علاوة على الأوضاع المعيشية الصعبة التي يتخبَّط فيها المواطن الجزائري البسيط، أطلق وزير المالية عبد الرحمان راوية، تصريحاً مثيراً للجدل يوم 2 يوليو/تموز 2018 قال فيه إنَّه ستتم مراجعة الدعم الحكومي للطاقة ابتداءً من سنة 2019، واستدلَّ في تصريحه الذي لم يلقَ الترحيب من قبل الرأي العام على أن سياسة الدعم الحالية والمطبقة من قبل الحكومة تخالف مبدأ العدالة الاجتماعية، وأنَّه من غير الطبيعي أن تفوق استفادة شخص ذي راتب أعلى استفادة مواطن ذي راتب ضعيف من الدعم الحكومي.
وبرَّر الوزير ذلك بحقيقة أن نسبة استفادة الأسر ذات الدخول المحدودة من السلع الأولية المدعمة (كالسكر، الزيت، القمح والدقيق ..) تبلغ 7% فقط، بينما تصل نسبة استفادة أصحاب الدخول المرتفعة من ذلك الدعم إلى 14%.
وبناءً على ذلك الاكتشاف المتأخّر، أفاد وزير المالية بأن وزارته تقوم حاليا بدراسة ملف الدعم الحكومي للمواد الطاقوية ومراجعة الفئات التي تستحقّ ذلك الدعم.
ولإضفاء لمسة من التضامن والطمأنينة للرأي العام على تصريحه، قال وزير المالية إنَّ كل ذلك سيتم بالتواصل مع المواطنين، ولن تتَّخذ أيّ خطوة دون الحصول على جميع المعلومات والمعايير التي تسمح بتحديد الأسر التي تستحقّ الدعم، والمبالغ المخصصة للدعم المالي الذي سيحلّ محل الدعم القديم، وكذا طريقة التنفيذ والتطبيق على أرض الواقع، وإنَّه عند الانتهاء من كل ذلك سيتمّ التواصل مع جميع السلطات المعنية من أجل التنفيذ، بالإضافة إلى إطلاق حملة تواصل كبيرة مع المواطنين لشرح كيفية المضي قُدماً في هذا المشروع الذي يعود بالفائدة على الأسر المحتاجة فقط ويوفّر على الدولة أموال الدعم التي تذهب سنويا إلى جيوب الأغنياء.
ولا يخفى على أي اقتصادي أن الإجراء الذي أعلن عنه وزير المالية كان من المفروض أن يُطَبّق منذ بداية الألفية الثالثة، وهو إجراء صحيح اقتصاديًّا، كما أنَّه يخدم العدالة الاجتماعية، ويسعى لتعزيز المساواة في البلاد ويؤسس قاعدة متينة ليقوم عليها اقتصاد منتج يتماشى مع متطلبات التحرُّر من الريع النفطي، ولكن كيفية التطبيق ستكون سيّدة الموقف والمتحكّمة بمآلات هذا القرار.
ورغم ذلك تبقى قدرة وزارة المالية على تطبيق هذا القرار بحذافيره محلّ شَكّ، ومن المعقول جدا أن يُطَبّق الجزء الأول منه والذي يقضي برفع الدعم الحكومي عن الطاقة مع التهاون في التطبيق الحرفي للجزء الثاني من القرار والذي يشدّد على ضرورة تحويل مبالغ مالية للفئات التي تحتاج الدعم، وخاصة مع صعوبة تحديد تلك الفئات عبر كامل التراب الوطني الجزائري، فتلك الوزارة فشلت أصلاً في إحصاء وإخضاع أثرياء السوق السوداء للضرائب.
عند تسليط الضوء على القرار الخاص برفع الدعم عن الوقود والكهرباء ودفع العائلات الجزائرية إلى اقتناء تلك السلع بسعرها الحقيقي غير المدعم تتجلّى العديد من التناقضات نجد منها قدوم هذا القرار بالرغم من تمسُّك الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بسياسة الحماية الاجتماعية.
علاوة على ذلك، لقد سبق للحكومة أن اتخذت قراراً صائباً بتخفيض فاتورة استيراد الوقود والتي بلغت بشكل غير مسبوق 2.5 مليار دولار مع نهاية العام 2017 من خلال شراء مصفاة إيساب بمنطقة "بريولو بسيراكوزا" في جزيرة صقلية الإيطالية بقيمة مليار دولار، وهي أكبر مصفاة في أوروبا بطاقة تكرير تقدر بـ11 مليون برميل سنويا، لذلك يجب توخي الحذر في رفع الدعم عن الوقود والحرص على عدم تضرر المواطنين البسطاء ولاسيما في ظل توفر البديل والمتمثل في تلك المصفاة التي ستزيح ثقلاً كبيراً عن كاهل فاتورة استيراد الوقود.
ومن جهة أخرى فإن قرار وزير المالية بإلغاء الدعم عن الكهرباء بحجة أنّه يشكل عبئا كبيرا على ميزانية الدولة يثير دهشة كبيرة لاسيَّما مع اقتراب قيام الحكومة بتصدير الكهرباء إلى دول أفريقية وعربية أخرى نتيجة للاكتفاء الذاتي.
