على الرغم من سنوات اللجوء الطويلة، ما زالت تحلم بالعودة إلى فلسطين. ففي لبنان، لم تبتسم لها الحياة يوماً، هي التي تعيش في مخيم عين الحلوة
في السابعة من عمرها، تركت عائشة رشيد قبلاوي بلدتها الفلسطينية الزيب، لتبدأ معاناتها مع اللجوء، علماً أن والدها توفي وهي في الثالثة من عمرها. ما زالت تتذكر بعض التفاصيل عن بلدتها وحياتها وعائلتها في ذلك الوقت. تبتسم حين تحكيها ثم ما تلبث أن تدمع عيناها في ظل مرارة العيش التي عرفتها.
تركت خلفها أحلاماً صغيرة والشاطئ والأسماك والحقل وكبرت فجأة. وبعدما كانت تلملم الحصى الصغيرة، صارت تحمل الأواني المتسخة وتغسلها. كانت عائلتها تعيش من جني القمح والزيتون. ولم تعرف الفقر حتى بعد وفاة والدها. تقول: "كنّا أربع بنات عندما نزحنا عن فلسطين مع أمنا. لم يهجم علينا الصهاينة، لكن حين بدأت أمي تسمع الأخبار، خافت علينا، وقررت الهرب من البلدة. ركبنا باصاً كان موجوداً على مقربة من بلدتنا وأقلّنا إلى منطقة الناقورة (جنوب لبنان). استأجرنا بيتاً وسكنا فيه، وكنا قد سبقنا بقية أهالي البلدة في الخروج من فلسطين. لذلك، استطاعت أمي أن تخرج معها المال الذي كانت تدخره، إضافة إلى الذهب.
تروي: "بعد مدة، بدأت اعتداءات العدو الصهيوني على بلدتنا، واعتدى الصهاينة على مجموعة من الشباب الذين كانوا ينقلون الخضار، فأطلقوا النار عليهم وقتلوهم جميعاً، وكان عددهم خمسة عشر رجلاً. وعندما وصل الخبر إلى أهل البلدة، خافوا، وفروا منها سيراً على الأقدام متوجهين نحو الناقورة، عند الحدود مع لبنان، وباتوا أياماً في العراء. ومن الناقورة، توجهنا إلى مدينة صيدا (جنوب لبنان)، وتحديداً نحو مخيم عين الحلوة سيراً على الأقدام. كنا عندما نتعب، نجلس عند أطراف الشارع للاستراحة، خصوصاً نحن الأطفال".
تضيف: "عندما وصلنا إلى المخيم، كانت كل عائلتين تأخذ شادراً، وكنا قد اقتسمنا الشادر مع شخص اسمه أبو هادي كانت أمي تعرفه وتعرف عائلته. في منطقة بستان اليهودي في مخيم عين الحلوة، عشنا في شادر. وكان الناس يذهبون إلى المية والمية حتى يحضروا الطعام. في مخيم المية والمية، كان هناك مركز للطعام (مطبخ) يعد فيه الطعام للاجئين، وكانت أمي لا تحبه، فتأخذ منه الجبن والخبز، والباقي تبيعه بنصف ليرة".
بدأت العمل في تنظيف البيوت حين كانت في الثامنة من عمرها. "بقينا في الشادر مدة طويلة. لم تكن المياه متوفرة، وكنا مضطرين إلى السير مسافة طويلة للوصول إلى مكان المياه ثم حمله فوق رؤوسنا، وكنا نعاني بسبب الفقر. كنت أنا الوحيدة التي عملت لإعالة العائلة. لكن بعد زواجي وأنا في الرابعة عشرة من عمري، تركت العمل". تضيف: "زوجي كان بحاراً، وأنجبت منه ستة صبيان وخمس بنات. أعيش اليوم في كنفهم".
تتمنى الحاجة عائشة العودة إلى فلسطين. تقول: "كنا نمضي معظم أوقاتنا عند البحر، ونصطاد الأسماك. كنا نشعر بأن البحر صديقنا، يلعب معنا، ويساهم في تغذيتنا". تختم قائلة: "يا حسرتي، ليتني أعود إلى فلسطين. أعيش على التراب، وآكل الخبز والبصل فقط، لا أريد شيئاً آخر من هذه الحياة".