات جورجيا وألاباما وكارولينا الجنوبية والشمالية، عانت من الإعصار الذي لم يتم الاستعداد له بالقدر الكافي، كما حدث مع إعصار فلورانس الشهر الماضي.
وانتشرت في الولايات المنكوبة مشاهد المباني المنهارة والأشجار المقطوعة والطرق المدمرة، وانقطعت الكهرباء عن ما يقرب من مليون منزل، وتم إخلاء العديد من المنشآت، بما فيها المستشفيات، بينما ألقيت المعونات للمواطنين بواسطة طائرات الهليكوبتر.
ونقلت شبكة فوكس نيوز الإخبارية عن شركة أكيوويذر AccuWeather، المتخصصة في تقديم توقعات الطقس، أن خسائر الإعصار مايكل، الذي اعتبرته ثالث أكبر إعصار يضرب أميركا، قد تصل إلى نحو 30 مليار دولار، تشمل تدميرات وإنتاجية اقتصادية ضائعة.
وقال جويل مايرز، رئيس ومؤسس الشركة، إن هذا الإعصار "ستكون خسائره أقل من إعصار فلورانس، الذي كبّد الاقتصاد الأميركي ما يقرب من 60 مليار دولار، كونه يتحرك أسرع منه، وبالتالي فإن الفيضانات الداخلية التي سيتسبب فيها ستكون أقل".
أما ما يتعلق بقيمة مطالبات المتضررين من شركات التأمين، ورغم عدم وجود أرقام رسمية حتى الآن، إلا أن التقديرات الأولية لفلوريدا، أكثر الولايات تضرراً، تشير إلى أن الخسائر لن تكون مكلفة، كما حدث وقت إعصار إيرما الذي ضرب الولاية العام الماضي.
وقال شاهيد حميد، مدير مختبر التأمين والبحوث المالية والاقتصادية في جامعة فلوريدا الدولية "الممتلكات ليست مرتفعة القيمة، وعدد المنازل المتأثرة بالإعصار أقل مقارنة بوقت إعصار إيرما".
وقدّر اتحاد شركات التأمين ضد الحوادث طلبات التعويض على الخسائر المؤمّن عليها بما يتراوح بين 2 مليار و4.5 مليارات دولار، بخلاف الخسائر التي يغطيها البرنامج الوطني للتأمين ضد الفيضانات. كما قدّر الخسائر الخاصة بالمباني السكنية بما يتراوح بين 1.5 مليار و3 مليارات دولار، بينما كانت الخسائر في المباني التجارية بين 500 مليون ومليار دولار.
وكان إعصار إيرما قد تسبب فيما يزيد عن 10.4 مليارات دولار من تعويضات شركات التأمين، وفقا لمكتب فلوريدا لتنظيم التأمين.
ونظراً للتكاليف الضخمة التي تتحملها شركات التأمين، بسبب تكرار تعرّضها لمطالبات بتعويضات مع تجدد الأعاصير، فقد ابتكرت تلك الشركات طرقاً جديدة للحصول على الأموال التي قد تضطر إلى دفعها للمتضررين، من أهمها ما يطلق عليه سندات الكوارث، Catastrophe Bonds فعن طريق تلك السندات، تمكنت شركات التأمين من نقل مخاطر وقوع الكوارث إلى المستثمرين الراغبين في الحصول على عوائد مرتفعة، مقابل تحمّلهم بعض المخاطر.
وتم إطلاق تلك السندات لأول مرة في منتصف التسعينيات، في أعقاب إعصار أندرو وزلزال نورثردج، بعد أن أدركت شركات التأمين ضرورة نقل جزء من المخاطر التي يتعرضون لها حال حدوث كوارث طبيعية، حيث تتم مطالبتهم بمبالغ تفوق في أغلب الأحيان ما حصلت عليه تلك الشركات من المؤَمِّنين وعوائد الاستثمار، كما لم تفلح شركات إعادة التأمين في حل المشكلة.
وفي حالة عدم حدوث كوارث، يسترد المستثمر المبلغ الذي دفعه، بالإضافة إلى عائد مرتفع، وصل أحيانا إلى 20%. لكن في حالة حدوث الكارثة، يفقد المستثمر كامل المبلغ الذي اشترى به السندات لصالح شركات التأمين، والتي ستدفعه بدورها كتعويض للمؤَمِّنين لديها.
وكانت سوق تلك السندات محدودة إلى حدٍ ما بعد إطلاقها، واستغرقت عقدا ونصف العقد تقريباً حتى وصلت إلى ما قيمته 10 مليارات دولار. لكن في فترة السنوات الثماني التالية، ومع الانخفاض الحاد في عوائد السندات في أعقاب الأزمة المالية العالمية، ارتفعت قيمة السندات إلى نحو 30 مليار دولار.
ويقول مستشار سياسات الطاقة العالمية ومواجهة الكوارث في برنامج التنمية بالأمم المتحدة، أرمين جريجوريان، إن "الكوارث الطبيعية تضيف 26 مليون شخص كل عام إلى الفقراء، وفقاً لتقديرات البنك الدولي، بالإضافة إلى مليارات الدولارات من الخسائر الاقتصادية، وسندات الكوارث من الحلول التي يمكن اللجوء إليها لتخفيض تكاليف تلك الخسائر".