دفعت موجة الغلاء الأخيرة للسلع والخدمات الشارع الأردني إلى التحرك من أجل وقف تدهور معيشتهم عبر إطلاق حملات مقاطعة لبعض السلع ومنها السيارات. وعلى الجانب الآخر وجه الملك عبد الله الثاني الحكومة لتخفيض أسعار الأدوية بهدف تخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين.
وأكد مصدر مسؤول في وزارة المالية الأردنية لـ"العربي الجديد" أن الحكومة كانت مضطرة لاتخاذ بعض القرارات المتعلقة بزيادة الأسعار والضرائب وذلك استجابة لضغوط صندوق النقد الدولي، وذلك للإفراج عن التسهيلات المالية المتفق عليها سابقا مع الحكومة لتخفيض عجز الموازنة والاتفاق على مجالات تنموية وذات أولوية.
وحسب المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، فإن صندوق النقد ما زال يضغط على الحكومة لأجل رفع أسعار الكهرباء والمياه وإعادة النظر بقانون ضريبة الدخل مرة أخرى لزيادة الإيرادات، ذلك أن الإجراءات المتخذة من قبل الحكومة لم تكن كافية، حسب مسؤولين في الصندوق.
وفي المقابل، أعلن ناشطون أردنيون على مواقع التواصل الاجتماعي عن حملة بعنوان "صفّ سيارتك"، احتجاجاً على رفع الحكومة أسعار البنزين بشقّيه 90 و95 أوكتان، ستنطلق على أرض الواقع، اليوم الخميس، بالتزامن مع الاعتصام الأسبوعي للناشطين، قرب مقر الحكومة، والمطالب بتغيير السياسات الاقتصادية.
وتأتي الحملة التي دعا إليها الناشطون لإيصال رسالتهم إلى الحكومة وأصحاب القرار بالرفض الشعبي للضريبة المقطوعة وسياسة رفع أسعار المحروقات، بالرغم من انخفاض سعر برميل النفط عالمياً.
وقال رئيس جمعية حماية المستهلك محمد عبيدات لـ"العربي الجديد" إن خيارات المقاطعة لبعض السلع أثبتت نجاحا خلال الفترة الماضية وخاصة حملات "صف سيارتك وإطفاء الإنارة لفترات محدودة" لكن هناك سلعا أساسية لا يمكن للمواطن مقاطعتها مثل الأدوية والمواد التموينية الأساسية مثل الخبز.
وتابع: "مستويات المعيشة بالنسبة للأردنيين تراجعت بشكل واضح ومتسارع في السنوات الأخيرة بسبب جملة قرارات لرفع الأسعار وإلغاء الدعم عن مادة الخبز وزيادة الضرائب إلى جانب زيادة أسعار المواد التموينية سواء المنتجة محليا أو المستوردة من الخارج".
وأضاف أن الحكومة لم تقم بالتوازي مع تلك القرارات بتحسين الرواتب التي لا تزال متدنية ولم تطرأ عليها أي زيادة من حوالي 10 سنوات، مشيرا إلى أن الحد الأدنى للأجور منخفض ولا يتجاوز 280 دولارا شهريا.
وذكر عبيدات أن تلك الأوضاع لمسنا آثارها مؤخراً عندما تراجعت حركة السوق، خاصة في فترة عيد الفطر المبارك وما سبقه من انخفاض لمبيعات قطاعات الأغذية المختلفة.
وأوضح أن المواطن لجأ إلى تخفيض استهلاكه من الغذاء نتيجة لذلك وترشيد الإنفاق على مجالات الطاقة والملابس وغيرها لإعطاء الأولوية لبنود أخرى أساسية. وقال: "وصل الموطن إلى مرحلة لا يستطيع فيها شراء الأدوية التي اتضحت المبالغة في أسعارها".
ووجّه ملك الأردن عبد الله الثاني الحكومة لاتخاذ إجراء فوري لتخفيض أسعار الأدوية، معتبراً أنه عندما يتعلق الأمر بصحة الأردنيين ودوائهم "ما في مجاملة".
وأضاف في توجيهات أصدرها للحكومة أول من أمس، أن "وضع أسعار الأدوية حالياً غير سليم، والمطلوب معالجة الخلل بشكل فوري".
وأقر وزير الصحة الأردني سعد جابر بوجود مبالغة في أسعار الأدوية في الأردن بقوله إن ارتفاع أسعارها غير مبرر.
