على الرغم من مرور عشر سنوات على الأزمة المالية العالمية، التي تسببت فيما يطلق عليه في أميركا "الركود الكبير"، إلا أن المناقشات لم تتوقف طوال تلك السنوات، في مراكز الأبحاث الاقتصادية، وفي الجامعات والمعاهد، وفي الندوات التي تعقد بصورة مستمرة في الولايات المتحدة.
ظلت المراكز البحثية تتباحث وتدرس ما حدث، ويمتد الجدال إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وينخرط فيه أعلى رموز الدولة، ويدلي كلٌ بدلوه، دون سباب للمخالفين في الرأي كما يحدث في بلادنا، وبلا أدنى خطوط حمراء، طالما ظل النقاش في صلب الموضوع.
الملفت أن أغلب المناقشات الجارية هذه الأيام لا تتطرق لأسباب ما حدث، فالكل يعرف الأسباب، ويعرف أي نوعية من الممارسات تحديداً أدت إليها. كما أنها لا تدور حول كيفية تجنب حدوثها مستقبلاً، فالنظام المصرفي الأميركي، والعالمي أيضاً، لا يستطيع التخلى عن ممارساته التي أدت لحدوث الأزمة.
فهكذا يحققون الأرباح الضخمة، وهكذا يحصل المسؤولون هناك على ملايين الدولارات من المكافآت في نهاية كل عام، وإذا كانوا قد اضطروا لتطبيق قوانين مثل دود فرانك، أو قاعدة فولكر، لعدة سنوات بعد الأزمة، فالحقيقة أن هذا لم يحدث إلا بضغط من الرأي العام، وإن كانت المناقشات الجارية الآن تشير بنسبة كبيرة إلى توجه نحو تخفيف القيود عن البنوك، وربما إلغاء بعض القوانين، بعد استقرار الاقتصاد، وعودة الانتعاش، وهو ما يحدث أيضاً بضغط من الرأي العام الحالي.
يتناقش الجميع ولا يقول لهم أحدٌ "مش عايز كلام في الموضوع ده تاني"، ولو تابعت المناقشات، والحجج التي تذكر، والرد عليها، لتحسرت على حالنا، بعد أن ذهبت مع الريح المناقشات حول قضايا مصرية مصيرية، ما كان لها أن تمر أبداً، لو كانت هناك آليات حقيقية جادة للمساءلة والمحاسبة والمشاركة المجتمعية.
ولو دققت النظر، ستجد أن أحداً لا يتكلم في مصر الآن عن جزيرتي تيران وصنافير، ولا عن استيراد مصر الغاز من إسرائيل، وقريباً يبدأ مشروع الضبعة النووي، ولا أتوقع عمل دراسات جادة، أو إجراء مناقشات موضوعية، لمعرفة تأثيره على الاقتصاد المصري، رغم إضافته ما لا يقل عن 22 مليار دولار للدين الخارجي، الذي يقترب الآن من 90 مليار دولار، حيث وصل بنهاية العام الماضي 2017 إلى 80.8 مليار دولار.
هم يعلمون جيداً أن لا أحد يحتكر الفكر الصحيح، ولا العلم الكامل، ويدركون أيضاً أن القرارات التي يتخذونها الآن، سيتحمل نتائجها أجيال وأجيال، وسيدفع ثمنها أبناؤهم وأحفادهم، وبناء عليه فإنهم يرون ضرورة لتشارك الجميع في المناقشات والدراسات قبل اتخاذ القرارات الهامة. ومن أجل ذلك تحديداً عرف العالم كله المجالس النيابية التي يختار الشعب فيها من ينوب عنه عند تباحث مثل تلك الأمور.
وفي الدول التي تكون فيها المجالس النيابية مستأنسة، وتكون لها أولويات تسبق حماية مصالح المواطنين الذين انتخبوهم، تظهر الحاجة لبرامج موازية، على غرار برنامج أولويات الوطن، الذي اقترحت إطلاقه في مقال الأسبوع الماضي.
هذا البرنامج أصبح ضرورة ملحة في وقت تتلاحق فيه الأزمات، وتقل الموارد المحدودة بالفعل، وتزداد التكلفة المادية والمعنوية لتوفير احتياجات المواطنين، وتستمر الفجوات السلبية في الاتساع، بما يؤكد أننا لم نصل حتى لبداية طريق الإصلاح.
البرنامج المقترح سيتكون من فريق تكون مهمته الأساسية هي وضع الحقائق الاقتصادية أمام الشعب، ليعرف ما له وما عليه. وسيفعل ذلك عن طريق تزويد المواطنين بالمعلومات الهامة، فيما يخص كل موضوع اقتصادي يمس المواطنين في أرزاقهم، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة. الغرض من ذلك هو توجيه مواردنا نحو أولويات المواطنين الحقيقية، بالصورة التي تحقق العيش المشترك والأمان الاقتصادي للجميع، وبعيداً عن أي صراعات أو انتماءات سياسية.
