مع تفاقم الأزمات الاقتصادية في الغرب وارتفاع أسعار الخدمات، لم تعد بلدان الاتحاد الأوروبي ولا الولايات المتحدة الأميركية وجهات مفضّلة للشباب الروس، وصار عدد متزايد منهم يفضّل المنتجعات السياحية تقع على سواحل بلدان مثل تركيا والهند وتايلاند بعيداً عن الضوضاء والزحمة.
في غياب الإحصاءات الدقيقة في السياق، تشير إيرينا القائمة على مجموعة "غوا أونلاين" إلى أنّ "آلافاً من المواطنين الروس يقيمون في مدينة غوا الساحلية الهندية في الفترة الممتدة من أكتوبر/ تشرين الأول إلى مايو/ أيار من كل عام". وتقول لـ"العربي الجديد" إنّ "هؤلاء يمثلون فئات مختلفة تماماً، ويقصدون غوا لفترات تتراوح ما بين أسبوع واحد ونصف عام، هرباً من صقيع روسيا. وهؤلاء بمعظمهم أشخاص مبدعون، ويحبّون اليوغا، ويتجوّلون في أنحاء البلاد ويستكشفون تقاليدها وثقافتها".
وعن دوافعهم التي تجعلهم يغادرون روسيا والتوجه إلى دول آسيوية، تقول إيرينا: "ثمّة من يرى أنّ الحياة في الخارج أفضل، وآخرون يسافرون بحثاً عن تحقيق الذات، وفئة أخرى تحب الصيف ببساطة وترغب في قضاء كل وقتها في بلدان دافئة. أمّا الهند، فكثيرون يقصدونها لدوافع روحانية، بحثاً عن أسرار الكون وبحثاً عن أجوبة لأسئلتهم". تضيف أنّ "المعيشة في البلدان الآسيوية تُعَدّ أرخص من غيرها. وإذا كانت رواتب الروس في بلادهم بالكاد تكفيهم لتغطية نفقات المعيشة في ظل ارتفاع أسعار الغذاء والسكن وغيرهما، فإنّ المبالغ ذاتها تكفيهم في بلدان آسيوية عدّة لعيش حياة كريمة وتناول الوجبات في المطاعم. أضف إلى ذلك الودّ وكرم الضيافة لدى الهنود".
وعند سؤالها عن مصادر رزق من يقضي فترات طويلة في غوا، تجيب إيرينا أنّ "بعضهم يزاول أعمالاً حرة ومهناً متعلقة بالإنترنت، من قبيل تصميم المواقع والإعلانات أو البرمجة التي تتيح العمل من أيّ مكان في العالم تتوفر فيه خدمة إنترنت". وتتابع أنّ "ثمّة فئات أخرى تعيش في الهند من مدخراتهم أو من تأجير شققها في روسيا أو حتى من نشاط تجاري في الهند مثل فتح متجر أو مطعم".
والهند ليست الوجهة الوحيدة للروس في آسيا، بل ثمّة جالية روسية كبيرة في تايلاند. ويوضح بافيل غرانكين القائم على مجموعة "بوكيت لايف" التي تضمّ محبّي مدينة بوكيت الساحلية، أنّ عددهم يُقدّر بنحو 10 آلاف. يضيف لـ"العربي الجديد" أنّهم "بمعظمهم انتقلوا إلى تايلاند هرباً من شتاء روسيا ووجدوا أعمالاً في قطاع السياحة. أمّا في بلادهم، فكانت أوضاعهم مختلفة، إذ منهم من كان طبيباً ومنهم من كانت ربّة منزل وغير ذلك".
مع ازدياد حركة السياحة الخارجية في العقدَين الماضيَين بين الروس، راحت المنتجعات التركية والمصرية تستقبل أعداداً أكبر من الروس نتيجة، لا سيّما مع انتشار ظاهرة الزواج المختلط. إلى ذلك، تأتي ظاهرة "الهجرة البيئية"، التي يبحث خلالها أهالي روسيا عن طقس مشمس وحياة على الساحل.
تقول رئيسة الجالية الروسية في أنطاليا، مارينا سوروكينا، إنّ "عدد الروس المقيمين في هذه المنطقة السياحية جنوب غربي تركيا، يزيد على 100 ألف، مع عدد كبير من النساء المتزوجات من أتراك". تضيف سوروكينا لـ"العربي الجديد" أنّ "هؤلاء النساء بمعظمهنّ وصلنَ إلى تركيا بداية إمّا للاستجمام وإمّا للعمل في قطاع السياحة، قبل أن يتزوّجنَ من رجال أتراك ويقمنَ بصورة دائمة في البلاد وحصلنَ على الجنسية التركية". تضيف أنّ "ثمّة أشخاصاً آخرين انتقلوا إلى تركيا برفقة عائلاتهم، ناهيك عن اللاجئين البيئيين الذين يبحثون عن طقس أفضل وعن بحر ومنتجات غذائية عالية الجودة".
وتلفت سوروكينا إلى أنّ "تركيا تتميّز بكرم الضيافة وشعبها طيب وودود. نشعر هنا وكأنّنا في وطننا، وحتى أفضل. تركيا بلد رائع، ولكنّه ليس رخيصاً. إذا كان لديكم مصدر دخل مستقر وأنتم غير مرتبطين بمحل إقامة دائم، فلن تجدوا مكاناً أفضل على الأرض!". في المقابل، تتحدّث سوروكينا عن "بعض الصعوبات التي قد يواجهها من يقرّر نقل حياته وأعماله إلى تركيا. فمن الصعب مزاولة الأعمال هنا في ظل المنافسة الكبيرة في قطاع الخدمات، بالإضافة إلى أنّ القوانين تهدف بالدرجة الأولى إلى توظيف الأتراك وسط ارتفاع عدد السكان. ولا بدّ من أخذ ذلك بعين الاعتبار عند اختيار بلد الإقامة".
على الرغم من مساحة روسيا الشاسعة والتي تبلغ 17 مليوناً و100 ألف كيلومتر مربع، فإنّ نحو 11 مليون شخص من الذين وُلدوا فيها انتقلوا للعيش في الخارج وفق بيانات الأمم المتحدة، مشكّلين بذلك واحدة من أكبر الجاليات حول العالم. وكانت روسيا قد شهدت موجة كبيرة من الهجرة على أثر الاضطرابات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عاشتها بعيد تفكك الاتحاد السوفييتي في تسعينيات القرن الماضي. ولعلّ الهجرة الأكبر كانت إلى كلّ من ألمانيا والولايات المتحدة الأميركية، وقد استقبلت كلّ منهما ملايين المهاجرين. لكن مع استقرار الأوضاع في روسيا وتحسّنها، بات الشباب الروس يختارون وجهات سفر بديلة، ليس بحثاً عن الرزق وعن حياة أفضل، إنّما للاستمتاع بالبحار والمحيطات والمناظر الطبيعية الخلابة.