مع ازدياد الأعمال الإرهابيّة في تونس، هناك خشية على الأطفال الذين يعيشون وسط مشاهد دموية لم يعتادوا عليها، وخوف على أبناء أو أقارب الأشخاص المتورطين في أعمال إرهابية، وخصوصاً أن القوى الأمنية تؤدي دورها من دون أي اكتراث لمشاعر هؤلاء
كثيراً ما تحدّث خبراء في علم الاجتماع وعلم النفس في تونس عن الانعكاسات السلبية للأعمال الإرهابية على نفسية المواطنين، والأطفال بشكل خاص، وخصوصاً أنّ التونسي يسمع أنباء عن إيقاف عناصر إرهابية بشمل مستمر، ويشهد أحداثاً لم يعتدها أو ربما من الصعب الاعتياد عليها.
وسط كلّ هذه الأحداث، التي تنقل على الشاشات، يجمع كثيرون على ضرورة تأهيل الأطفال من خلال شرح ما يحصل حولهم، بهدف تحصينهم وحمايتهم من القلق والخوف. في هذا السياق، يؤكد رئيس الجمعية التونسيّة للدّفاع عن حقوق الطفل، معز الشريف، على ضرورة إخبار الأطفال بما يجري حولهم، ومحاولة طمأنتهم إذا ما رسخت أفكار غير منطقية في أذهانهم. في الوقت نفسه، يشير إلى أهمية دور أولياء الأمور والمربين في تفسير وتبسيط ظاهرة الإرهاب، ونقل معلومات صحيحة للأبناء حول ما يحدث، وخصوصاً أنه يمكن لهم مشاهدة صور عنف وقتل على التلفزيون أو الإنترنت، بهدف ضمان حمايتهم من العزلة مما قد يجعلهم عدوانيين.
ويُجمع المتخصّصون على مدى خطورة الأحداث الإرهابية على نفسية الطفل، علماً بأنه ليست هناك دراسات حول تأثير هذه الأعمال على أبناء المتورطين في أعمال إرهابية، أو الذين اعتقلوا بشبهة الانتماء إلى مجموعات إرهابية. وبطبيعة الحال، لا ذنب للأطفال إذا كانوا أبناء لمتورطين في أعمال كهذه. ولا بد من البحث عما إذا كان هؤلاء الأطفال يعيشون حياة عادية، أو يحملون أفكاراً متطرفة تستدعي التعامل معهم والإحاطة بهم، حتى لا يتحولوا إلى إرهابيين في المستقبل، وخصوصاً أن عدداً كبيراً من الأطفال لا يعلمون ما يجري حولهم، ولا يعرفون معنى الإرهاب، أو ما اقترفه الأب ليعتقل.
محمّد (اسم مستعار) يبلغ من العمر ثماني سنوات. اعتقل والده خلال أحداث السفارة الأميركية عام 2012، بعد مداهمة أمنية لبيته في إحدى المحافظات القريبة من العاصمة. حادثةٌ أثّرت عليه وعلى شقيقه، ولم تفارق صورة اعتقاله مخيّلتهما. يقول لـ "العربي الجديد": "لا أعرف سبب اعتقال والدي، ولماذا لم يعد إلى البيت حتى اليوم". يضيف: "أكره رجال الأمن لأنّهم أخذوا أبي". هذه الكلمات تدلّ على مدى تأثّر محمّد بمشهد اعتقال والده أمامه، مما دفع والدته إلى الاستعانة بمتخصص في علم النفس، لا سيما وأن الأمر أثر على دراسته ودراسة شقيقه، بالإضافة إلى تغيير سلوكهما.
وتقول والدة محمد إن ابنيها كانا يرفضان أحياناً الذهاب إلى المدرسة، وصارا يفضلان الانزواء، ولم تعد لديهما رغبة في الخروج إلى الشارع. تضيف: "لم أجد حلّاً غير استشارة متخصص، لأنّني صرت خائفة على مصيرهما، وقد صارا أكثر عدوانية وكرهاً لرجال الأمن".
