قبيل العام الدراسي الجديد الذي ينطلق في 29 سبتمبر/ أيلول الجاري في العراق، تعرض "العربي الجديد" واقع التعليم في البلاد وهواجس المعنيين.
أيام عدّة تفصل العراقيّين عن العام الدراسي الجديد الذي ينطلق بحسب المتوقّع في 29 سبتمبر/ أيلول الجاري. ليست تلك أفضل أيام بالنسبة إلى ملايين العوائل العراقية، إذ تتكرّر معاناة كل عام مع هموم تجهيز أبنائها للدراسة. وذلك مع ما يترتّب على ذلك من أعباء مالية، بالإضافة إلى التفكير بتأمين مدرسة ذات مستوى جيّد، تكون قريبة من المنزل حتى لا ينشغل بال الأهالي أكثر حول أمن أولادهم، لا سيما مع انتشار حوادث الاختطاف في بغداد هذه الأيام.
تقول المتحدثة الرسمية باسم وزارة التربية العراقية، هديل العامري، لـ "العربي الجديد"، إنّ تسعة ملايين تلميذ كانوا قد التحقوا بالمدارس في العام الماضي، ستة ملايين منهم في المرحلة الابتدائية وثلاثة ملايين في المتوسطة والإعدادية. ومثلهم أو أكثر سوف ينتظمون في المدارس العراقية هذا العام". تضيف، أنّ احتياجات العراق للمدارس تبلغ عشرين ألف مدرسة، وفقاً للكثافة السكانية المتوقعة وامتداد الرقعة الجغرافية خلال السنوات المقبلة. لكنّنا لم نبلغ هذا العدد بعد".
إلى ذلك، توضح العامري أنّ "المدارس في المناطق المحررة مدمّرة، وتعود مهمّة إعادة إعمارها إلى صندوق إعادة إعمار المناطق المتضررة وليس على وزارة التربية"، في إشارة إلى عدم معرفتها بمستقبل تلك المدارس في تلك المدن.
في سياق متّصل، تفيد مصادر حكومية عراقية وتقارير لمنظمات دولية، أنّ نحو ستّة آلاف مدرسة هي خارج الخدمة هذا العام، بسبب المعارك الدائرة شمال البلاد وغربها واستخدام النازحين المدارس كمأوى لهم. وتؤكّد المصادر لـ "العربي الجديد" أنّ "الحكومة تعمل على إقناع الأمم المتحدة بتوفير كرفانات وبيوت جاهزة لاستخدامها كمدارس مؤقّتة خلال الأيام المقبلة".
من جهته، يقول رئيس "شبكة أجيال السلام العراقية"، خالد عبيد، إنّ "نحو مليون و400 ألف طفل خسروا تعليمهم في العام الماضي، نظراً لوجودهم في مناطق سيطرة تنظيم داعش أو في مخيمات النازحين". يضيف لـ "العربي الجديد": "عقدنا اجتماعات مكثفة مع رئيس الوزراء وبعثة الأمم المتحدة بهدف إعادة من يمكن إعادته من التلاميذ إلى مقاعد الدراسة. ونأمل أن ننجح بذلك، لأنّ الفشل يعني كارثة تعليمية وجيلاً أميّاً وآخر في الشوارع".
ويتحدّث الباحث التربوي، نبيل الزركوشي، عن "المعوّقات التي تواجه الكوادر التعليمية التي تعاني نقصاً في العديد، بسبب التعيينات التي تصدرها وزارة التربية من دون الرجوع إلى المديريات. بالتالي، فإنّها لا تغطي الشواغر الفعلية في الاختصاصات العلمية كالرياضيات والفيزياء وعلم الأحياء والكيمياء، بالإضافة إلى اللغّة الإنكليزية واللغة العربية". يضيف لـ "العربي الجديد"، أنّ "الوزارة تفرض كذلك أنظمة تربوية جديدة غير مختبرة سابقاً، على الواقع التربوي، ولا تعود إلى الكوادر من ذوي العلاقة (أدوات التنفيذ)، للأخذ بآرائهم ومقترحاتهم. ومن تلك الأنظمة، نظام الفصول الدراسية ونظام تنويع التعليم". ويشدّد: "نحن لسنا في حاجة إلى هذه الأمور بقدر بحاجتنا إلى أبنية مدرسية ومناهج متطوّرة، إلى جانب تطوير مهارة المدرّسين". ويشير إلى "ضرورة الأخذ بعين الاعتبار، إصدار نظام تربوي شامل بدلاً من النظام القديم الصادر في سبعينيات القرن الماضي، والذي يتضمّن بنوداً تتعارض مع الدستور العراقي الحالي ولا تلائم التطوّر الكبير الذي يشهده المجتمع مع انتشار وسائل وأساليب جديدة للحياة".
