ليس في الأمر تمييز تجاه السوريين حصراً في هذه الواقعة. صحيح أنّ هناك كثيراً من التمييز في لبنان تجاه السوريين وغيرهم من الأجانب بخصوص العديد من الأمور ويمارس من قبل أجهزة متنوعة في الدولة، لكنّ الخبر الذي انتشر في اليومين الأخيرين حول طلب الأمن العام اللبناني من طالب سوري التعهد أمام الكاتب بالعدل بعدم الزواج من لبنانية أو إقامة علاقة مع لبنانية طوال فترة وجوده في لبنان كشرط لمنحه الإقامة، لا يتعلق بجميع الطلاب السوريين ولا يتعلق بطلاب من جنسية أخرى حصراً حتى.
في اتصال مع "العربي الجديد" يقول رئيس مكتب شؤون الإعلام في الأمن العام العميد نبيل حنون إنّ "هذه التعليمات صدرت عام 2003 وتتعلق بطلاب الدين في المعاهد الدينية بمختلف جنسياتهم سواء أكانوا عرباً أم أوروبيين وبمختلف مذاهبهم". أما السبب في هذه التعليمات الموجهة من الأمن العام كشرط لمنح هؤلاء الطلاب إقامة طالب فهو "إقدام حالات عديدة على الزواج من لبنانيات وتطليقهن بعد فترة، ما يضعنا أمام مشاكل عديدة" بحسب العميد حنون.
الخبر في الأساس بدأ بصورة عن تعهد صادر في الثاني عشر من فبراير/ شباط الجاري وقّعه طالب سوري مولود في بريطانيا عام 1991 لدى مكتب الكاتبة بالعدل في بيروت مها بو نجم، جاء فيه: "أنا الموقع أدناه (...) أصرح على مسؤوليتي المدنية والجزائية بأنّه لا يوجد أيّة علاقة أو ارتباط من أيّ نوع كان تربطني بفتاة من الجنسية اللبنانية، وإنّي أتعهد بعدم الزواج من أيّ فتاة من الجنسية اللبنانية طوال فترة دراستي وإقامتي في لبنان تعهداً صحيحاً صادراً عني بكامل قبولي ورضائي وقعته على كامل مسؤوليتي".
من جهتها، تشدد بو نجم، في اتصال مع "العربي الجديد"، على قانونية التعهد، لافتة إلى أنّه سبق وأن حُرّر لدى عدة كتاب بالعدل، لا سيما أولئك الذين تقع مكاتبهم بالقرب من مكاتب الأمن العام، أسوة بمكتبها. كذلك، تشير إلى أنّ الشخص المعني يوقّع على هذا التعهد بملء إرادته بناء لتدبير غير مكتوب من الأمن العام. تستغرب بو نجم زج اسمها في الموضوع، لافتة إلى أنّ الأمن العام هو الجهة التي يجب أن تُسأل عنه.
كان الخبر قد أحدث كثيراً من الجدال خصوصاً أنّه يرتبط بطلاب سوريين. وفي هذا الإطار، تقول المحامية غيدا فرنجية من جمعية "المفكرة القانونية" الناشطة في المجال الحقوقي في اتصال مع "العربي الجديد": "لدينا قلق مستمر بخصوص التعامل مع الأجانب في لبنان". هذا القلق تعزوه إلى سابقة إلزام الأمن العام قبل سنوات مستخدمي العاملات المنزليات بالإبلاغ عن أيّ علاقة حبّ أو زواج قد ترتبط هذه العاملات بها، تمهيداً لترحيلهن. يومها ألغي التعميم المذكور من قبل وزارة العدل إثر حراك حقوقي شارك فيه محامون وكتاب بالعدل وجمعيات مدنية بدفع من "المفكرة القانونية". في كلّ الأحوال تشير فرنجية إلى أنّ مثل هذه التعهدات تشكل "تنازلاً عن حقوق شخصية" كما أنّه من وجهة نظر نسائية لبنانية يشكل تمييزاً ضد اللبنانيات الممنوعات من الزواج ممن يردن الارتباط به بموجب مثل هذا التعهد.
لكن، ومع توضيح الأمن العام أنّ الأمر لا يستهدف جنسية معينة بل فئة محددة ودوافعه إدارية في ذلك، ما قيمة مثل ذلك التعهد قانونياً، وهل له ضرورة فعلاً؟
يشرح المحامي لؤي غندور في اتصال مع "العربي الجديد" حول التعهدات من وجهة نظر قانونية عبر مثال بسيط يختص بالعاملات المنزليات الأجنبيات، فإذا أراد مستخدم لعاملة أن يتراجع عن العقد الذي استقدمها بموجبه للعمل، يتوجب عليه أن يوقّع تعهداً بتسفيرها. كذلك، تتعهد الأجنبية (غير العربية) المتزوجة من لبناني كي تنال "إقامة مجاملة" بعدم العمل خلال إقامتها في لبنان.
لكنّ غندور يؤكد أنّ تعهد العمل "لزوم ما لا يلزم، فمن يريد العمل يجب عليه أن يحصل على إجازة عمل أساساً". أما في حالة تعهد الطالب الأجنبي فعدا عن كون القانون "لا علاقة له بالعلاقات العاطفية، وهناك أحكام ترعى زواج الأجنبي من لبنانية، فإنّه كذلك لزوم ما لا يلزم، إذ إنّ أيّ زواج لأجنبي من لبنانية ستصل أوراقه إلى الأمن العام لاحقاً إذا رغب الزوجان في تسجيله".