أطلق ناشطون سودانيون بالخارج، مبادرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تدعو المغتربين إلى دعم اقتصاد بلادهم، عبر تحويلات مالية لصالح البنك المركزي، فيما طالب خبراء اقتصاد الحكومة باتخاذ إجراءات لإعادة الثقة للمغتربين في القطاع المصرفي، بعد أن تسببت الإجراءات السابقة في عزوفهم عن تحويل الأموال عبر القنوات الرسمية.
ودعا القائمون على المبادرة إلى تحويل 100 دولار شهريا من كل مغترب، مشيرين إلى أن خطوتهم تهدف إلى دعم الاقتصاد الوطني في المرحلة الجديدة التي تمر بها البلاد.
وثمة تضارب في إحصاء عدد السودانيين في الخارج، ووفقا لتقارير رسمية فإن أعدادهم تقدر بحوالي خمسة ملايين شخص، إلا أن تقديرات غير رسمية تشير إلى تجاوز عددهم عشرة ملايين، لخروج أغلبهم بطرق خاصة وعدم تدوين ذلك في السجلات الرسمية.
ولطالما أحجم الكثير من المغتربين في الفترة الماضية عن تحويل أموالهم، التي يقدرها جهاز شؤون العاملين بالخارج بنحو ستة مليارات دولار سنوياً، بسبب سياسات بنك السودان المركزي، وعدم ثبات قيمة العملة المحلية مع فارق كبير في الأسعار بين السوقين الرسمية والموازية (السوداء).
وقال الخبير الاقتصادي محمود إبراهيم لـ"العربي الجديد" إن "المبادرة التي أطلقها نشطاء من المغتربين من ثمار نجاح الثورة ويمكنها أن تجعل التمسك بخيار المتظاهرين أمراً واقعاً، خاصة في ظل احتياج الاقتصاد في الظروف الحالية إلى دعم حقيقي".
وأضاف إبراهيم: "إذا ساهم أي مغترب بمبلغ 1200 دولار سنوياً، فإن ذلك يمكن أن يحقق تحولاً في التنمية الاقتصادية، كما أن الكثير من المغتربين يشغلون مناصب رفيعة، ولهم علاقات مع شركات ومؤسسات مالية تمكن الاستفادة منها في جذب استثمارات، خاصة إذا نجحت هذه المبادرة التي يمكن أن تكون نواة لجذب الأموال".
وتزامنت المبادرة مع طلب السودان، يوم الأحد الماضي، إعفاءه من ديونه الخارجية، وإزالة العقبات التي تحول دون تلقيه المساعدات والتمويل من المؤسسات الدولية، باعتبار أن الدولة خارجة من نزاع.
وتبلغ الديون الخارجية للسودان 45 مليار دولار، وذلك حتى 2015، منها 17.2 مليار دولار تمثل أصل الدين، و27.8 مليار دولار فوائد عليه، وفق البيانات الرسمية.
وأعلنت قيادة الجيش السوداني، الخميس الماضي، عزل واعتقال الرئيس عمر البشير، تحت وطأة احتجاجات شعبية بدأت في 19 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تنديدا بالغلاء ثم طالبت بإسقاط النظام الحاكم منذ 30 عاماً.
كما أعلن البنك المركزي، الأحد، تجميد الحسابات المصرفية لجميع المؤسسات الحكومية التي حلَّها المجلس العسكري الانتقالي، وفق بيان للبنك. وشمل تجميد الحسابات رئاسة الجمهورية والبرلمان ومجلس الولايات.
وقال الخبير الاقتصادي، مجتبى نصر الدين، إن على الحكومة الانتقالية، تقديم حوافز تشجيعية لتحويلات المغتربين بنسبة 100 في المائة بغرض دعم الجنيه السوداني واستقرار سعر الصرف لتفادي ارتفاعه مجددا.
ويبلغ سعر صرف الدولار وفق الآلية المصرفية الرسمية نحو 47.5 جنيها، بينما يصل في السوق الموازية إلى نحو 73 جنيها حاليا، وفق متعاملين في سوق الصرف.
وقال الخبير الاقتصادي نور الدين مهدي لـ"العربي الجديد" إن "مبادرة المغتربين تعني أن الكرة أصبحت في ملعب الحكومة، فقد صدقوا في نيتهم وأعادوا الثقة، فقط تبقت الإجراءات المحلية، والتي يجب أن تتغير مع تغير شكل الحكم، وربط استفادة الحكومة الحالية من هذه المبادرة وجذب التحويلات عبر القنوات الرسمية".
وأشار مهدي إلى أهمية تسهيل قنوات التحويل الرسمية مع الدول التي فيها ثقل للمغتربين ومنح حوافز جديدة ومجزية لهم، لافتا إلى ضرورة منحهم سعراً عادلاً لاسيما في ظل التوقعات السائدة بانخفاض سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية.
وطالب بمنح المغتربين إعفاءات جمركية مقابل مبالغ محددة يتم تحويلها، إضافة إلى الشروع في إنشاء مجمعات سكنية والتعاقد مع شركات مقاولات وطنية تطرح للمغتربين بالأقساط لمدة 15 عاماً تسدد القيمة بالنقد الأجنبي بالسفارات بالخارج.
وتشهد الدولة، منذ نحو عام، أزمة سيولة متواصلة، وانفلاتاً في سعر صرف الدولار مقابل الجنيه السوداني في السوق الموازية، وشحاً في الكثير من السلع.
ومنذ اندلاع الاحتجاجات الساخطة قبل نحو أربعة أشهر، لم يتغير واقع الأزمات كثيراً، رغم اتخاذ نظام الرئيس المخلوع عمر البشير منذ ذلك الحين قرارات عدة للحد من هذه الأزمات.
وتعهّد المجلس العسكري، بالعمل على حل أزمة السيولة النقدية وتوفير السلع الأساسية، لا سيما الوقود والخبز، بينما يرتفع سقف تطلعات السودانيين إلى إحداث تحوّل حقيقي ينهي معاناة الاقتصاد العليل، بعد ثلاثة عقود من التدهور المستمر.
وقال الخبير الاقتصادي عبد العظيم مصطفى، إنه " لا بد من تحويل الاقتصاد إلى إنتاجي وليس اقتصاد يعيش على الإعانات"، مشيرا إلى أن السوق الموازية أحد تشوهات الاقتصاد، حيث يتلقى أكبر دعم من الكتل النقدية من موردي العملة الصعبة، والذين يمثل المغتربون نحو 30 في المائة منهم.
وأضاف مصطفى لـ"العربي الجديد" أنه "إذا استطاعت الدولة استقطاب هذه التحويلات لداخل القنوات الرسمية تكون قد وفرت 30 في المائة من النقد الأجنبي كان يذهب للسوق الموازية، لافتا إلى أهمية دعم الدولة دون إحداث خسارة للمغتربين.