تراجعت التحويلات الخارجية إلى اليمن وكذا تحويلات المغتربين، بالطرق الرسمية، بشكل يهدد احتفاظ البنك المركزي بأية احتياطيات من النقد الأجنبي خلال فترة وجيزة، إذ هربت الأموال إلى السوق الموازية، التي غالباً، ما توفر سعر صرف يفوق ما حدده البنك المركزي بنحو عشرة بالمئة على الأقل.
وأكد نائب رئيس الغرفة التجارية بالعاصمة صنعاء، محمد صلاح، أن الإحصاءات المتاحة، وبعضها رسمية، تشير إلى تراجع التحويلات الخارجية بنحو يقترب من 85% خلال العام الماضي، بفعل القرارات المتخذة سابقا من جانب البنك المركزي، والتي تتضمن تسليم الحولات داخل اليمن بالعملة المحلية، لا بالعملة التي جرى التحويل بها.
وقال صلاح لـ "العربي الجديد": "كشفت الإحصاءات الاقتصادية أن التحويلات الخارجية إلى اليمن وتحويلات المغتربين تراجعت بشكل كبير عبر الأطر الرسمية، حيث لم تتعد التحويلات الواردة عبر شركات الصرافة والبنوك اليمنية سوى ما نسبته 15 إلى 20% من مستويات التحويل في 2014".
وأشار إلى أن الغرفة التجارية كانت تقدمت بعدة مطالبات إلى البنك المركزي بإلغاء قرار تسليم الحوالات بالعملة المحلية "الريال"، استنادا إلى أن تحويلات المغتربين رافد أساسي للاقتصاد الوطني، حيث تصل إلى ما يقارب من 4 مليارات دولار سنويا.
وكان البنك المركزي اليمني أقرّ عقب اندلاع الحرب في مارس/آذار 2015، منع التداول بالدولار، في خطوة تهدف إلى الحفاظ على سعر العملة المحلية خشية انهيارها، كما أقر تسليم الحوالات الواردة بالريال اليمني.
وبعد مرور عام من الحرب أفاق المركزي اليمني على كارثة تراجع الحوالات الخارجية إلى اليمن بنسبة 85% خلال العام 2015، فألغى قراره السابق بشأن تسليم الحوالات الواردة بالعملة المحلية.
مصدر حيوي
وتعد تحويلات المغتربين اليمنيين مصدراً حيوياً لمساندة مالية الدولة اليمنية الذي تآكل جزء كبير من احتياطاتها من النقد الأجنبي منذ سيطرة الانقلابيين الحوثيين على مؤسسات الدولة في سبتمبر/أيلول 2014 وبدء الحرب أواخر مارس/آذار 2015.
وعزا الخبير الاقتصادي اليمني، أحمد شماخ، تراجع تحويلات المغتربين والحوالات الخارجية الواردة لليمن، إلى قرار البنك المركزي اليمني الذي اتخذه العام الماضي، والذي يؤكد على منع التعامل بالدولار وإلزام البنوك وشركات الصرافة بتسليم الحوالات الخارجية بالريال، وفقا للسعر المحدد من قبل البنك بنحو 215 ريالا للدولار.
وقال شماخ لـ "العربي الجديد": "هذا القرار أدى الى حرمان الأفراد من استلام الحوالات المالية القادمة من الخارج بالعملات الأجنبية وإنما بالريال اليمني وبالسعر الرسمي (215 ريالا مقابل الدولار الأميركي و57 ريالا مقابل الريال السعودي)، وهو ما شكل خسارة كبيرة للمستفيدين، وأدى إلى تراجع كبير في الحوالات الواردة" .
وأشار شماخ، إلى أن هذا القرار دفع الكثيرين من المغتربين للبحث عن طرق غير رسمية لإرسال حوالتهم إلى اليمن، عبر ما يسمى بوكلاء المغتربين، وبذلك تتقلص حجم التحويلات المالية، الواردة عبر شركات الصرافة الرسمية.
