تكثر على المائدة العراقية الأطباق التي يخصّصها أهل البلاد للشتاء البارد. وهذه الأطعمة التي غالباً ما تقدّم ساخنة، من شأنها أن تساهم في تدفئة الأجسام التي تشكو من انخفاض درجات حرارة هذا الموسم.
في فصل الشتاء، لا يبحث المرء عن الأطعمة التي تسدّ جوعه فحسب، بل عن تلك التي تمنحه الدفء كذلك. وقد نجحت المجتمعات عبر الزمن، لا سيّما في المناطق الباردة، في ابتكار أطباقها الخاصة بهذا الموسم. وتتنوّع في العراق هذه الأطباق.
كبّة الحامض شلغم (لفت) من الأطباق الشتويّة التي تعدّها أم محمود ثماني مرّات على أقلّ تقدير، خلال فصل الشتاء. بالنسبة إليها، "هذه الأكلة مغذية ومفيدة للجسم. فهي تمنحه الدفء والفيتامينات اللازمة". وتشرح أم محمود أنّ هذا الطبق مركّب، إذ يتألّف من "الكبّة ومن حساء اللفت والسلق والبصل الحمص المجروش والسمن ومعجون الطماطم وعصير الليمون الحامض". وتشير إلى أنّ "الأكلات العراقية منوّعة ودسمة في كلّ المواسم، لا سيّما في الشتاء. الباجة (كوارع) على سبيل المثال من أطباق هذا الفصل التي تجتمع حولها العائلة العراقية".
بعض الحلويات والتسالي
من جهتها، وبعد الانتهاء من العشاء مساءً، تتناول ليلى طبقها المفضل. الدبس والراشي (عسل التمر مع خلاصة السمسم). وتخبر: "نعدّ الدبس خلال فصل الصيف في موسم التمر، ونخزّنه لتناوله في الشتاء. الدبس والراشي من الأطباق المهمة والرئيسية في الشتاء، إذ لكلّ منهما فوائده العظيمة. يمنحانا الطاقة بالإضافة إلى طعمهما اللذيذ وثمنهما الرخيص. سعر كيلوغرام الدبس الواحد، أقلّ من دولارَين أميركيين، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الراشي".
أمّا أبو غانم، فهو صاحب عربة لبيع الشلغم المحلّى بالدبس والتمر. يقول إنّ "الشلغم لا يتوفّر إلا في فصل الشتاء وهو يدخل في أكلات عديدة، من ضمنها المخللات". وعن كيفية إعداد الشلغم المحلى بالدبس، يشرح: "بعد شراء المواد، نغسلها ثم نقطّع الشلغم ونضعه في قِدر كبير. نضيف إليه التمر ونتركه لينضج، وأحيانا نضع الدبس". ويلفت إلى أنّه "غالبًا ما أبيع كل الكمية التي أطبخها، خصوصاً عندما يكون الطقس بارداً جداً. حينها يقبل الناس على الشلغم ليمنحهم الدفء".
إلى ذلك، تُعدّ الشامية أو بوشار (ذرة) من الأكلات الشتوية المرغوبة من قبل العائلات العراقية. سامر على سبيل المثال، يطلب يومياً من والدته إعداد الذرة الشامية المحمصة على النار. صحيح أنّها تتوفّر كذلك في فصل الصيف، إلا أنّها من الأطعمة التي تجتمع حولها العائلة العراقية في الشتاء، خصوصاً أنّه في الإمكان إعدادها على المدفئة.
أم ضحى صانعة معجّنات، تقول إنّ "المدكوكة من أشهر الأطعمة الشتوية في العراق. وتحتلّ المدكوكة مكانة كبيرة لدى العراقيين، إذ هي من الأكلات التقليدية التي اعتاد الأجداد على إعدادها على الرغم من صعوبة الأمر آنذاك". تضيف: "صحيح أنّ مكوّناتها بسيطة (تمر وسمسم) ومتوفّر في كل البيوت، إلا أنّ تحضيرها يتطلب جهداً في حال صنعت في الجاون (أداة خشبية تشبه الهاون الذي تدقّ فيه الحبوب). لكنّنا في السنوات الأخيرة، نحضّرها في ماكينة فرم اللحم الكهربائية".
باقلاء ولبلبي
إلى ذلك، تنتشر في شوارع المدن عربات خشبية صغيرة تفوح منها رائحة الباقلاء (فول) التي تُعدّ من الأكلات الشتوية الشعبية. حول تلك العربات، يتجمّع العراقيون لتناول صحن الفول المسلوق اللذيذ. أبو علي بائع فول، يؤكد أنّ "أكلة الباقلاء من أشهر الأكلات الشتوية في العراق. لا يستغني عنها العراقيون؛ إذ تمنحهم الدفء والفيتامينات والأملاح في الوقت ذاته". ويخبر أبو علي أنّه "عند المساء، أضع حبوب الباقلاء في قِدر ماء كبير على نار هادئة، مع بعض البهارات الخاصة. وفي الصباح، تكون قد نضجت. فأنطلق بعربتي". يضيف: "أحياناً أبيع محتوى القِدر بأكمله خلال النهار، حتى غروب الشمس. لديّ زبائن ينتظرونني بفارغ الصبر يومياً". ويلفت إلى أنّ "ثمّة طريقة أخرى لإعداد الباقلاء، بالدهن وقطع الخبز والبيض المقلي".
اللبلبي من الأكلات التي يقبل عليها العراقيون في الشتاء، وهي تتألّف، بحسب ما يشرح بائعها زيدون صالح، من "حبّات الحمص المسلوق التي تُضاف إليها أنواع خاصة من البهارات". زيدون صالح يتجوّل بعربته الخشبية منذ الصباح، مع انتشار الناس في الأسواق والشوارع، ويصيح بأعلى صوته "لبلبي لبلبي". فيتجمّع الناس حول عربته لتناول صحن الحمّص المسلوق.
شوربة العدس واحدة من أشهر الأكلات الشعبية العراقية في فصل الشتاء، تعدّها العائلات في البيوت إذ تمدّ الجسم بالدفء والطاقة. لكنّ إعدادها لم يعد يقتصر على المنزل، إذ أصبح أصحاب العربات في الشوارع يحضّرونها ويبيعونها للزبائن الذين يطلبونها.