تستوجب الحماية القانونية للمسنين تدخل الدولة بإذن قضائي للحفاظ على إنسانية الأشخاص المسنين واستمراريتهم، بهدف تمكينهم من تجاوز صعوبات الحياة اليومية
يقول الشاعر الفرنسي جاك كانو إنّ الشخص المتقدم في السنّ يصافحك بقوة ولوقت طويل كونه يتمسك دائماً بالوجود. إلا أنّ هذا التمسك بالحياة لا يشكل بالمطلق ضعفاً أو انهياراً، لأنّ التقدم في العمر كصعود الجبال، كلما تقدمت صعوداً أتعب التقدم أنفاسك، لكنّه منحك نظرة واسعة الرؤية وتعقلاً كبيراً في المقابل.
قد يفسر البعض مفهوم الحماية القانونية للأشخاص المسنّين، باتخاذ تدابير قضائية احترازية بوجه المسنّ لمنعه من التصرف بأمواله وأملاكه وذلك لوجود نقص في أهليته القانونية. فتتوجب حمايته من استغلال الأشخاص المحيطين به عبر اتخاذ إجراءات حماية كالحجر والوصاية وغيرهما. لكن ما نقصده بالحماية هنا هو توفير إطار اجتماعي وقانوني قادر على الحفاظ على إنسانية هذا الشخص واستمراريته.
تنطلق هذه الحماية إذاً من إطار اجتماعي بحت يبرر اتخاذ اجراءات تهدف إلى مساعدة الأشخاص البالغين المتقدمين في العمر وغير المصابين بضعف ذهني، على تجاوز الصعوبات المتعلقة بالحياة اليومية من جهة، وعلى تسهيل حصولهم على مساعدات اجتماعية مباشرة من مؤسسات الدولة من جهة ثانية.
نعني بصعوبات الحياة اليومية على سبيل المثال أن يكون المسنّ كثير الديون غير قادر على سدادها. أو غير قادر على إتمام معاملاته الإدارية. أو عاجز عن دفع أيّ خطر قد يهدد سلامته الصحية أو كينونته الجسدية.
في العديد من الدول ذات التشريع الاجتماعي المتقدم، تتخذ هذه الحماية وجهاً من اثنين: الأول إداري والثاني قضائي.
تتمحور الحماية الإدارية على ارتباط مؤسسات الدولة بعقد فردي مشخصن مع المسن، تلتزم بموجبه الحلول مكانه في إبرام بعض العقود والمحافظة على استمراريتها، كفتح حساب مصرفي او إبرام عقد إيجار، أو تأمين صحي، وغير ذلك.
ولحماية المسنين من تدخل الدولة في شؤونهم الخاصة بشكل دائم، فإنّ معظم التشريعات الحديثة توجب أن يكون العقد الذي يربط العجوز بالدولة عقداً موقتا تتراوح مدته بين ستة أشهر وعامين، على أنّ يجدّد لمرة واحدة شرط أن يخضع تنفيذه السابق إلى تقييم فعلي يبرر مثل هذا التجديد.
كما تتخذ هذه الحماية الإدارية شكل المساعدات المالية والتي تتعدد أوجهها. فتبدأ بحصول المسنين على مخصصات سكن وتنقل مجاني في وسائل النقل العام. وتصل إلى حصولهم على مخصصات مالية تتعلق بالشيخوخة، والإعاقة، والحفاظ على الاستقلالية النقدية.
ولقد أشار المشرّع إلى حالة فشل تدابير الحماية الإدارية في الوصول إلى تمكن المسنّ من العيش باستقلالية، فأوجدت التشريعات آلية تسمح بحماية مسكن العجوز لتطلب الدولة من القضاء المختص السماح لها بأن تدفع بدل إيجار مسكن المسنّ مباشرة الى المؤجر كمساعدة اجتماعية تضمن له حق المسكن والمبيت الآمن، وتمنع بالتالي إمكانية طرده من المأجور. في جميع الأحوال، يعتبر هذا الأمر تدخلاً للدولة في شؤون الفرد، ما يوجب إبلاغه مسبقاً بالإجراءات الهادفة الى الحلول مكانه في دفع بدل إيجاره. وعلى القاضي أن يتحقق من حصول العجوز على هذا التبليغ، وإلا وجب عليه رد الطلب بحجة حق الفرد في حماية حياته الشخصية.