من جهته، يقول أستاذ علم الاجتماع، سامي نصر، لـ "العربي الجديد"، إن "محاربة الإرهاب تعدّ من أكثر المواضيع الحساسة في البلاد"، لافتاً إلى أنها قد "تؤدي إلى الإرهاب من دون الانتباه إلى الأمر. وإذا كان أبناء السياسيين المعارضين للرئيس المخلوع، زين العابدين بن علي، قد اتخذوا هذا الخيار في حياتهم جراء القمع والظلم، يمكن لابن الإرهابي أن يصبح إرهابياً بسبب ما يراه من قمع أيضاً، والذي قد يحسبه ظلماً، أو بسبب تأثّر الابن بأفكار الأب، أو نتيجة ما يشهده من ظواهر وسلوكيات قد تؤثر فيه". يضيف أن "محاربة الإرهاب لا يمكن أن تحصل من دون عمليات مداهمة للقبض على الإرهابيين وجمع وثائق ودلائل، لكن لا بد أن تكون هناك معاملة خاصة لأبناء الإرهابيين، حتى لا تنتشر العدوى، ولا بد من استراتيجية واضحة لمجابهة الإرهاب من خلال الاستعانة بوسائل الإعلام والتواصل مع الأطفال".
على صعيد آخر، يشير نصر إلى أنه "لا يجب أن يكون هناك عقاب جماعي، بل يجب أن تكون الإدانة محصورة بشخص الإرهابي". ويلفت إلى ضرورة معاملة أبناء الإرهابيين معاملة خاصة، والإحاطة بهم، حتى لا يصبحوا إرهابيين في المستقبل، مما يعني إعادة إنتاج إرهابيين".
أيضاً، غفران ورحمة ش. شقيقتان متهمتان بالإرهاب بحسب بلاغ لوزارة الداخلية. تقول الأم إن ابنتيها كانتا تترددان على خيام دعوية في محافظة سوسة. وفي سبتمبر/أيلول عام 2014، قررت غفران السفر إلى سورية لتنقطع أخبارها تماماً، مشيرة إلى إلقاء القبض على رحمة أكثر من مرّة، ثم الإفراج عنها مجدداً. وفي وقت لاحق، توجهت بدورها إلى ليبيا والتحقت بأحد المعسكرات في سرت.
تبدو الوالدة خائفة من تأثير جميع تلك الأحداث على باقي أبنائها، وخصوصاً أنّ ابنتها الصغيرة تبلغ عشرة أعوام فقط، وبدت متأثرة كثيراً بما حصل لشقيقتيها، حتى أنّها ارتدت الحجاب وتفكر باللحاق بهما. لم تجد الأم حلاً غير اللجوء إلى متخصص في علم النفس، بهدف حماية أبنائها وإحاطتهم نفسياً.
من جهة أخرى، يقول المتخصص في علم النفس التربوي، محمد السندي، لـ "العربي الجديد"، إن "هؤلاء الأبناء ضحية. فلدى الإرهابي الذي يعيش في كنف أسرة أفكار متشدّدة، قد يكون لها تأثير على الأبناء. لذلك، لا بد من الإحاطة بهؤلاء الأطفال بهدف مساعدتهم للتخلص من أفكارهم المتطرفة". في هذا الإطار، يشير إلى "ضرورة إحداث خلية لمراقبة هؤلاء الأبناء"، لافتاً إلى أن محاربة الإرهاب لا تكون من خلال السلاح فقط، بل تتطلب أيضاً اهتماماً من قبل وسائل الإعلام والمجتمع المدني والتحاور مع الأطفال حول ظاهرة الإرهاب، وتبسيطها لهم من خلال تفسير أحداث العنف والقتل على أنها أمر استثنائي يحرص الجميع على مواجهته، بشكل يتماشى مع قدراتهم الذهنية، بهدف حمايتهم من ظاهرة الخوف أو السلوك العدائي تجاه الآخر".
لا شك في أنّ معاناة هؤلاء الأطفال كبيرة، في ظل تداول وسائل الإعلام أخباراً عن اعتقال متورطين في أعمال إرهابية، من دون أن يلتفت أحد إلى معاناة عائلاتهم، علماً بأنه قد يكون لا ذنب لهم أبداً في كل ما يحدث.