هذا البرنامج سيكون بمثابة "المرشد" بالنسبة للمواطن العادي، لمعرفة أهم الموضوعات الاقتصادية التي تخصه هو وأهله، وعلى رأسها، ميزانية الدولة، حتى يمكن مساءلة من يتخذ القرار "الاقتصادي" لو أساء التصرف أو فسد أو ساهم في إفساد.
وقد تكون نقطة البداية من الموازنة العامة للدولة التي يتم مناقشتها "بصورة سرية" حالياً، فمن حق كل مواطن أن يعرف هذه الموازنة ويفهم بنودها.
هذه الموازنة هي التي توجه المبالغ التي يتم جمعها من المواطنين في صورة ضرائب بالأساس، للاستخدامات المختلفة التي تقوم بها الحكومة.
ألا يحق لمن مول أن يعرف أين تذهب أمواله وكيف يتم استخدامها؟ ألا يتسبب التوزيع السيئ للموارد المتاحة في إهدارها، وبالتالي في زيادة حجم القروض المطلوب الحصول عليها؟
اقــرأ أيضاً
ألا يحق لنا كمواطنين أن نعرف لماذا تزداد كل المؤشرات السلبية، من عجز الموازنة، لعجز الميزان التجاري، وكذلك عجز ميزان المدفوعات، على مدار السنوات العشر الأخيرة، وبصورة متسارعة خلال الخمس الأخيرة؟ ألا يحق لنا أن ننظر لنرى اذا كان هناك أسلوب أفضل لإدارة الأموال التي يتم جمعها من المواطنين؟
المحاسبة والمساءلة المهنية القوية ترتبط ارتباطًا إيجابيًا بتحقيق نتائج أفضل في معالجة الفساد، وفي تحقيق كفاءة أعلى لاستخدام الموارد المتاحة.
كما أن مثل هذه الممارسات تؤدي عادةً لتقوية صلة الشعب بالسلطة الحاكمة، وتعيد بينهما الثقة التي يمكن أن تكون قد فقدت من جراء القرارات الاقتصادية الأخيرة.
وفي النهاية، فإنه مجرد برنامج، يدعو بعض المتخصصين، في التفكير بصورة موازية لما تقوم به الحكومة، وأؤكد على أنه برنامج اقتصادي بحت، ولن تكون هناك أي محاولة لتسييسه، لا سمح الله. يحق للشعوب أن تعرف، ويحق لها أن تقرر وتختار، وربما تخفف المعرفة من غضب المواطنين من قرارات الإصلاح الاقتصادي التي يتم فرضها علينا.
ظلت المراكز البحثية تتباحث وتدرس ما حدث، ويمتد الجدال إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وينخرط فيه أعلى رموز الدولة، ويدلي كلٌ بدلوه، دون سباب للمخالفين في الرأي كما يحدث في بلادنا، وبلا أدنى خطوط حمراء، طالما ظل النقاش في صلب الموضوع.
الملفت أن أغلب المناقشات الجارية هذه الأيام لا تتطرق لأسباب ما حدث، فالكل يعرف الأسباب، ويعرف أي نوعية من الممارسات تحديداً أدت إليها. كما أنها لا تدور حول كيفية تجنب حدوثها مستقبلاً، فالنظام المصرفي الأميركي، والعالمي أيضاً، لا يستطيع التخلى عن ممارساته التي أدت لحدوث الأزمة.
فهكذا يحققون الأرباح الضخمة، وهكذا يحصل المسؤولون هناك على ملايين الدولارات من المكافآت في نهاية كل عام، وإذا كانوا قد اضطروا لتطبيق قوانين مثل دود فرانك، أو قاعدة فولكر، لعدة سنوات بعد الأزمة، فالحقيقة أن هذا لم يحدث إلا بضغط من الرأي العام، وإن كانت المناقشات الجارية الآن تشير بنسبة كبيرة إلى توجه نحو تخفيف القيود عن البنوك، وربما إلغاء بعض القوانين، بعد استقرار الاقتصاد، وعودة الانتعاش، وهو ما يحدث أيضاً بضغط من الرأي العام الحالي.
يتناقش الجميع ولا يقول لهم أحدٌ "مش عايز كلام في الموضوع ده تاني"، ولو تابعت المناقشات، والحجج التي تذكر، والرد عليها، لتحسرت على حالنا، بعد أن ذهبت مع الريح المناقشات حول قضايا مصرية مصيرية، ما كان لها أن تمر أبداً، لو كانت هناك آليات حقيقية جادة للمساءلة والمحاسبة والمشاركة المجتمعية.
