تعاملت أسواق الصرف الأجنبي بهدوء مع التصعيد الأخير في النزاع التجاري بين بكين وواشنطن، وعدا الانخفاض الذي شهده اليوان الصيني في التعاملات الخارجية، شهدت العملات الرئيسية انخفاضات طفيفة. وحتى الآن لا يعرف المستثمرون في أسواق الصرف العالمية التي تقدر قيمتها بحوالى 5.3 ترليونات دولار، كيفية التعامل مع نذر الحرب التجارية، إذ لم يشهد العالم منذ إنشاء منظمة التجارة العالمية حرباً تجارية.
والعملة الصينية هي الوحيدة التي خسرت خلال الأسبوع الحالي، وسط تذبذبات انتهت اليوم الجمعة بخسارتها نسبة 0.7% مقابل الدولار إلى 6.3034 يوانات للدولار، وهي أعلى خسارة لليوان مقابل العملة الأميركية منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وكان اليوان قد ارتفع الأسبوع الماضي في أعقاب تصريحات صينية، حيث بلغ 6.2574 يوانات للدولار. وذلك حسب صحيفة " فاينانشيال تايمز". ويذكر أن بورصة هونغ كونغ هي السوق الخارجية الرئيسية للمتاجرة في اليوان وإلى حد ما سوق سنغافورة.
هبطت الليرة التركية إلى مستوى منخفض قياسي جديد مقابل الدولار يوم الجمعة، في الوقت الذي ينتاب القلق فيه المستثمرين إزاء ما أُثير بشأن انتقاد الرئيس رجب طيب أردوغان للسياسة النقدية، واستمرار نشر تقارير حول جهود حكومية لخفض أسعار الفائدة.
وعلى صعيد العملات الأخرى، يرى مصرف "مورغان ستانلي"، أن الدولار يتجه للارتفاع ليس فقط مقابل اليوان، ولكن كذلك أمام مجموعة من العملات الرئيسية الأخرى. ويقول المصرف الأميركي في تحليل نقلته وكالة" بلومبيرغ"، إن قوة الاقتصاد الأميركي واحتمالات رفع الفائدة الأميركية ستدعمان سعر صرف العملة الأميركية. ويعتقد المصرف الأميركي أن المفاوضات التجارية بين بكين وواشنطن ستفضي في النهاية لتسوية تجارية وليس إلى حرب. وفي باقي العملات سجل الدولار انخفاضاً طفيفاً أمام الين الياباني، لكنه ارتفع مقابل اليورو بنسبة 0.06%.
وما جعل المستثمرين يبيعون اليوان في العقود الآجلة، أن النظام السياسي في الصين يعتمد على قوته الاقتصادية. وقال خبراء في هذا الصدد إن المصالح التجارية بالنسبة للنظام الصيني مسألة "حياة أو موت"، حيث إن الاقتصاد الصيني الذي يقدر حجمه بحوالى 12 ترليون دولار، ليس مبنياً فقط على توفير الوظائف والسلع والخدمات التي يحتاجها المواطنون مثلما هو الحال بالنسبة للاقتصاد الأميركي. وبني النظام الاقتصادي في مرحلة الرئيس جين بينغ شي على التصدير، وبالتالي فإن حرمانه من السوق الأميركي الضخم يمثل مسألة حيوية في بقاء النظام الحالي في الحكم ومستقبل الحزب الشيوعي الذي عاد بقوة مع صعود الرئيس شي.
ويرى اقتصاديون إن فشل النظام الاقتصادي الصيني ربما يقود إلى أزمة سياسية في البلاد ويقود إلى اضطرابات في بلد ضخم. وعلى الرغم من القوة الظاهرية، فإن الصين في الواقع ليست متماسكة وقوية كما يبدو. وذلك حسب رأي البروفسور البريطاني جون ديفي الذي عمل فترة في الصين.
ويشير اقتصاديون إلى أن الصين ستعمل في النهاية كل ما بوسعها لتفادي الحرب التجارية مع أميركا، لأنها ستدخلها في مشاكل عديدة مع دول العالم، خاصة حلفاء أميركا في أوروبا، وأنها ستعمل في النهاية على الوصول إلى تسوية مع واشنطن بشأن العجز التجاري.
وعلى صعيد العجز التجاري سبب النزاع يقول أستاذ العلوم المالية والاقتصادية في جامعة تكساس، ستيفن ماجي، إن هناك سببين للعجز التجاري الأميركي مع الصين. الأول، أن الصين تنافسية للغاية في التصنيع بفضل الأجور المنخفضة. والثاني، الصين لديها أعلى معدلات ادخار حكومية وفردية. وأشار إلى أن "الولايات المتحدة تتمتع بميزة شراء بضائع مصنعة أرخص، وتمويل الاستثمارات الأميركية بالمدخرات الصينية الوفيرة. من جانبه يرى بريان ترينك، المحاضر بقسم الاقتصاد بجامعة تكساس، أن العجز التجاري لا ينبغي التلاعب به عبر السياسات.
والعجز التجاري هو استراتيجي بالنسبة للدولار كعملة احتياط دولية وتسوية للصفقات التجارية. وقال "إن العجز التجاري ليس سيئا، والعجز التجاري الضخم ليس أسوأ من العجز التجاري القليل. والسياسات الهادفة للتلاعب بحجم العجز التجاري ليس لها أساس في الاقتصاد".