اقرأ أيضاً: أطفال جواسيس.. ضحيّة الجماعات المتطرّفة في تونس
كثيراً ما تحدّث خبراء في علم الاجتماع وعلم النفس في تونس عن الانعكاسات السلبية للأعمال الإرهابية على نفسية المواطنين، والأطفال بشكل خاص، وخصوصاً أنّ التونسي يسمع أنباء عن إيقاف عناصر إرهابية بشمل مستمر، ويشهد أحداثاً لم يعتدها أو ربما من الصعب الاعتياد عليها.
وسط كلّ هذه الأحداث، التي تنقل على الشاشات، يجمع كثيرون على ضرورة تأهيل الأطفال من خلال شرح ما يحصل حولهم، بهدف تحصينهم وحمايتهم من القلق والخوف. في هذا السياق، يؤكد رئيس الجمعية التونسيّة للدّفاع عن حقوق الطفل، معز الشريف، على ضرورة إخبار الأطفال بما يجري حولهم، ومحاولة طمأنتهم إذا ما رسخت أفكار غير منطقية في أذهانهم. في الوقت نفسه، يشير إلى أهمية دور أولياء الأمور والمربين في تفسير وتبسيط ظاهرة الإرهاب، ونقل معلومات صحيحة للأبناء حول ما يحدث، وخصوصاً أنه يمكن لهم مشاهدة صور عنف وقتل على التلفزيون أو الإنترنت، بهدف ضمان حمايتهم من العزلة مما قد يجعلهم عدوانيين.
ويُجمع المتخصّصون على مدى خطورة الأحداث الإرهابية على نفسية الطفل، علماً بأنه ليست هناك دراسات حول تأثير هذه الأعمال على أبناء المتورطين في أعمال إرهابية، أو الذين اعتقلوا بشبهة الانتماء إلى مجموعات إرهابية. وبطبيعة الحال، لا ذنب للأطفال إذا كانوا أبناء لمتورطين في أعمال كهذه. ولا بد من البحث عما إذا كان هؤلاء الأطفال يعيشون حياة عادية، أو يحملون أفكاراً متطرفة تستدعي التعامل معهم والإحاطة بهم، حتى لا يتحولوا إلى إرهابيين في المستقبل، وخصوصاً أن عدداً كبيراً من الأطفال لا يعلمون ما يجري حولهم، ولا يعرفون معنى الإرهاب، أو ما اقترفه الأب ليعتقل.
محمّد (اسم مستعار) يبلغ من العمر ثماني سنوات. اعتقل والده خلال أحداث السفارة الأميركية عام 2012، بعد مداهمة أمنية لبيته في إحدى المحافظات القريبة من العاصمة. حادثةٌ أثّرت عليه وعلى شقيقه، ولم تفارق صورة اعتقاله مخيّلتهما. يقول لـ "العربي الجديد": "لا أعرف سبب اعتقال والدي، ولماذا لم يعد إلى البيت حتى اليوم". يضيف: "أكره رجال الأمن لأنّهم أخذوا أبي". هذه الكلمات تدلّ على مدى تأثّر محمّد بمشهد اعتقال والده أمامه، مما دفع والدته إلى الاستعانة بمتخصص في علم النفس، لا سيما وأن الأمر أثر على دراسته ودراسة شقيقه، بالإضافة إلى تغيير سلوكهما.
وتقول والدة محمد إن ابنيها كانا يرفضان أحياناً الذهاب إلى المدرسة، وصارا يفضلان الانزواء، ولم تعد لديهما رغبة في الخروج إلى الشارع. تضيف: "لم أجد حلّاً غير استشارة متخصص، لأنّني صرت خائفة على مصيرهما، وقد صارا أكثر عدوانية وكرهاً لرجال الأمن".