وحسب بيانات حكومية لم تعلن رسمياً فقد ارتفع معدل الفقر في الأردن إلى 15.7% وفقاً لدراسة أجريت العام الماضي مقابل 14% معدلة للعام 2010 فيما تقدره جهات غير رسمية بأكثر من ذلك بكثير. كما ارتفعت البطالة إلى أكثر من 18.5% خلال العام الحالي ويقدرها البنك الدولي بحوالي 40%.
المواطن حسني فياض قال لـ"العربي الجديد" إنه وزوجته يعملان في الجهاز الحكومي ولا يتجاوز دخلهما 1000 دولار شهرياً، ونحو 50% منه يذهب لسداد قروض للبنوك ويواجه ظروفاً صعبة بسبب غلاء المعيشة وارتفاع كلف الحياة مثل أجور النقل وأسعار الكهرباء والمياه والتعليم والمواد التموينية وغيرها.
وأضاف فياض أن عائلته اضطرت لاتباع أنماط تقشفية قاسية للتكيف مع هذه الأوضاع، كما نبحث عن مصادر اقتراض لتسيير أمورنا المعيشية.
وتنسحب هذا الأوضاع على غالبية الأردنيين الذي يقعون أصلاً تحت خط الفقر المدقع، حسب تقارير رسمية.
وبهدف تخفيف الأعباء عن المواطنين فقد قدمت الحكومة هذا العام دعما نقديا للشرائح الفقيرة بحوالي 200 مليون دولار، وذلك تعويضا لهم عن ارتفاع أسعار الخبز، وهو ما لم يحدث أثراً إيجابياً ملحوظاً في مستويات المعيشة، حسب مراقبين لـ"العربي الجديد".
وقد سجل معدل التضخم ارتفاعا بنسبة 4.5% خلال العام الماضي، حسب تقرير لدائرة الإحصاءات العامة (حكومية)، فيما يتوقع مواصلته الارتفاع خلال العام الحالي بسبب قرارات رفع الأسعار وإلغاء الدعم عن المواد التموينية والمحروقات.
ورفعت الحكومة خلال أقل من عامين أسعار الكهرباء والمحروقات والضرائب على السلع الخدمات كما ألغت الدعم عن الخبز اعتباراً من بداية العام الماضي إلى جانب إقرار قانون جديد لضريبة الدخل يرفع الشرائح الخاضعة له من المواطنين ومختلف القطاعات الاقتصادية ويزيد نسبة ضريبة المبيعات على عدد من المواد.
الخبير الاقتصادي حسام عايش قال لـ"العربي الجديد" إن الأوضاع المعيشية المتردية للأردنيين ستدفعهم إلى مزيد من الاقتراض من البنوك خلال الفترة المقبلة مهما كانت أسعار الفائدة مرتفعة.
وأضاف عايش أن إجمالي مديونية الأفراد في الأردن تجاوز 15 مليار دولار ومعظمها كان بهدف تلبية احتياجات أساسية كالسكن والصحة والتعليم واقتناء سيارة وبعضها لشراء السلع التموينية.
وأوضح أن المرأة الأردنية اضطرت في السنوات الأخيرة لمساندة زوجها في تدبير أحوال أسرهم المعيشية وقد كانت أزمة "الغارمات" في الأردن (النساء اللواتي عليهن قروض لبنوك ومؤسسات إقراض أخرى) نتاجاً لتلك الأوضاع حيث كانت أعداد كبيرة من المواطنات مهددة بالسجن لتخلفهن عن دفع القروض قبل أن تتدخل الحكومة وبتوجيهات من الملك عبد الله الثاني لحل المشكلة.
وكان الأردن قد شهد العام الماضي احتجاجات واسعة على رفع الأسعار وزيادة الضرائب انتهت بإقالة الحكومة السابقة برئاسة هاني الملقي.
وفي سياق متصل تواجه الحكومة برئاسة عمر الرزاز معضلة في تباطؤ النمو الاقتصادي الذي لم يتجاوز العام الماضي 1.9% إضافة إلى احتقان كبير في الشارع يهدد بقاءها وخاصة مع رفع أسعار المشتقات النفطية وفرض ضريبة مقطوعة عليها قبل أسبوعين.
وأعلنت النقابات المهنية في الأردن مجدداً اعتراضها على سياسات رفع الأسعار وزيادة الضرائب وطالبت الحكومة بالتوقف عن تلك السياسة والعمل على تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين.