في الوقت الذي يسابق فيه مسؤولو البيت الأبيض والصحة والخزانة والبنك الفيدرالي الزمن، لإيقاف انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) في الولايات المتحدة، ومنع انهيار الاقتصاد، وما يترتب عليه من مشكلات اقتصادية واجتماعية كبيرة للمواطنين، توقع معهد السياسة الاقتصادية، أحد أهم مراكز الأبحاث الاقتصادية في البلاد، أن يفقد الاقتصاد الأميركي ما يقرب من 14 مليون وظيفة، بحلول الصيف القادم، بسبب أزمة انتشار الفيروس.
وفي تعديل لتوقعات سابقة قال المعهد إنها كانت مغرقة في التفاؤل، وإن تطورات الأحداث أثبتت خطأها، أكد المعهد في تقرير نشره على موقعه على الإنترنت يوم الأربعاء أن فقدان الوظائف سيكون بنسب أكبر في الولايات الجنوبية، وأشار إلى أن "غياب سياسات واضحة للإجازات مدفوعة الأجر يعرض تلك الولايات لمخاطر أكبر من نظيراتها في المناطق الأخرى مع انتشار الفيروس".
وتأتي توقعات المركز بعد يومين من توقع جيمس بولارد، رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي في سانت لويس، وصول معدل البطالة في الولايات المتحدة إلى 30% خلال الربع الثاني من العام الحالي، بسب إغلاق أغلب الأعمال لمواجهة انتشار الفيروس، وتراجع الناتج المحلي الإجمالي الأميركي بنسبة غير مسبوقة، تصل إلى 50%. وطالب بولارد بحزمة تحفيز فيدرالية كبيرة، لتعويض ما تصل قيمته إلى 2.5 تريليون دولار من الدخل المفقود خلال الربع.
وتزامن نشر توقعات مركز السياسة الاقتصادية الأربعاء مع إعلان الإدارة الأميركية عن توصل قادة الحزبين لاتفاق حول حزمة إنقاذ تقدر بأكثر من تريليوني دولار، هي الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة، للتخفيف من الآثار الكارثية على الاقتصاد والمواطنين الأميركيين، بفعل انتشار الفيروس.
وتشير التوقعات إلى محاولة الطرفين الانتهاء من إعداد الصياغة النهائية للاتفاق، والتصويت عليها في مجلسي الكونغرس، ثم تمريرها للرئيس دونالد ترامب لتوقيعها، قبل نهاية الأسبوع. وتشمل الحزمة، التي جاءت بعد رفض ثلاث حزم سابقة هذا الأسبوع بسبب خلافات بين الحزبين على توجيه المبالغ المخصصة للإنفاق، مدفوعات نقدية مباشرة لملايين الأميركيين، وزيادة في تأمينات البطالة، ومليارات الدولارات في صورة قروض للشركات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة لمساعدتها على الاحتفاظ بالعمالة، بالإضافة إلى توفير تمويل إضافي للولايات ومخصصات الرعاية الصحية فيها.
وذكر المركز أنه رغم أن توقعات فقدان الوظائف بنيت على أساس أن الحزمة التحفيزية ستكون في حدود تريليون دولار، بينما جاء الاتفاق النهائي الذي أعلن عنه الأربعاء على تريليوني دولار، "إلا أن الحزمة بها الكثير من الإخفاقات، من بينها توجيه مبالغ ضخمة لإنقاذ الصناعات الكبرى، بدون أي ضمانات لاستخدام تلك المبالغ في الحفاظ على الوظائف والأجور والمزايا الأخرى للعاملين، عوضاً عن استخدامها في زيادة ثروات حاملي الأسهم". وأكد المركز أن هذا يعني أن المبالغ التي تم تخصيصها لن تكون كافية لتوفير الإغاثة الاقتصادية المطلوبة وتحقيق الانتعاش، وهو ما يعني أن الاقتصاد سيستمر في العمل أدنى من طاقته القصوى حتى نهاية العام الحالي".
وعلق حساب "حركة شروق الشمس Sunrise Movement"، المعني بخلق الوظائف والحفاظ على البيئة في الولايات المتحدة، على تويتر على توقعات المركز بفقدان 14 مليون وظيفة، مؤكداً "لا يمكننا المضي قدماً في مسارنا الحالي اعتماداً على حزمة التحفيزات التي أقرها مجلس الشيوخ، فهي تتجاهل احتياجات الشعب، وتعمل لصالح الشركات الكبرى".