واعتبر شماخ أن تراجع تحويلات المغتربين أجبر البنك المركزي، الشهر الماضي، على إلغاء قرار سابق يمنع التعامل بالدولار ويلزم البنوك وشركات الصرافة بتسليم الحوالات الواردة بالعملة المحلية، لكن تأثير إلغاء القرار لا يزال ضعيفا، بعدما انخرط مئات الآلاف من المغتربين في التعامل مع السوق الموازية.
ورحبت الغرفة التجارية الصناعية في صنعاء، بالإجراءات التنظيمية التي اتخذها البنك المركزي اليمني بشأن الحوالات الواردة من الخارج.
وأكدت الغرفة، أن إلغاء قرار تسليم الحوالات الواردة بالعملة المحلية سيعزز من توفير النقد الأجنبي في البلاد، ويوثق العلاقة بين أبناء الوطن المغتربين في الخارج مع وطنهم الأم، وتحفيزهم لإرسال الحوالات والاستفادة من قيمتها للتنمية في الداخل، مضيفة في بيان صحافي، أن القراريعزز الاستقرار النقدي من جهة، ويسهم في جذب مدخرات المغتربين والاستفادة منها للاستثمار الرأسمالي لأسرهم وذويهم دون الانتقاص من قيمتها.
تحويلات الخليج
وحسب إحصائيات المصرف المركزي اليمني، فإن تحويلات المغتربين اليمنيين الرسمية، بلغت 3.298 مليارات دولار عام 2013، بنسبة 9.5% من الناتج المحلي. وبلغت 3.3 مليارات دولار عام 2014، أي 9.1% من الناتج المحلي الإجمالي. وبلغ متوسط تحويلات المغتربين اليمنيين بين عامي 2000 و2014 نحو 1.685 مليار دولار سنويا.
ويعتمد اليمن بشكل كبير على تدفقات التحويلات الآتية من بلدان مجلس التعاون الخليجي حيث تشكّل أكثر من 91% من إجمالي تدفقات التحويلات، حسب الإحصائيات الرسمية.
وأكدت دراسة حكومية حديثة، أن التحويلات ساهمت في دعم ميزان المدفوعات، وأدت في بعض السنوات إلى تحويل عجز الميزان إلى فائض، ما ساعد حساب التحويلات الجارية، الذي تجاوز 1.548 مليار دولار سنوياً في المتوسط بين عامي 2000 و2010 من خلال تحويلات المغتربين، في دعم الحساب الجاري وبالتالي الميزان الكلي للمدفوعات.
وأفادت الدراسة التي حصلت "العربي الجديد" على نسخة منها، أن تلك التحويلات تمثّل مصدراً مهماً لدخل الفقراء وغير الفقراء في الريف والحضر على حد سواء، ويحصل أكثر من ربع الفقراء على تحويلات من خارج البلد، ويتوزّعون على 22 %من فقراء المناطق الحضرية و29% من فقراء الريف.
وتُوجه التحويلات المالية لتغطية نفقات الزواج أو تسديد ديون سابقة تراكمت على المغترب أو العامل أو أسرته، بما في ذلك تسديد تكاليف السفر للعمل في الخارج، ويسعى بعضهم إلى ادخار جزء من التحويلات نقداً أو على شكل مصوغات ذهبية، أو استثمارها في شراء قطعة أرض أو الاتجاه لبناء مسكن جديد أو بدء أنشطة ذاتية تولد دخلا.
ويبلغ عدد المغتربين اليمنيين في الخارج نحو 3.9 ملايين مواطن، يتركز معظمهم في دول الخليج العربي ويزداد عددهم سنوياً بشكل ملحوظ، وفقاً لوزارة المغتربين اليمنية.
واعتبر خبراء في الاقتصاد، أن تحويلات المغتربين اليمنيين تمثل المصدر الأول للنقد الأجنبي في الاقتصاد حالياً، وأن أي تراجع سيفاقم الأزمات المعيشية.
وبحسب الخبراء، ساهمت الحوالات الواردة المتنامية في تغطية توقف صادرات اليمن من النفط خلال الفترة الماضية، بالإضافة إلى أنها أصبحت العامل الرئيسي الداعم للعملة المحلية، ولذا فان أي تراجع في تحويلات المغتربين سينعكس في تدهور قيمة العملة المحلية.