قبل ثلاثة أسابيع من هذا التاريخ، كان السعر المرجعي للنفط الخام في بحر الشمال (برنت) يحوم حوالي السبعين دولاراً للبرميل، ولكنه أميل إلى 69 دولاراً للبرميل الواحد.
والسبب كان بالطبع هو زيادة إنتاج النفط في دول الخليج من أجل التعويض عن النقص الذي حصل في مبيعات النفط الإيراني، بسبب تشديد الولايات المتحدة من إجراءاتها وعقوباتها الاقتصادية على الدول والشركات التي تشتري النفط من إيران.
وبالطبع، هنالك دول مثل الصين التي لن تأبه بتلك العقوبات، لأنها داخلة في معركة اقتصادية شاملة مع الولايات المتحدة، بأبعادها التجارية والتكنولوجية والنفطية واللوجستية.
ولكن لمّا ظهرت إعادة التقديرات لمعدلات النمو الدولية المتوقعة للعام 2019، تبيّن أنها لن تكون عند المستوى الذي توقعته مؤسسات مالية دولية، مثل صندوق النقد والبنك الدوليين.
وبالفعل، حصل تراجع في الطلب على المشتريات المستقبلية للنفط، ما دفع سعر برنت الخام إلى ما دون ستين دولاراً.
وأدركت كل من المملكة العربية السعودية وروسيا، أكبر منتجين للنفط في العالم، أن هنالك فائضا في عرض النفط، فاتفقت "أوبك" وروسيا على تقليل الإنتاج، ما دفع بسعر النفط، صباح يوم الإثنين 10/6/2019، إلى القفز إلى حاجز 63.7 دولاراً للبرنت الخام، بزيادة 7.0% عن السعر يوم الجمعة السابق.
ولكن الذي عزّز ذلك الارتفاع هو الربط الذي يجريه المضاربون على النفط بين الاتفاق الذي حصل بين الولايات المتحدة والمكسيك، والذي تزيد بموجبه الأخيرة رقابتها على المهاجرين القادمين من أميركا الوسطى، خصوصا غواتيمالا.
وألغت الولايات المتحدة، في المقابل، تهديدها بزيادة الرسوم الجمركية على مستورداتها من المكسيك، والمقدرة بحوالي 350 مليار دولار سنوياً.
وهنالك عدد من الأزمات الدولية التي تستخدم وسيلة للتأثير على مزاج المضاربين والمتعاملين في الأسواق، فهنالك أزمة الخليج والتحشيد العسكري للحد من النفوذ الإيراني وتطبيق الحصار الاقتصادي عليها، والتصريحات الصادرة عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول هذا الملف بقرب الحرب أو استبعادها، وبالتبشير ببدء المفاوضات أو نفيها، بحدوث هجوم على منصّاتٍ نفطية بطائراتٍ بدون طيار، وتباين التغطية الإعلامية حول أهميته من عدمها..
وتنعكس كل هذه التقلبات فوراً على أداء الأسواق، صعوداً وهبوطاً. ولا بد أن جهةً ما تحقق لنفسها أرباحاً طائلة من ذلك.
وهنالك بالطبع الأزمة الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة، والتي يستغلها الطرفان لتأكيد قدرتهما الاقتصادية والنفسية والإعلامية على مواجهة الطرف الآخر.
ولقد تبيّن من الأزمة أن الصين بدأت تتخلى في سلوكها وتصريحاتها عن المقولة التي تمسّكت بها عقودا، وهي أنها على الرغم من حجم اقتصادها الكلي، والذي يضعها في المرتبة الثانية عالمياً، إلا أن معدل دخل الفرد فيها يجعلها دولة فوق متوسطة الدخل (16 ألف دولار للفرد)، بينما يبلغ هذا الرقم 60 ألف دولار في الولايات المتحدة، حسب مقياس القوى الشرائية، وفق آخر إحصائيات متاحة للعام 2019. ولكن المواجهة مع الولايات المتحدة دفعت الصين إلى التكشير عن أنيابها، والتخلي عن التواضع المعهود في تصريحات المسؤولين فيها.
وقد رأينا الرئيس الأميركي يتحرّك كثيراً، مستغلاً أي مناسبة خارج وطنه لعمل ذلك، ففي الأسبوعين الأخيرين قام بزيارة دولية إلى المملكة المتحدة، وزار شواطئ نورماندي ليحتفل بالعيد الخامس والسبعين في فرنسا لغزو الحلفاء الذي بدأ هناك يوم الرابع من يونيو/ حزيران 1944. وكذلك شارك في مؤتمر مجموعة العشرين.
وزار الرئيس ترامب قبل ذلك اليابان، وتوصل إلى اتفاق تجاري وعسكري معها، ونجح في الوصول إلى اتفاقٍ يستطيع أن يسميه ناجحا مع المكسيك، ومع كندا، وها هو يتفاوض مع الاتحاد الأوروبي، ولكن موقفه من الاتحاد يزعج الأوروبيين، وخصوصا أنه مؤيد للمتشددين في موضوع "بريكست" داخل المملكة المتحدة.
سيبقى الاقتصاد الدولي في حالة شدّ وإرخاء وتذبذب، وسيبقى سعر النفط متأثراً بها، وستبقى درجة حساسية الأسواق مرهونةً بتصريحات المسؤولين في الغرب وفي الصين، وإلى أجلٍ لا نستطيع التنبؤ به إلى أمد قد يطول.