عمر الجبوري مدرّس في إحدى قرى محافظة ديالى، يتحدّث عن "عدم توفّر مبان ملائمة للتدريس ولا مختبرات علمية ولا أخرى للمعلوماتية. والمباني المتهالكة التي شيّدت في ثمانينيات القرن الماضي، دُمّر عدد كبير منها (على قلّتها) من جرّاء العمليات الإرهابية، فيما يتزايد عدد التلاميذ. وقد دفع ذلك وزارة التربية إلى اعتماد حلول للترقيع، بقرارها دمج المدارس كل اثنتَين في مبنى واحد مع دوامَين صباحي ومسائي". يضيف لـ "العربي الجديد": "قد نجد ثلاث مدارس في مبنى واحد، وبهذا يشمل الدوام فقط ثلاثة دروس يومياً". ويشير إلى أنّ الأهالي في بعض المناطق، عمدوا إلى بناء مدارس على نفقتهم الخاصة أو أعادوا تأهيل أخرى كانت قد أحيلت بقرارات سابقة إلى الهدم". ويشدّد على أنّ "كلّ ذلك ينعكس سلباً على المستوى التعليمي، خصوصاً أنّنا نجد أكثر من خمسين تلميذاً في الصف الواحد، ومنهم من يجلس أرضاً لعدم توفّر مقاعد. كذلك، فإنّ كثرة العطل والمناسبات أثّرت كثيراً على سير الدوام بالطريقة الصحيحة، وعلى عدم استكمال المنهج المقرّر".
ويتابع الجبوري أنّ "الأوضاع الأمنية التي شهدتها المحافظة في الأعوام الثلاثة الأخيرة وما رافقها من نزوح، كانت لها الأثر السلبي على المستوى العلمي للتلاميذ، خصوصاً في المراحل الأخيرة. وقد نتج عن ذلك ترك الدراسة أو الالتحاق بمدارس النازحين، الأمر الذي أدّى إلى تدنّي نسب النجاح". ويشير إلى أنّه "منذ عام 2003 وحتى يومنا هذا، تفاقمت المشاكل التي تتعلق بالتعليم، خصوصاً في المرحلتَين الابتدائية والإعدادية. وذلك بسبب نقص حاد في إعداد المدرّسين لا سيما من ذوي الاختصاصات العلمية. وبهدف إكمال النصاب التعليمي وسدّ النقص، يعمل المدرّس في أكثر من مدرسة".
إلى ذلك، يشكو تلاميذ لـ "العربي الجديد" من قلّة غرف الدراسة التي لا تتسع لهم، ومن العطل الطارئة، ومن تأخّر وصول القرطاسية في كثير من الأحيان. عبدالله تلميذ نازح في الصف الخامس ابتدائي، يقول إنّه "بسبب قلة المدارس والازدحام الحاصل في المتوفّر منها، ينحصر دوامنا في ثلاثة أيام أسبوعياً. وهذا يجعل كثيرين منّا لا يرغبون في الدراسة". أمّا ميساء وهي تلميذة في الصف السادس علمي، فتقول إنّ "تغيير المناهج والخطط خلال الفصل الدراسي كثيراً ما يُربك التلاميذ ويشتّت تركيزهم. كذلك، فإنّ نقص المدرّسين لا سيما في الاختصاصات العلمية وعدم تمكن كثيرين من المناهج الجديدة، أثّرا سلباً على معدّلات التلاميذ".
أكثر من دوام واحد
كشفت وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي في العراق أنّ عدد المدارس الابتدائية وصل إلى عشرة آلاف و779 مدرسة، بما في ذلك الحكومية والأهلية والدينية للعام الدراسي 2014 - 2015. أمّا نسبة المدارس المختلطة منها، فبلغت 52 في المائة. يُذكر أنّ العراق يعاني منذ ثمانينيات القرن الماضي من قلّة المدارس، ما يجعل أكثرها يتبنى نظام الدوامَين أو الدوامات الثلاثة، من دون أن تُحلّ المشكلة.