شائعة أم إشاعة؟ أيّهما الأصحّ؟ يبدو أنّ المفردتَين تصلحان للدلالة على المقصود بهما. شائعة أو إشاعة تعنيان بحسب مراجع لغويّة: "خبراً ينتشر بين الناس ولا تثبُّت فيه" أو "خبراً مكذوباً غير موثوق به وغير مؤكّد ينتشر بين الناس" أو "خبراً لا أساس له من الصحّة ذائعاً بين الناس". باختصار، الشائعة أو الإشاعة هما خبر ملفّق ومفترىً ومزوّر. لماذا التكرار؟ هذه المفردات الثلاث ليست مترادفة. لكلّ واحدة منها خاصيّتها التي تأتي مناسبة في السياق، ومن الممكن كذلك إضافة أخرى إليها فيما يبقى "الناس" هم الهدف.
بعيداً عن اللغة، ومنذ القدم، لم يخلُ مجتمع من الشائعات، تلك التي تتناقلها مكوّناته بين بعضها البعض، إمّا شفهيّاً وإمّا بوسائط مختلفة. في يومنا هذا، يمكن الحديث عن وسائل إعلام تقليديّة وكذلك أخرى حديثة أو وسائل تواصل اجتماعيّ. والشائعات هي "جزء لا يتجزّأ من واقع يوميّاتنا"، بحسب ما يؤكّد المتخصّص في علم النفس الاجتماعيّ الدكتور باتريك شارنيتزكي، شارحاً أنّها "تعني كلّ واحد منّا حتّى لو ادّعينا عدم إيلائها أيّ أهميّة وعدم المشاركة في نشرها". وإذ يشدّد على أنّها "ضارة" وتعمل على "تحطيم سمعةٍ ومهنةٍ وعلى نشر الفزع وكذلك نقل صورة مغلوطة عن العالَم الاجتماعيّ"، يتساءل: "كيف نفهم مفارقة مماثلة؟" و"كيف يمكن للبشر أن يزجّوا بأنفسهم في ممارسة تهدّدهم؟". بالنسبة إلى شارنيتزكي فإنّ الإجابة تستدعي "من جهة وصفاً للمضمون التقليديّ (العرفيّ) لشائعات بحدّ ذاتها وكذلك خصوصيّة السياقات الاجتماعيّة التي تنبثق منها تلك الشائعات، ومن جهة أخرى استشفافاً/ إدراكاً ضرورياً للمعطيات التي تلبّي الشائعةُ على أساسها وظيفة اجتماعيّة".
وتُختلَق الشائعات ويبقى الفاعل مجهولاً. ذلك الفاعل نفسه قد يكون هدفاً لشائعة أو لأخرى في وقت لاحق، أو سبق أن وقع ضحيّة "تلفيق" ما. ويزجّ الناس بأنفسهم في حلقة مفرغة، لا سيّما في خلال أوضاع مأزومة، كما هي الحال اليوم في لبنان. تكثر الشائعات، ونتورّط جميعنا في نشرها على أوسع نطاق. ولعلّ الأسوأ أنّها قد "تتضخّم" كلّما تزايدت رقعة انتشارها، سواءً أكان ذلك عبر ألسن أو نقرات على لوحات مفاتيح هاتف ذكيّ أو حاسوب. ويتفاقم ضررها، ذلك الذي أشار إليه شارنيتزكي، وآخرون غيره بالتأكيد، وتحدث بلبلة أو ارتباك وتشويش وفوضى.
في مناسبة أو أخرى، قد يستدرك أحدنا قائلاً "هذه مجرّد شائعة!". لكنّ الأوان يكون قد فات. الخبر الأوّليّ الذي يبلغ متلقّي الشائعة إنّما هو الذي يبقى راسخاً في ذهنه. ربّما يطرح من وصل إليه الاستدراك تساؤلاً أو اثنَين، غير أنّ الغلبة تبقى لما بلغه بداية، وسط خصوصيّة سياق اجتماعيّ معيّن وكذلك في ظلّ أفكار مسبقة ذات صلة بالمضمون. ويبدو شارنيتزكي حاسماً في هذا الإطار، فيكتب: "عندما تدخل الأحكام المسبقة اللعبة، تتكاثر الشائعات". أمّا نحن فنضيف "وتستفحل البلبلة".