أقر وزير الدولة بوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي في السودان، طارق شلبي، بوجود أزمة حقيقية في النقد الأجنبي أفرزت واقعاً سيئاً ارتفعت خلاله أسعار السلع ودخل معه البلد في تحديات عميقة، قبل أن يشير إلى جهود تبذلها الحكومة لمعالجة الوضع عبر تحجيم استيراد بعض السلع غير الضرورية، مبيّنا أن الحلول المقبلة ستضم وزارة المالية وبنك السودان والقطاع الخاص والبنوك.
الوزير الذي كان يتحدث في منتدى حول أزمة النقد الأجبني، اليوم الأربعاء، اشترط أن تشتمل الحلول على إصلاح مؤسسات الدولة التي تدير الشأن الاقتصادي، لتنعكس إيجاباً على أنشطة المواطن بدلاً من المؤشرات العامة، مطالباً بمزيد من التدقيق في الإنفاق ورفع نسبة الصادر توطئة لتجاوز المشكلة المستحكمة.
وفي الأثناء، رسم اقتصاديون تحدثوا في المنتدى صورة قاتمة لمستقبل الاقتصاد السوداني، وأكدوا أن فشل الإصلاح الاقتصادي سببه السياسات الحكومية التي أحدثت أزمة ثقة بين المواطن والمستثمر ورجل الأعمال. وقالوا إن السودان يحتاج إلى 97 مليار دولار لسد فجوة النقد الأجنبي خلال الفترة بين عامَي 2019 و2025.
ورهنوا نجاح عمليات الإصلاح الاقتصادي بالتوجه نحو القطاع الزراعي وتفعيل مبادرة الأمن الغذائي وإيجاد صيغة مُثلى لجذب مدخرات المغتربين، مؤكدين أن الاعتماد على مورد النفط والذهب غير مستدام.
ورأى آخرون أن ما يمر به السودان أزمة حقيقية سببها ضعف قاعدة الإنتاج وتراجع الاستثمار والتمويل الأجنبي، مطالبين بمراجعة لسياسات النقد الأجنبي ومسألة الهيمنة المالية على السيولة المصرفية، قائلين إن محاولات ترشيد السيولة التي أقرها البنك المركزي أدت إلى ضمور اقتصادي وسببت أزمة هيكلية، وطالبوا بتفعيل العلاقات الخارجية والوصول إلى صيغة مُثلى مع المجتمع الدولي لإعفاء الديون ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
واتفق كثير من المناقشين على أن تعدد مراكز اتخاذ القرار الاقتصادي أفشل كل الخطط التنموية، وقالوا في ظل هذا الوضع يصعب على متخذي القرار الاقتصادي إحداث تنمية متوازنة، كما أن تعدّد أسعار الصرف أدى إلى تحايل البعض وإحجام كثير من المواطنيين عن إيداع مبالغهم بالمصارف.
أما المصرفي عثمان التوم فيقول بضرورة وجود عدة مراكز في إدارة الاقتصاد، بعضها علني وبعضها مستتر، ويقول في هذا الجو يصعب على متخذ القرار الوصول إلى سد الفجوة، فيما يقول المصرفي الهادي خالد، إن تعدد أسعار الصرف أدى إلى تحايل الناس، كما الفوارق التي ادت إلى الإحجام عن الإيداع.
وقالت آمنة أحمد سعد من وزارة المالية إنه إذا كان بنك السودان المركزي يشتري الذهب بالسعر العالمي فلماذا يهرب الذهب؟
بدوره، يقول البروفسور حسن بشير، الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد بالجامعات السودانية، إن ما يمر به اقتصاد السودان حالياً هو أزمة حقيقية وليس فجوة في النقد الأجنبي، وأرجع ذلك إلى ضعف القاعدة الإنتاجية وضعف تنافسية القطاع الخاص والاستثمار والتمويل الأجنبي.
وأضاف أن "هذه الأسباب تخطت الاقتصاد بل أصبحت شأناً سياسياً يحتاج إلى حلول، وقال نحن فى حاجة إلى مراجعة لسياسات النقد الأجنبي والتنسيق المالي والنقدي، كما أن الهيمنة المالية وتحجيم السيولة يحتاجان لعلاج، ووصف محاولات ترشيد السيولة بأنها غير منتجة أفقدت المصارف المصداقية".
وتابع أن "الاضطراب في سوق الذهب الذي يعتبر مصدراً رئيسياً للنقد يستفيد منه آخرون"، وقال: "حاليا الطلب على النقد الأجنبي يفوق عوائد الصادر المتاحة، مبيّناً أن عدم تخصيص الموارد للإنتاج أدى إلى ضمور اقتصادي وتسبب في أزمة هيكلية"، مطالباً بجهود سياسية لإعفاء ديون السودان الخارجية لفتح قنوات تمويل، كما أن عقبة رعاية الإرهاب تقف حائلاً دون حصول السودان على منح وقروض.