باتت صفقات المواد الغذائية واللحوم الفاسدة، تشغل السلطات التونسية، بعد تواتر الكشف عن صفقات لتزويد الأسواق وثكنات عسكرية ونُزل للطلبة بمواد منتهية الصلاحية أو غير مراقبة صحياً.
وكشف رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب، نهاية الأسبوع الماضي، عن الإطاحة بشبكة لتوزيع اللحوم الفاسدة على نُزل الطلبة والثكنات بالتعاون مع السلطات القضائية، مشيراً إلى أن إحدى أكبر شركات توزيع اللحوم متورطة بجانب فرق مراقبة الصحة والمسالخ البلدية.
ولم تقف حملة الكشف عن صفقات الغذاء الفاسد عند اللحوم، حيث أعلنت وزارة الصحة في بلاغات متتالية عن إتلافها لمساحات زراعية كبرى في عدد من المحافظات يعمد مالكوها إلى استعمال مياه الصرف الصحي للري.
ويثير الكشف عن حالات الفساد في صفقات الغذاء وعمليات الإنتاج، مخاوف كبيرة لدى التونسيين، ليرى الكثيرون أن ضعف أجهزة الرقابة والقوانين الرادعة في هذا المجال تساعد على التلاعب بصحة المستهلكين وسلامتهم.
لكن مدير عام حفظ الصحة والمحيط بوزارة الصحة محمد الرابحي، قال إن فرق الوزارة منتشرة في كل المحافظات لمراقبة محلات الغذاء وصفقات اللحوم والدواجن، مشيرا إلى أن المراقبة تطاول حتى المنتجات المعروضة في المساحات الكبرى ومستودعات التخزين.
وأضاف الرابحي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن وجود مراقبة مكثفة لا يمنع من تسجيل مخالفات كبرى ترتقي إلى حد الجريمة، لافتا إلى أن الوزارة تصدر سنوياً مئات القرارات بالغلق الفوري للمحال المخالفة وتعدم آلاف الأطنان المواد الغذائية الفاسدة ومنتهية الصلاحية التي يتم حجزها بصدد الترويج أو في المستودعات.
وتابع المسؤول في وزارة الصحة أن المخالفات المعاينة لا تستثني الصناعيين، حيث يتم حجز مواد منتهية الصلاحية على غرار الأجبان وغيرها يجرى إعادة تصنيعها، مؤكدا أن هذه الممارسات تفسر ارتفاع كلفة الصحة في تونس نتيجة الأمراض التي قد تسببها هذه السلوكات الناتجة عن تغلغل الفساد في هذه القطاعات.
وأشار إلى أن مشروع قانون سلامة المواد الغذائية الذي أحالته الوزارة منذ نحو سنتين للبرلمان، سيؤدي إلى تقليص التجاوزات الغذائية، نظرا لتشديد العقوبات على المخالفين.
وسجلت المستشفيات التونسية في السنوات الأخيرة ارتفاعاً في حالات التسمم الغذائي في الأوساط المدرسية والجامعية نتيجة استهلاك الطلاب لمواد غذائية فاسدة في غياب إجراءات رادعة كافية ضد مرتكبي هذا الصنف من الجرائم.
ويعتبر المهتمون بالوضع الاقتصادي، أن الفساد وتفشي الرشاوى والعمولات يقود إلى مثل هذه الممارسات دون أي اعتبار لما قد يخلفه انتشار السلع الفاسدة في الأسواق من مخلفات وخيمة على صحة المستهلكين.
ويطالب المهتمون بالشأن الاقتصادي والصحي بضرورة الإسراع في المصادقة على مشروع قانون سلامة الأغذية في ظل تفشي الفساد في أجهزة المراقبة ومسالك التوزيع والتصنيع معتبرين أن تشديد العقوبات هو السبيل الوحيد لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة.
وشرع البرلمان منذ إبريل/ نيسان الماضي في مناقشة قانون السلامة الغذائية، الذي ينص على إحداث هيئة وطنية للسلامة الصحية وجودة المنتجات، تتمتع بالاستقلالية الوظيفية وتعمل على تدعيم الجودة والرقابة الصحية على المنتجات المستوردة.
ويشير عضو لجنة الفلاحة (الزراعة) والأمن الغذائي والتجارة والخدمات في البرلمان ناصر شويخ، إلى أن جرائم المواد الغذائية ترجع إلى محدودية المراقبة الصحية على مستوى المنتجات الزراعية والغذائية بشكل عام وضعف الموارد البشرية المكلفة بالمراقبة، مؤكدا على أن جهاز رقابة قوامه 800 موظف لا يمكنه الاضطلاع بمهمته على أكمل وجه في بلد تغلغل الفساد في كل أجهزته.
وقال شويخ لـ" العربي الجديد" إن تشديد العقوبات يعد من أنجع الوسائل التي يمكن اعتمادها لمجابهة الغش في المواد الغذائية، لافتاً إلى أن البرلمان يناقش تغليظ العقوبات على المخالفين، لتصل إلى حدود السجن 7 سنوات وغرامات مالية تناهز 70 ألف دولار.
وشدد على أهمية إيجاد إطار قانوني موحد يتجاوز تشتت النصوص القانونية ويواكب التغيرات التي شهدتها السوق التونسية والمتمثلة في تعدد المنتجات الغذائيّة المعروضة.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن خسائر الفساد تصل سنوياً إلى نحو 1.5 مليار دولار، ليتحمل جهاز الجمارك جزءا كبيرا من المسؤولية عن السلع الواردة إلى البلاد دون مطابقة المواصفات.