ولو دققت النظر، ستجد أن أحداً لا يتكلم في مصر الآن عن جزيرتي تيران وصنافير، ولا عن استيراد مصر الغاز من إسرائيل، وقريباً يبدأ مشروع الضبعة النووي، ولا أتوقع عمل دراسات جادة، أو إجراء مناقشات موضوعية، لمعرفة تأثيره على الاقتصاد المصري، رغم إضافته ما لا يقل عن 22 مليار دولار للدين الخارجي، الذي يقترب الآن من 90 مليار دولار، حيث وصل بنهاية العام الماضي 2017 إلى 80.8 مليار دولار.
هم يعلمون جيداً أن لا أحد يحتكر الفكر الصحيح، ولا العلم الكامل، ويدركون أيضاً أن القرارات التي يتخذونها الآن، سيتحمل نتائجها أجيال وأجيال، وسيدفع ثمنها أبناؤهم وأحفادهم، وبناء عليه فإنهم يرون ضرورة لتشارك الجميع في المناقشات والدراسات قبل اتخاذ القرارات الهامة. ومن أجل ذلك تحديداً عرف العالم كله المجالس النيابية التي يختار الشعب فيها من ينوب عنه عند تباحث مثل تلك الأمور.
وفي الدول التي تكون فيها المجالس النيابية مستأنسة، وتكون لها أولويات تسبق حماية مصالح المواطنين الذين انتخبوهم، تظهر الحاجة لبرامج موازية، على غرار برنامج أولويات الوطن، الذي اقترحت إطلاقه في مقال الأسبوع الماضي.
هذا البرنامج أصبح ضرورة ملحة في وقت تتلاحق فيه الأزمات، وتقل الموارد المحدودة بالفعل، وتزداد التكلفة المادية والمعنوية لتوفير احتياجات المواطنين، وتستمر الفجوات السلبية في الاتساع، بما يؤكد أننا لم نصل حتى لبداية طريق الإصلاح.
البرنامج المقترح سيتكون من فريق تكون مهمته الأساسية هي وضع الحقائق الاقتصادية أمام الشعب، ليعرف ما له وما عليه. وسيفعل ذلك عن طريق تزويد المواطنين بالمعلومات الهامة، فيما يخص كل موضوع اقتصادي يمس المواطنين في أرزاقهم، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة. الغرض من ذلك هو توجيه مواردنا نحو أولويات المواطنين الحقيقية، بالصورة التي تحقق العيش المشترك والأمان الاقتصادي للجميع، وبعيداً عن أي صراعات أو انتماءات سياسية.
هذا البرنامج سيكون بمثابة "المرشد" بالنسبة للمواطن العادي، لمعرفة أهم الموضوعات الاقتصادية التي تخصه هو وأهله، وعلى رأسها، ميزانية الدولة، حتى يمكن مساءلة من يتخذ القرار "الاقتصادي" لو أساء التصرف أو فسد أو ساهم في إفساد.
وقد تكون نقطة البداية من الموازنة العامة للدولة التي يتم مناقشتها "بصورة سرية" حالياً، فمن حق كل مواطن أن يعرف هذه الموازنة ويفهم بنودها.
هذه الموازنة هي التي توجه المبالغ التي يتم جمعها من المواطنين في صورة ضرائب بالأساس، للاستخدامات المختلفة التي تقوم بها الحكومة.
ألا يحق لمن مول أن يعرف أين تذهب أمواله وكيف يتم استخدامها؟ ألا يتسبب التوزيع السيئ للموارد المتاحة في إهدارها، وبالتالي في زيادة حجم القروض المطلوب الحصول عليها؟
ألا يحق لنا كمواطنين أن نعرف لماذا تزداد كل المؤشرات السلبية، من عجز الموازنة، لعجز الميزان التجاري، وكذلك عجز ميزان المدفوعات، على مدار السنوات العشر الأخيرة، وبصورة متسارعة خلال الخمس الأخيرة؟ ألا يحق لنا أن ننظر لنرى اذا كان هناك أسلوب أفضل لإدارة الأموال التي يتم جمعها من المواطنين؟
كما أن مثل هذه الممارسات تؤدي عادةً لتقوية صلة الشعب بالسلطة الحاكمة، وتعيد بينهما الثقة التي يمكن أن تكون قد فقدت من جراء القرارات الاقتصادية الأخيرة.
وفي النهاية، فإنه مجرد برنامج، يدعو بعض المتخصصين، في التفكير بصورة موازية لما تقوم به الحكومة، وأؤكد على أنه برنامج اقتصادي بحت، ولن تكون هناك أي محاولة لتسييسه، لا سمح الله. يحق للشعوب أن تعرف، ويحق لها أن تقرر وتختار، وربما تخفف المعرفة من غضب المواطنين من قرارات الإصلاح الاقتصادي التي يتم فرضها علينا.