ومع استمرار ظهور التوقعات بفقدان الوظائف وتراجع معدلات النمو، بسبب توقف النشاط الاقتصادي الواضح في الولايات المتحدة، أعلن ترامب رغبته في تخفيف القيود على المواطنين الأميركيين، والعودة لاستئناف النشاط الاقتصادي، بحلول عيد الفصح في 12 أبريل / نيسان القادم.
وعلى عكس ما تم تأكيده مراراً خلال الفترة السابقة من ضرورة استمرار إجراءات المباعدة الاجتماعية وتقليل الاختلاط بين المواطنين، للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، لفترة تمتد لما بعد منتصف الصيف القادم، قال ترامب في سلسلة تغريدات على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، "لا ينبغي أن يكون العلاج أسوأ من المشكلة. توقف الاقتصاد يؤدي إلى إصابة الآلاف بالاكتئاب والانتحار والإدمان"، وأضاف أن "أي تأخير في استئناف الأعمال يصعب من عودة الاقتصاد إلى نشاطه السابق، وهو ما سيضر بالعاملين"، مؤكداً أن الشعب الأميركي يمكنه العودة إلى عمله مع الاحتفاظ بالمباعدة الاجتماعية، وإيلاء قدر أكبر من العناية والحب لكبار السن".
ولم تلق دعوة ترامب قبول الكثيرين من الأطباء ومسؤولي الرعاية الصحية، كما العديد من المواطنين والمسؤولين، في الولايات الأميركية المختلفة، الذين اعتبروها "محاولة لاستئناف النشاط الاقتصادي، وحماية وظائف وأجور ملايين الناخبين، استعداداً لانتخابات نوفمبر / تشرين الثاني، على حساب حياة الآلاف وربما الملايين من المواطنين، الذين سيعرضهم الخروج والاختلاط للإصابة بالفيروس القاتل".
وقال دين بيكر، كبير الاقتصاديين بمركز أبحاث السياسة والاقتصاد، والأستاذ الزائر بجامعة أوتا "إذا كان أعضاء الحزب الجمهوري يتوقعون عودة النشاط الاقتصادي بحلول عيد الفصح، لماذا يطلبون كل هذه المبالغ (تريليونا دولار) لإنقاذ الاقتصاد". وفي المؤتمر الصحافي اليومي لترامب وفريق أزمة الفيروس، سألت إحدى الصحافيات ترامب إذا ما كان يريد استئناف النشاط الاقتصادي في عيد الفصح لأسباب سياسية تخصه (وأوضحت أنها تقصد الانتخابات)، نفى ترامب ذلك بانفعال، مؤكداً أن هناك الكثير من الصحافيين "من بينهم أنتِ (موجهاً كلامه للصحافية)، يريدون أن يروا الاقتصاد في تراجع، ويحزنهم ما حققناه من انتعاش غير مسبوق".
وتأتي دعوة ترامب لاستئناف "العمل كالمعتاد Business as usual" قبل الموعد المحدد لانتهاء موسم "خليك بالبيت" في وقتٍ تجاوزت فيه الإصابات بالفيروس 60 ألف حالة، وسجلت الوفيات أكثر من 900 ضحية في الولايات المتحدة، وتؤكد الحكومات المحلية في الولايات الأميركية أن البلاد مرشحة لمضاعفة تلك الأرقام في الأسابيع القليلة القادمة. وبينما يحتفظ حكام الولايات، في الأوقات العادية، بحق تنظيم مثل تلك الأمور في ولاياتهم، أثبتت خبرة الأعوام الثلاثة الماضية أن ترامب لا يقيد نفسه بمثل هذه "الشكليات".
ويدعم ترامب في حملته لاستئناف النشاط الاقتصادي العديد من أعضاء إدارته ومستشاريه وأصحاب الأعمال، بعد أن توقفت المصانع وأغلقت المحال وسُرحت العمالة وخلت الشوارع من المارة، وذاقت أسواق المال وبال واحد من أكبر وأسرع الانهيارات في تاريخها. وقال جريج أبوت، حاكم ولاية تكساس وعضو الحزب الجمهوري إن "الأجداد من أمثالي مستعدون للتضحية بحياتهم مقابل الحفاظ على الاقتصاد الأميركي من الانهيار، وضمان مستقبل أفضل لأحفادنا".
وبعد تأكيده يوم الجمعة الماضي استمرار أزمة انتشار الفيروس لأسابيع قادمة، لا لمجرد أسبوع أو أسبوعين، عاد أنتوني فاوتشي، مدير المعهد القومي للحساسية والأمراض المعدية، والشخصية الأبرز في فريق العمل المكلف بمواجهة انتشار الفيروس في الولايات المتحدة، ليقول إن "الأمر غير محسوم"، إلا أنه أكد "عدم وجود خطة لاستئناف النشاط الاقتصادي بحلول عيد الفصح".