وهنا يأتي السؤال الجوهري: ما الداعي إذا لانقطاعات الكهرباء المتكررة، خاصة في الجنوب، طالما أنّ الجزائر مكتفية ذاتياً من الكهرباء؟ وماذا عن مشروع الطاقة الشمسية الذي بإمكانه توفير الكهرباء لكل الأسر إن لم يكن مجانًا فسيكون بسعر معقول جداً.
يحمل قرار رفع الدعم عن المواد الطاقوية مبدئياً في جعبته الكثير من الآثار السلبية التي تمسّ أولا وقبل كل شيء القدرة الشرائية للمواطن والتي أنهكتها زيادات الرسوم والضرائب، إضافة إلى تخفيض قيمة الدينار الجزائري في بداية السنة الجارية، وجاء هذا القرار ليستنزف ما تبقى في جيوب المواطنين البسطاء لاسيَّما في حالة سوء التنفيذ.
ويكمن الحل الذي يجنِّب الحكومة الغليان الاجتماعي في تحديد المواطنين الذين يستحقّون الحصول على تحويلات مالية بدلا من الحصول على الدعم في شكله السابق، وتحديد المبالغ المخصصة التي ستتخذ شكل تحويلات مالية للفئات المستهدفة، ولا بد من ذلك التحديد أن يكون دقيقاً جداً وأن يستغرق وقتا كافيا لتجنّب حرمان بعض الفئات وخصوصا تلك التي تعيش في المناطق النائية وما أكثرها.
كما ينبغي على الحكومة تطبيق هذا القرار بشكل جدِّيّ لفائدة الفئات الهَشّة اجتماعياً وأصحاب الدخول الضعيفة.
وفي كل الأحوال لن يغير الانتقال من سياسة الدعم العام إلى الدعم المستهدف شيئاً ولن يحسّن من الوضعية الاقتصادية للدولة إن لم تتَّخذ الحكومة إجراءات صارمة للحد من الفساد الذي ينخر الاقتصاد الوطني ويحرمه فرص التقدم، وإن لم تحد الحكومة من السوق السوداء الناشطة التي تمتص مبالغ مالية هائلة يجدر بها تحريك عجلة الاقتصاد الرسمي، ولن يحرِّك ذلك القرار المياه الراكدة إن لم تردع وزارة المالية التهرّب الضريبي الذي تنتهجه الحيتان الكبرى.
ويجب أن يُرفق هذا القرار برفع الأجور، تطوير البنية التحتية للطرق ورقمنة الاقتصاد الوطني كما هو معمول في الدول المتقدمة التي تنتهج طريقة الدعم المستهدف، وإلا فسيفتح فوّهة الجحيم ويؤجج الاحتقان الاجتماعي ويؤدي إلى اندثار الطبقة الوسطى في الجزائر.
وبرَّر الوزير ذلك بحقيقة أن نسبة استفادة الأسر ذات الدخول المحدودة من السلع الأولية المدعمة (كالسكر، الزيت، القمح والدقيق ..) تبلغ 7% فقط، بينما تصل نسبة استفادة أصحاب الدخول المرتفعة من ذلك الدعم إلى 14%.
وبناءً على ذلك الاكتشاف المتأخّر، أفاد وزير المالية بأن وزارته تقوم حاليا بدراسة ملف الدعم الحكومي للمواد الطاقوية ومراجعة الفئات التي تستحقّ ذلك الدعم.
ولإضفاء لمسة من التضامن والطمأنينة للرأي العام على تصريحه، قال وزير المالية إنَّ كل ذلك سيتم بالتواصل مع المواطنين، ولن تتَّخذ أيّ خطوة دون الحصول على جميع المعلومات والمعايير التي تسمح بتحديد الأسر التي تستحقّ الدعم، والمبالغ المخصصة للدعم المالي الذي سيحلّ محل الدعم القديم، وكذا طريقة التنفيذ والتطبيق على أرض الواقع، وإنَّه عند الانتهاء من كل ذلك سيتمّ التواصل مع جميع السلطات المعنية من أجل التنفيذ، بالإضافة إلى إطلاق حملة تواصل كبيرة مع المواطنين لشرح كيفية المضي قُدماً في هذا المشروع الذي يعود بالفائدة على الأسر المحتاجة فقط ويوفّر على الدولة أموال الدعم التي تذهب سنويا إلى جيوب الأغنياء.
ولا يخفى على أي اقتصادي أن الإجراء الذي أعلن عنه وزير المالية كان من المفروض أن يُطَبّق منذ بداية الألفية الثالثة، وهو إجراء صحيح اقتصاديًّا، كما أنَّه يخدم العدالة الاجتماعية، ويسعى لتعزيز المساواة في البلاد ويؤسس قاعدة متينة ليقوم عليها اقتصاد منتج يتماشى مع متطلبات التحرُّر من الريع النفطي، ولكن كيفية التطبيق ستكون سيّدة الموقف والمتحكّمة بمآلات هذا القرار.