من جهته، يقول أستاذ علم الاجتماع، سامي نصر، لـ "العربي الجديد"، إن "محاربة الإرهاب تعدّ من أكثر المواضيع الحساسة في البلاد"، لافتاً إلى أنها قد "تؤدي إلى الإرهاب من دون الانتباه إلى الأمر. وإذا كان أبناء السياسيين المعارضين للرئيس المخلوع، زين العابدين بن علي، قد اتخذوا هذا الخيار في حياتهم جراء القمع والظلم، يمكن لابن الإرهابي أن يصبح إرهابياً بسبب ما يراه من قمع أيضاً، والذي قد يحسبه ظلماً، أو بسبب تأثّر الابن بأفكار الأب، أو نتيجة ما يشهده من ظواهر وسلوكيات قد تؤثر فيه". يضيف أن "محاربة الإرهاب لا يمكن أن تحصل من دون عمليات مداهمة للقبض على الإرهابيين وجمع وثائق ودلائل، لكن لا بد أن تكون هناك معاملة خاصة لأبناء الإرهابيين، حتى لا تنتشر العدوى، ولا بد من استراتيجية واضحة لمجابهة الإرهاب من خلال الاستعانة بوسائل الإعلام والتواصل مع الأطفال".
على صعيد آخر، يشير نصر إلى أنه "لا يجب أن يكون هناك عقاب جماعي، بل يجب أن تكون الإدانة محصورة بشخص الإرهابي". ويلفت إلى ضرورة معاملة أبناء الإرهابيين معاملة خاصة، والإحاطة بهم، حتى لا يصبحوا إرهابيين في المستقبل، مما يعني إعادة إنتاج إرهابيين".
أيضاً، غفران ورحمة ش. شقيقتان متهمتان بالإرهاب بحسب بلاغ لوزارة الداخلية. تقول الأم إن ابنتيها كانتا تترددان على خيام دعوية في محافظة سوسة. وفي سبتمبر/أيلول عام 2014، قررت غفران السفر إلى سورية لتنقطع أخبارها تماماً، مشيرة إلى إلقاء القبض على رحمة أكثر من مرّة، ثم الإفراج عنها مجدداً. وفي وقت لاحق، توجهت بدورها إلى ليبيا والتحقت بأحد المعسكرات في سرت.
تبدو الوالدة خائفة من تأثير جميع تلك الأحداث على باقي أبنائها، وخصوصاً أنّ ابنتها الصغيرة تبلغ عشرة أعوام فقط، وبدت متأثرة كثيراً بما حصل لشقيقتيها، حتى أنّها ارتدت الحجاب وتفكر باللحاق بهما. لم تجد الأم حلاً غير اللجوء إلى متخصص في علم النفس، بهدف حماية أبنائها وإحاطتهم نفسياً.
من جهة أخرى، يقول المتخصص في علم النفس التربوي، محمد السندي، لـ "العربي الجديد"، إن "هؤلاء الأبناء ضحية. فلدى الإرهابي الذي يعيش في كنف أسرة أفكار متشدّدة، قد يكون لها تأثير على الأبناء. لذلك، لا بد من الإحاطة بهؤلاء الأطفال بهدف مساعدتهم للتخلص من أفكارهم المتطرفة". في هذا الإطار، يشير إلى "ضرورة إحداث خلية لمراقبة هؤلاء الأبناء"، لافتاً إلى أن محاربة الإرهاب لا تكون من خلال السلاح فقط، بل تتطلب أيضاً اهتماماً من قبل وسائل الإعلام والمجتمع المدني والتحاور مع الأطفال حول ظاهرة الإرهاب، وتبسيطها لهم من خلال تفسير أحداث العنف والقتل على أنها أمر استثنائي يحرص الجميع على مواجهته، بشكل يتماشى مع قدراتهم الذهنية، بهدف حمايتهم من ظاهرة الخوف أو السلوك العدائي تجاه الآخر".
لا شك في أنّ معاناة هؤلاء الأطفال كبيرة، في ظل تداول وسائل الإعلام أخباراً عن اعتقال متورطين في أعمال إرهابية، من دون أن يلتفت أحد إلى معاناة عائلاتهم، علماً بأنه قد يكون لا ذنب لهم أبداً في كل ما يحدث.
اقرأ أيضاً: أطفال جواسيس.. ضحيّة الجماعات المتطرّفة في تونس