تبني السعودية منطقة عصرية ضخمة، وتعد بأن تشمل سيارات أجرة طائرة وأناساً آليين، لكن بالنسبة إلى مئات آلاف المواطنين من أمثال الأكاديمي عبدالله، يبقى امتلاك منزل صعب المنال.
وتثير أزمة السكن استياءً شعبياً في بلد لا تزال فيه المساكن حتى تلك المنخفضة الأسعار، أغلى ثمنا من قدرة كثيرين، ما يمثّل تحديا رئيسياً لولي العهد محمد بن سلمان الذي يعمل على ترميم الاقتصاد المرتهن للنفط.
وقدّمت المملكة التي لم تكن تفرض أي ضرائب على مواطنيها حتى قبل سنوات قليلة ماضية، قروضاً سكنية من دون فائدة طوال عقود.
لكنّها أصبحت الآن تدفع باتجاه تعزيز الإقراض، في تغيير في سياستها، في وقت تنتقل من مرحلة الرفاهية، إلى فترة التعايش مع أسعار النفط المنخفضة.
وبالنسبة إلى كثيرين من أمثال عبدالله (39 عاما)، الأب لثلاثة أبناء والذي يسكن مع عائلته في شقّة مستأجرة في الرياض، فقد تسبّب هذا الأمر في تأخير حلم بناء منزله الخاص عند أطراف المدينة.
وبعد نحو عقد من وضع اسمه على لائحة انتظار للحصول على قرض بلا فائدة من صندوق التنمية العقاري، وهو مؤسسة حكومية، قال عبدالله إنّه تم تحويله إلى مصرف تجاري للحصول على قرض بقيمة 445 ألف ريال (119 ألف دولار).
واستخدم الأموال للمباشرة ببناء منزل فوق قطعة أرض تبلغ قيمتها 350 ألف ريال، وقد حصل على قرض آخر لشرائها. لكنّه اضطر لأن يوقف البناء في مايو/أيار الماضي بعدما نفد منه المال.
وتأسّس الصندوق سنة 1974، وهو يتبع وزارة الإسكان. ويقوم الصندوق حاليا بتغطية جزء من الفائدة المفروضة على قرض عبدالله، فيدفع ألف ريال شهريا من أربعة آلاف هي قيمة القسط الشهرية.
ويقول عبدالله إنّ هذا الأمر يجعله يعاني لتسديد القروض من راتبه الشهري البالغ 20 ألف ريال (5300 دولار)، في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة.
ويوضح، متحدّثا لوكالة "فرانس برس" خارج منزله الذي بنى نصفه فقط، أن نظام القروض "يدمّر الطبقة الوسطى، ويخنقنا"، داعيا للعودة إلى القروض من دون فائدة.
مصدرا قلق
وبحسب إحصاءات رسمية، هناك نحو 500 ألف شخص على لائحة الانتظار للحصول على قرض بلا فائدة.
وتقول المحلّلة في معهد الجزيرة العربية في لندن نجاح العتيبي إنّ "مفتاح معالجة أزمة الإسكان السعودية لا ينحصر ببناء منازل إضافية فقط، لكنه يقوم على تحفيز تمويل من القطاع الخاص وقطع الاعتماد على الدعم الحكومي"، وتتابع: "هذا الأمر يحمل بالطبع خطر التسبب باستياء عام".
وتبرز هذه المسألة التحدي الذي تواجهه السلطة في سعيها لفصل المواطنين عن السخاء الحكومي، في وقت يُتوقع أن يبلغ عجز الموازنة العامة 35 مليار دولار في 2019، أي 4.2 من الناتج المحلي الإجمالي.
وتقول المحلّلة في معهد "أميركان انتربرايز" كارين يونغ: "في السعودية مصدران للتوتر: الأول يكمن في توفير مساكن بأسعار معقولة للأجيال الشابة التي تشعر بتداعيات تكاليف المعيشة المتزايدة وبانخفاض الدعم الحكومي لمصادر الطاقة وتناقص عدد الوظائف".
وتتابع: "يتمثّل (مصدر القلق) الثاني في توسيع الخدمات المالية بهدف زيادة المنتجات الائتمانية، مع الأمل بأن يؤدي ذلك إلى تحفيز النمو الاستهلاكي".
وفي السعودية، أكبر مصدّر للنفط في العالم، تبقى نسبة الرهون العقارية بين الأقل في دول مجموعة العشرين، بحسب صحيفة "آراب نيوز".
وتقول الرياض إنّها تسعى لشراكة مع القطاع الخاص لتوفير مليارات الدولارات، لبناء نحو 1,5 مليون منزل بتكلفة منخفضة في السنوات المقبلة.
وتعتبر سياسة زيادة نسبة امتلاك المنازل أحد أركان خطة "رؤية 2030" الاقتصادية الإصلاحية التي طرحها الأمير محمد بن سلمان.
ففي 2017، بلغت نسبة امتلاك المنازل نحو 50 في المائة بين السعوديين البالغ عددهم 20,7 مليون شخص، على أمل أن تصل نسبة المواطنين الذين يمتلكون المنازل إلى 70 في المائة في 2030.
وتعمل المملكة أيضا على خفض تكلفة بناء المنزل بحلول عام 2020، لتصبح نحو خمسة أضعاف الدخل السنوي، بعدما كانت تبلغ عشرة أضعاف في 2015.
ويبلغ معدل الرواتب حاليا نحو 14820 ريالا (3950 دولارا)، بحسب الهيئة العامة للإحصاء.
وتقول وزارة الإسكان التي أطلقت عدة مشاريع للتخفيف من حدة الأزمة، إنّها تسعى إلى زيادة مجموع القروض إلى 502 مليار ريال (134 مليار دولار) بحلول 2020، من 290 مليار ريال (77 مليار دولار) في 2017.
لكن بعض السعوديين يبدون امتعاضهم من إنفاق الدولة على مشاريع كبرى مثل منطقة نيوم في شمال غربي المملكة التي تبلغ تكلفتها نحو 500 مليار دولار، بينما يعجز عدد كبير من المواطنين عن شراء منازل.
وتداول بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي عبارة "أين الـ250 مليار" ريال، وتشير هذه العبارة إلى 67 مليار دولار كان أعلن عنها العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز في 2011 لصالح وزارة الإسكان، في ما بدا محاولة للتعامل مع الاستياء الشعبي بينما كانت التظاهرات تجري في دول أخرى في خضم فترة الربيع العربي.
بالنسبة إلى الموظف الحكومي ماجد الذي انتظر سنوات للحصول على قرض من الصندوق، فإن الوضع الحالي يعني أنّه لا يمكن إلا أن يستأجر مكانا صغيرا بدل شراء منزل.
ويقول لـ"فرانس برس"، مفضّلا عدم الكشف عن هويته: "عندما تضطر ابنتي التي تبلغ من العمر ثماني سنوات لأن تبدّل ملابسها أمام إخوانها، فإنني أشعر بالخجل كوني لا أملك منزلاً أكبر". وأضاف: "هذا الأمر يغضبني".
(فرانس برس)