ورغم ذلك تبقى قدرة وزارة المالية على تطبيق هذا القرار بحذافيره محلّ شَكّ، ومن المعقول جدا أن يُطَبّق الجزء الأول منه والذي يقضي برفع الدعم الحكومي عن الطاقة مع التهاون في التطبيق الحرفي للجزء الثاني من القرار والذي يشدّد على ضرورة تحويل مبالغ مالية للفئات التي تحتاج الدعم، وخاصة مع صعوبة تحديد تلك الفئات عبر كامل التراب الوطني الجزائري، فتلك الوزارة فشلت أصلاً في إحصاء وإخضاع أثرياء السوق السوداء للضرائب.
عند تسليط الضوء على القرار الخاص برفع الدعم عن الوقود والكهرباء ودفع العائلات الجزائرية إلى اقتناء تلك السلع بسعرها الحقيقي غير المدعم تتجلّى العديد من التناقضات نجد منها قدوم هذا القرار بالرغم من تمسُّك الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بسياسة الحماية الاجتماعية.
علاوة على ذلك، لقد سبق للحكومة أن اتخذت قراراً صائباً بتخفيض فاتورة استيراد الوقود والتي بلغت بشكل غير مسبوق 2.5 مليار دولار مع نهاية العام 2017 من خلال شراء مصفاة إيساب بمنطقة "بريولو بسيراكوزا" في جزيرة صقلية الإيطالية بقيمة مليار دولار، وهي أكبر مصفاة في أوروبا بطاقة تكرير تقدر بـ11 مليون برميل سنويا، لذلك يجب توخي الحذر في رفع الدعم عن الوقود والحرص على عدم تضرر المواطنين البسطاء ولاسيما في ظل توفر البديل والمتمثل في تلك المصفاة التي ستزيح ثقلاً كبيراً عن كاهل فاتورة استيراد الوقود.
ومن جهة أخرى فإن قرار وزير المالية بإلغاء الدعم عن الكهرباء بحجة أنّه يشكل عبئا كبيرا على ميزانية الدولة يثير دهشة كبيرة لاسيَّما مع اقتراب قيام الحكومة بتصدير الكهرباء إلى دول أفريقية وعربية أخرى نتيجة للاكتفاء الذاتي.
وهنا يأتي السؤال الجوهري: ما الداعي إذا لانقطاعات الكهرباء المتكررة، خاصة في الجنوب، طالما أنّ الجزائر مكتفية ذاتياً من الكهرباء؟ وماذا عن مشروع الطاقة الشمسية الذي بإمكانه توفير الكهرباء لكل الأسر إن لم يكن مجانًا فسيكون بسعر معقول جداً.
يحمل قرار رفع الدعم عن المواد الطاقوية مبدئياً في جعبته الكثير من الآثار السلبية التي تمسّ أولا وقبل كل شيء القدرة الشرائية للمواطن والتي أنهكتها زيادات الرسوم والضرائب، إضافة إلى تخفيض قيمة الدينار الجزائري في بداية السنة الجارية، وجاء هذا القرار ليستنزف ما تبقى في جيوب المواطنين البسطاء لاسيَّما في حالة سوء التنفيذ.
ويكمن الحل الذي يجنِّب الحكومة الغليان الاجتماعي في تحديد المواطنين الذين يستحقّون الحصول على تحويلات مالية بدلا من الحصول على الدعم في شكله السابق، وتحديد المبالغ المخصصة التي ستتخذ شكل تحويلات مالية للفئات المستهدفة، ولا بد من ذلك التحديد أن يكون دقيقاً جداً وأن يستغرق وقتا كافيا لتجنّب حرمان بعض الفئات وخصوصا تلك التي تعيش في المناطق النائية وما أكثرها.
كما ينبغي على الحكومة تطبيق هذا القرار بشكل جدِّيّ لفائدة الفئات الهَشّة اجتماعياً وأصحاب الدخول الضعيفة.
وفي كل الأحوال لن يغير الانتقال من سياسة الدعم العام إلى الدعم المستهدف شيئاً ولن يحسّن من الوضعية الاقتصادية للدولة إن لم تتَّخذ الحكومة إجراءات صارمة للحد من الفساد الذي ينخر الاقتصاد الوطني ويحرمه فرص التقدم، وإن لم تحد الحكومة من السوق السوداء الناشطة التي تمتص مبالغ مالية هائلة يجدر بها تحريك عجلة الاقتصاد الرسمي، ولن يحرِّك ذلك القرار المياه الراكدة إن لم تردع وزارة المالية التهرّب الضريبي الذي تنتهجه الحيتان الكبرى.
ويجب أن يُرفق هذا القرار برفع الأجور، تطوير البنية التحتية للطرق ورقمنة الاقتصاد الوطني كما هو معمول في الدول المتقدمة التي تنتهج طريقة الدعم المستهدف، وإلا فسيفتح فوّهة الجحيم ويؤجج الاحتقان الاجتماعي ويؤدي إلى اندثار الطبقة الوسطى في الجزائر.