كما يبرر فشل تدابير الحماية الإدارية قيام السلطة بالطلب إلى القضاء اتخاذ تدابير أكثر فعالية، كوضع المسنّ تحت إشراف قاضي العائلة أو تحت وصاية أحد افراد عائلته الراشدين. يتم ذلك بناء على تقرير مفصل يرسل إلى النيابة العامة يبين الحالة النفسية، والاجتماعية، والمالية للعجوز والتدابير التي تم اتخاذها مسبقاً ولم تؤدّ إلى النتيجة المرجوة.
تدخل القضاء لتأمين الحماية الاجتماعية للعجزة غير المصابين بنقص في الأهلية يبقى استثنائياً، يبرره وجود تهديد فعلي لسلامتهم وأمن حياتهم يسمح باتخاذ تدابير وقائية جبرية، لا سيّما تعيين وكيل قضائي مهمته مساعدة المسنّ على إتمام إجراءات الحياة اليومية وتجاوز صعوباتها.
ومن أجل حماية العجوز من تجاوز الوكيل القضائي لصلاحياته، يعتبر المشرّع أنّ تدابير الحماية الاجتماعية ليس من شأنها أن تجعل العجوز شخصاً ناقص الأهلية، بل يبقى متمتعاً بها مع عدم وجود سبب مشروع يبرر إعلان عدم أهليته. كما أنّ حماية العجوز من تجاوز الوكيل لصلاحياته تتم بطريقة عملية، فالقرار القضائي الصادر بتعيينه يوجب عليه في معظم الأحيان أن يستشير العجوز ويقف عند رأيه قبل اتخاذ أيّ تدابير حماية. وأن يقدم بصورة دورية إلى القاضي المختص تقريراً مالياً وواقعياً يبين كيفية صرف أموال العجوز. وأن يتم هذا برفض القضاء تعيين وكيل قضائي غريب عن العجوز إذا وجد أحد أفراد عائلته، وكان أهلاً لممارسة الحماية الاجتماعية.
تبقى الإشارة إلى أنّ مفاهيم الحماية الاجتماعية للمسنّ تختلف باختلاف المجتمعات. فبينما يقبل المجتمع الغربي بصورة مبسطة إدخال المسنين إلى دور رعاية خاصة بهم، فإنّ المجتمع الشرقي والعربي بشكل خاص ما زال ينظر الى هذه المسألة بعين الريبة، ويعتبر أنّ الإطار العائلي هو الأسلم والاجدى لحماية "الختيار".
(محامٍ بالاستئناف في باريس)
إقرأ أيضاً: الإعدام بين القبول والرفض
يقول الشاعر الفرنسي جاك كانو إنّ الشخص المتقدم في السنّ يصافحك بقوة ولوقت طويل كونه يتمسك دائماً بالوجود. إلا أنّ هذا التمسك بالحياة لا يشكل بالمطلق ضعفاً أو انهياراً، لأنّ التقدم في العمر كصعود الجبال، كلما تقدمت صعوداً أتعب التقدم أنفاسك، لكنّه منحك نظرة واسعة الرؤية وتعقلاً كبيراً في المقابل.
قد يفسر البعض مفهوم الحماية القانونية للأشخاص المسنّين، باتخاذ تدابير قضائية احترازية بوجه المسنّ لمنعه من التصرف بأمواله وأملاكه وذلك لوجود نقص في أهليته القانونية. فتتوجب حمايته من استغلال الأشخاص المحيطين به عبر اتخاذ إجراءات حماية كالحجر والوصاية وغيرهما. لكن ما نقصده بالحماية هنا هو توفير إطار اجتماعي وقانوني قادر على الحفاظ على إنسانية هذا الشخص واستمراريته.
تنطلق هذه الحماية إذاً من إطار اجتماعي بحت يبرر اتخاذ اجراءات تهدف إلى مساعدة الأشخاص البالغين المتقدمين في العمر وغير المصابين بضعف ذهني، على تجاوز الصعوبات المتعلقة بالحياة اليومية من جهة، وعلى تسهيل حصولهم على مساعدات اجتماعية مباشرة من مؤسسات الدولة من جهة ثانية.
نعني بصعوبات الحياة اليومية على سبيل المثال أن يكون المسنّ كثير الديون غير قادر على سدادها. أو غير قادر على إتمام معاملاته الإدارية. أو عاجز عن دفع أيّ خطر قد يهدد سلامته الصحية أو كينونته الجسدية.
في العديد من الدول ذات التشريع الاجتماعي المتقدم، تتخذ هذه الحماية وجهاً من اثنين: الأول إداري والثاني قضائي.
