تسعى المملكة العربية السعودية إلى خصخصة العديد من القطاعات الحكومية، ضمن خطة ترمي إلى تنويع الاقتصاد وإيجاد بدائل للنفط الذي تأثرت إيرادات البلد بتهاوي أسعاره في الأسواق العالمية على مدار أكثر من عام ونصف.
وتمتلك السعودية أكبر منتج للنفط في منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك"، أكبر مخزون من النفط في العالم، وتنتج نحو 10.28 ملايين برميل يوميا، لكنها بدأت في الآونة الأخيرة باتخاذ خطوات جادة نحو تطبيق الخصخصة التي تم اعتماد نهجها قبل 15 عاما لكن توقف العمل بها.
وتشير التقديرات المحلية إلى أن خطة الخصخصة تستهدف توفير أكثر من تريليون ريال (267 مليار دولار) للدولة من خلال عمليات البيع، كما توفر نحو 100 مليار ريال من النفقات السنوية (26.7 مليار دولار).
وهناك نحو 14 قطاعا تسعى الدولة لخصخصتها، من أبرزها المطارات، البريد، الموانئ، شركة السوق المالية، مصانع الغلال، وتحلية المياه، والتعليم والصحة والزراعة، وفق ما ذكرته مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد".
وكان وزير الصحة، خالد الفالح، قد أعلن مؤخرا عن وجود دراسة لخصخصة المستشفيات الحكومية، على أن تكون الوزارة هي الجهة المشرفة عليها.
كما أشار وزير التعليم، محمد العيسى، إلى أن هناك دراسة لخصخصة عدد غير محدد من المدارس الحكومية النموذجية.
وجاء تحريك خطط الخصخصة مرة أخرى في ظل ضغط الأسعار الحالية للنفط البالغة 40 دولارا للبرميل مقابل 115 دولارا قبل يونيو/حزيران 2014، على ميزانية البلاد التي تعتمد بشكل أساسي على البترول كمصدر رئيسي للدخل.
مراجعات جادة
وقال المحلل الاقتصادي أحمد السويلم، الذي يدير مركز مال للدراسات الإستراتيجية المتخصص في المشاريع الناشئة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن السعودية تجري مراجعة جادة للسياسة الاقتصادية ووضع هيكل جديد لإدارة الاقتصاد. وبحسب مصادر مسؤولة، فإن البداية ستكون بطرح أسهم المؤسسة العامة للموانئ، المملوكة للدولة للاكتتاب العام من خلال طرح أسهمها في البورصة، بعد إعادة هيكلتها لتتحول لكيان مستقل، أكثر قدرة على تحقيق الأرباح.
وقالت المصادر إن وزارة الشؤون البلدية والقروية تدرس هي الأخرى، إسناد تحصيل رسوم اللوحات الإعلانية والترويجية في الشوارع والطرقات ولوحات المحال التجارية إلى القطاع الخاص عبر شركات متخصصة، واستثمار مواقع جديدة لا يتم الاستفادة منها حاليا بهدف رفع كفاءة تحصيل الإيرادات إلى نحو 10 مليارات ريال (2.66 مليار دولار) بحلول عام 2020، في حين لا تتجاوز هذه الإيرادات حاليا 3 مليارات ريال (800 مليون دولار).
ومن أبرز المجالات التي ستطاولها الخصخصة، شركة السوق المالية السعودية (تداول)، التي تعتبر أكبر سوق مالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويبلغ رأس مالها 1.2 مليار ريال (320 مليون دولار)، وهي مملوكة حاليا بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة الذراع الاستثماري للحكومة.
كما ستطاول الخصخصة المؤسسة العامة للخطوط الحديدية، والمؤسسة العامة للخطوط الجوية التي تم البدء بالفعل في خطوات نحو تخصيص أجزاء منها، والمؤسسة العامة لتحلية المياة المالحة التي تبلغ ميزانيتها نحو 15 مليار ريال (4 مليارات دولار)، وتخطط الدولة أيضا لخصخصة المطارات الدولية الرئيسية الثلاثة وهي مطار الملك خالد الدولي ومطار الملك عبدالعزيز الدولي ومطار الملك فهد الدولي، التي تتبع حاليا هيئة الطيران المدني بميزانية تصل إلى 16 مليار ريال (4.3 مليارات دولار)، وهيئة الإذاعة والتلفزيون.
وقال المحلل المالي، ربيع سندي، إن فتح الأسواق السعودية للمستثمر الأجنبي في المزيد من الأنشطة سيضاعف من نسبة مساهمة قوة العمل السعودية في هذه الأنشطة، ودعم الاقتصاد السعودي أكثر.
وأضاف سندي لـ"العربي الجديد"، أن "دخول الشركات الأجنبية سيؤدي إلى وجود صناعات محلية بخبرات عالمية، إضافة إلى زيادة نسب الصادرات غير النفطية والتوسع في تنمية القاعدة الاقتصادية للبلاد، وكل هذه أمور إيجابية وستنعكس بقوة على الاقتصاد السعودي".
وتابع أن إحصائيات التجارة الخارجية تشير إلى أن السعودية تستورد 85% من السلع الاستهلاكية من 92 دولة، لهذا فإن العمل على استقطاب الشركات المنتجة والمؤسسات التجارية سيزيد من استفادة الاقتصاد المحلي. وبحسب مصادر مسؤولة، فإن من المتوقع توسيع فتح الاستثمار المباشر ودون قيود أمام الشركات الأجنبية في بعض القطاعات الاقتصادية على غرار قطاع التجزئة، الذي تم فتحه للشركات الأجنبية قبل 8 أشهر بنسبة 100%.