يُعدّ النظام السوري لبيع عدد من القطاعات العامة، عبر خصخصته، وذلك في محاولة لتأمين السيولة وتغطية العجز في الموازنة.
وقد أعلن وزير سوري سابق في حديث مع "العربي الجديد" أن: "الخطوة المقبلة لنظام بشار الأسد هي الخصخصة ومحاولة بيع القطاع الحكومي، إذا وجد من يشتريه، بعدما استنفد كل فرص الحصول على سيولة يموّل بها حربه".
وأضاف الوزير، الذي فضل عدم ذكر اسمه، "تعاني الحكومة السورية من أزمات مالية ضاغطة وعجز هائل في الموازنة، بعد تبديد الاحتياطي النقدي في المصرف المركزي وتراجع الانتاج الزراعي وتوقف عجلة الإنتاج الصناعي و كل عائدات النفط والسياحة".
تبريرات وإغراءات
وكشف الوزير أنه "سيتم التنازل قريباً عن حصة الدولة في شركتي الخلوي، وسيطرح قطاع الكهرباء للاستثمار أمام القطاع الخاص ويُعلن عن بيع بعض المنشآت الصناعية".
أما المبررات التي يسوقها النظام في كواليس لقاءاته فهي "ضرورة مشاركة أبناء الوطن في إعادة تشغيل القطاعات المتوقفة، والتمهيد للحصول قروض خارجية عبر الالتزام بخصخصة بعض القطاعات وفق الأنماط التي تعممها الصناديق والمؤسسات الدولية".
في حين يقول الوزير السوري: "لن يأتي أحد ليستثمر في سورية في واقع القصف والحرب، وإن أتى أحد فسيكون مرغماً كما بعض رجال الأعمال السوريين الذين بدأ النظام بإغرائهم ليعفو عنهم ويرفع عن ممتلكاتهم الحجز الاحتياطي. أو ربما يأتي من يريد تبييض أمواله، كما حدث عام 2005 بعد خروج القوات السورية من لبنان، والفورة التي شهدها قطاع العقارات والصناعة، وعودة أموال النظام وشركائه من الخارج".
البداية من القطاع الصناعي
ووافقت اللجنة الاقتصادية في رئاسة الوزراء السوري، أخيراً، على مذكرة وزارة الصناعة المقدمة من شركة خاصة لشراء شركة صناعة الأخشاب باللاذقية وشركة الحرير الطبيعي بدريكيش وشركة تعبئة مياه نهر السن بطرطوس، على أن يكون للدولة السورية نسبة تساوي قيمة الأصول الثابتة والموجودات في تلك الشركات، وهو ما يعبر عن بداية علانية للخصخصة وبيع الشركات الحكومية.
وتكتمل الدلالات بتسليف الحكومة السورية لبيع القطاع الصناعي عبر عرض قيمة الأضرار والخسائر التي لحقت بقاطرة التنمية وإعلان العجز عن إعادة تأهيله.
المهندس محمد أبو علي قال لـ"العربي الجديد" إن: "سبب شل القطاع الصناعي يعود لذهنية المزرعة المعتمدة في سورية، حتى قبل الثورة، فتعيين المديرين والمسؤولين على حسب الولاء كان سبب تهديم الصناعة السورية، كما أن اتفاقيات التجارة الحرة التي وقعتها سورية قبيل الثورة، أتت على العديد من الصناعات وسببت في إغلاق الكثير من المنشآت، لعدم القدرة على التنافس، سواء مع بعض السلع العربية أو التركية".
وأضاف أبو علي: "أتت الحرب على نحو خمسين شركة ومنشأة صناعية، يضاف إليها توقف 14 منشأة قبل الثورة، لنكون أمام خروج أكثر من نصف الصناعة السورية من الإنتاج". وتابع المهندس أبو علي: "الخصخصة قد تعود على الدولة بمبالغ، لكنها ستصرف، وتبقى الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وعلى رأسها البطالة".