تتمحور الحماية الإدارية على ارتباط مؤسسات الدولة بعقد فردي مشخصن مع المسن، تلتزم بموجبه الحلول مكانه في إبرام بعض العقود والمحافظة على استمراريتها، كفتح حساب مصرفي او إبرام عقد إيجار، أو تأمين صحي، وغير ذلك.
ولحماية المسنين من تدخل الدولة في شؤونهم الخاصة بشكل دائم، فإنّ معظم التشريعات الحديثة توجب أن يكون العقد الذي يربط العجوز بالدولة عقداً موقتا تتراوح مدته بين ستة أشهر وعامين، على أنّ يجدّد لمرة واحدة شرط أن يخضع تنفيذه السابق إلى تقييم فعلي يبرر مثل هذا التجديد.
كما تتخذ هذه الحماية الإدارية شكل المساعدات المالية والتي تتعدد أوجهها. فتبدأ بحصول المسنين على مخصصات سكن وتنقل مجاني في وسائل النقل العام. وتصل إلى حصولهم على مخصصات مالية تتعلق بالشيخوخة، والإعاقة، والحفاظ على الاستقلالية النقدية.
ولقد أشار المشرّع إلى حالة فشل تدابير الحماية الإدارية في الوصول إلى تمكن المسنّ من العيش باستقلالية، فأوجدت التشريعات آلية تسمح بحماية مسكن العجوز لتطلب الدولة من القضاء المختص السماح لها بأن تدفع بدل إيجار مسكن المسنّ مباشرة الى المؤجر كمساعدة اجتماعية تضمن له حق المسكن والمبيت الآمن، وتمنع بالتالي إمكانية طرده من المأجور. في جميع الأحوال، يعتبر هذا الأمر تدخلاً للدولة في شؤون الفرد، ما يوجب إبلاغه مسبقاً بالإجراءات الهادفة الى الحلول مكانه في دفع بدل إيجاره. وعلى القاضي أن يتحقق من حصول العجوز على هذا التبليغ، وإلا وجب عليه رد الطلب بحجة حق الفرد في حماية حياته الشخصية.
كما يبرر فشل تدابير الحماية الإدارية قيام السلطة بالطلب إلى القضاء اتخاذ تدابير أكثر فعالية، كوضع المسنّ تحت إشراف قاضي العائلة أو تحت وصاية أحد افراد عائلته الراشدين. يتم ذلك بناء على تقرير مفصل يرسل إلى النيابة العامة يبين الحالة النفسية، والاجتماعية، والمالية للعجوز والتدابير التي تم اتخاذها مسبقاً ولم تؤدّ إلى النتيجة المرجوة.
تدخل القضاء لتأمين الحماية الاجتماعية للعجزة غير المصابين بنقص في الأهلية يبقى استثنائياً، يبرره وجود تهديد فعلي لسلامتهم وأمن حياتهم يسمح باتخاذ تدابير وقائية جبرية، لا سيّما تعيين وكيل قضائي مهمته مساعدة المسنّ على إتمام إجراءات الحياة اليومية وتجاوز صعوباتها.
ومن أجل حماية العجوز من تجاوز الوكيل القضائي لصلاحياته، يعتبر المشرّع أنّ تدابير الحماية الاجتماعية ليس من شأنها أن تجعل العجوز شخصاً ناقص الأهلية، بل يبقى متمتعاً بها مع عدم وجود سبب مشروع يبرر إعلان عدم أهليته. كما أنّ حماية العجوز من تجاوز الوكيل لصلاحياته تتم بطريقة عملية، فالقرار القضائي الصادر بتعيينه يوجب عليه في معظم الأحيان أن يستشير العجوز ويقف عند رأيه قبل اتخاذ أيّ تدابير حماية. وأن يقدم بصورة دورية إلى القاضي المختص تقريراً مالياً وواقعياً يبين كيفية صرف أموال العجوز. وأن يتم هذا برفض القضاء تعيين وكيل قضائي غريب عن العجوز إذا وجد أحد أفراد عائلته، وكان أهلاً لممارسة الحماية الاجتماعية.
تبقى الإشارة إلى أنّ مفاهيم الحماية الاجتماعية للمسنّ تختلف باختلاف المجتمعات. فبينما يقبل المجتمع الغربي بصورة مبسطة إدخال المسنين إلى دور رعاية خاصة بهم، فإنّ المجتمع الشرقي والعربي بشكل خاص ما زال ينظر الى هذه المسألة بعين الريبة، ويعتبر أنّ الإطار العائلي هو الأسلم والاجدى لحماية "الختيار".
(محامٍ بالاستئناف في باريس)
إقرأ أيضاً: الإعدام بين القبول والرفض