سياسة تراكمية
وتسعى الحكومات السورية المتعاقبة منذ نحو عشر سنوات إلى بيع القطاع الصناعي الحكومي في سورية، بعدما "انتهجت جدلية الخاسر والمخسر"، كما تقول الناشطة فاديا أبو زيد العاملة في وزارة الصناعة سابقاً لـ"العربي الجديد"، "فمنذ حكومة ناجي العطري الأولى، تحاول سورية ضمن نهج ليبرالي، قاده عبد الله الدردري نائب رئيس الوزراء السابق، خصخصة القطاع الحكومي والخضوع لشروط البنك وصندوق النقد الدوليين".
وقالت أبو زيد: "كنا نستغرب الاجراءات الحكومية تجاه الصناعة، لأننا كنا نرى طرق تخسيره وتدميره، وقت طرحت الحكومة 40 منشأة صناعية للخصخصة، ولكن بطريقة خجولة. وأعلنت عن فتح باب الاستثمار السياحي على أراضي المنشآت الصناعية، وفي العام نفسه تم سحب الدعم عن المشتقات النفطية وبدأت سياسة التفقير التي كانت سبباً في احتقان الشعب السوري ليقوم بثورته".
ذريعة الخسارة وبالأرقام
وإضافة إلى سياسة إغراق المنشآت بالموظفين، وفق نهج أبوية الدولة، كانت سورية ترخّص للقطاع الخاص بشروط ومزايا تشجيعية، ما يضع القطاع الحكومي أمام منافسة عرجاء، إن أمام الإنتاج السوري الخاص، أو أمام السلع والمنتجات الوافدة من الدول التي وقعت سورية معها اتفاقات، لاعتبارات سياسية في غالب الأحيان، دون دعم صناعتها أو تشجيع الصادرات.
فعلى سبيل المثال، وقبل أن تطرح وزارة الصناعة معمل "اسمنت دمر" للاستثمار السياحي، عرضت خسائره، إلى جانب منشآت أخرى مطروحة للبيع، لتبرر بيعه بدل أن تبحث عن أسباب الخسارة، رغم أن الاسمنت صناعة رابحة ولا يمكن أن تخسر.
ملامح تخلّي الدولة عن القطاع الحكومي طاولت الكهرباء، حيث دعت وزارة الكهرباء السورية إلى "مساهمة القطاع الخاص بالاستثمار في مجال توليد الكهرباء وتوزيعها"، في خطوة رآها المهندس عبد الرزاق حازم بداية للتخلي عن هذا القطاع.
وأضاف المهندس حازم لـ"العربي الجديد" سيسبب دخول القطاع الخاص قطاع الكهرباء إشكاليات كثيرة، أبسطها زيادة أسعار الطاقة على المستهلكين، وستؤدي بالنهاية إلى التخلي التدريجي عن القطاع، لأن النظام السوري بدأ يروّج اليوم ويكثر الكلام عن مدى خسائر هذا القطاع والأعباء التي تتكلفها الحكومة.
وهذا يعني، بحسب حازم، أن "الدولة تعدّ لفتح باب الاستثمار في توليد الكهرباء وتوزيعها، كبداية لتصل إلى خصخصة ولو جزئية لقطاع الكهرباء".
خصخصة لرامي مخلوف
وفي الجهة المقابلة، يتململ رجل الأعمال رامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد، من حصة الدولة من عائدات الخلوي في سورية، بعدما حصل على غالبية الحصص في شركتي "سيريتيل" و"MTN" وإن معه بعض المساهمين من سورية ولبنان، كواجهات، لضرورة التعددية.
فمجلس الوزراء السوري وخلال جلسة 23-2-2014 أوصى بتشكيل لجنة لبحث صيغة عقدية جديدة لشركتي الخلوي في سورية عبر الترخيص للشركتين، أي الخصخصة وتنازل الدولة عبر "مؤسسة الاتصالات" عن حصتها للمستثمرين، وبالتالي تفويت مليارات الدولارات سنوياً على الدولة.
وقال رئيس الوزراء وائل الحلقي خلال جلسة الحكومة الأسبوعية في تبريره للترخيص "هناك حرص للحكومة على الوقوف إلى جانب شركتي الاتصالات الخلوية ومساعدتهما على الاستمرارية". وقد بلغت ايرادات الشركتين 100 مليار ليرة عام 2013، ورفعت الشركتان أسعار الخدمات بنسبة 45% منذ بداية أيلول/سبتمبر 2013.