لم يبق من قرية البصة الفلسطينية المهجرة الملاصقة للحدود اللبنانية الفلسطينية في أقصى شمال غرب فلسطين، التي تبعد 2 كيلو متر عن رأس الناقورة، إلا بعض المعالم، فالقرية هدّمت بالكامل في عام النكبة وتم تهجير أهلها.
في القرية بقيت الكنيستان الأرثوذكسية والكاثوليكية وكذلك مقام الخضر والمسجد، وجميعها مهجور ومغلق، إضافة إلى مبنى يسمى "الستات" يقف خالياً بجانب شجرة يفوق عمرها مئتي عام، وفندق لعائلة الخياط أمام الكلية الوطنية، التي كانت المدرسة الثانوية الوحيدة في المنطقة، إلا أنها تحولت اليوم إلى حظيرة أغنام.
وتبعد قرية البصة 19 كيلومتراً عن مدينة عكا، وترتفع على هضبة تعلو 75 متراً فقط عن سطح البحر إلى الشمال من وادي البصة، عند أقدام جبل المشقح الذي يحدها من الشمال ويشكل فاصلاً بين فلسطين ولبنان، وهي قريبة من البحر الأبيض المتوسط، ويتبعها سهل منبسط من جهتي الغرب والجنوب يصل إلى البحر.
احتلت قرية البصة يوم 14 مايو/ أيار 1948 عام النكبة، وأقام الاحتلال على أنقاضها مستوطنتي شلومي وكيبوتس بتسات. وفي عام 1948، كان عدد سكان البصة نحو 4000 نسمة، يقيمون في ما يزيد عن 700 منزل، وكان ثلثا سكان البصة من المسيحيين والباقي من المسلمين.
بقي من أهل البصة فقط 300 داخل فلسطين في قرى الجليل، ويقدر عدد أهل البصة اليوم بـ35 ألفاً تقريباً منتشرين في بلاد مختلفة.
وقال المحامي سليم واكيم: "سكان البصة من الطائفتين المسيحية والمسلمة كان يضرب بهم المثال في التعايش. أنا لم أولد بها، إذ ولدت عام 1954 في قرية معيليا، إنما والدي إلياس واكيم ولد في البصة. البصة موقعها مهم جداً قرب جبل المشقح الذي تقع وراءه حدود لبنان".
وتابع: "موقعها الاستراتيجي مهم جداً، إذ كانت طريق قوافل، كل من يأتي من لبنان وسورية كان يمر بالبصة وكان فيها أربعة فنادق".
أما حبيب زريق، ابن الـ97 عاماًن فقد ولد في قرية عيلبون الجليلية، ولكنه عمل مدرساً في قرية البصة قبل النكبة في مدارسها فقال: "أنا اليوم في البصة التي أعتبرها بلداً لي. المثل العربي يقول من عاشر القوم أربعين يوم صار منهم. كيف لو عاشرهم فيها 900 يوم. لقد أصبحت جزءاً من هذه البلدة ومن أهلها ومجتمعها وتاريخها".
وأضاف: "البصة من القرى الفلسطينية التي دمّرت بالكامل، مثل ما حصل في قريتي عيلبون، يوم 30 أكتوبر/ تشرين الأول سنة 1948. لقد أخرجوا الناس من بيوتهم وكنائسهم وقتلوا وشردوا، مثل ما حصل في البصة التي شرد كل أهلها، بمن فيهم أنا وأهلي وأولادي، قبل أن يأخذوني إلى المعتقل". وتابع: "لي بنت طبيبة ولدت في البصة يوم 9 مارس/ آذار سنة 1948، نحن تركنا البصة بشهر إبريل/ نيسان سنة 1948".
ومن جهته قال المهجر الياس فرح من البصة: "أنا مواليد 15 فبراير/ شباط 1948 في البصة، خرجت بالنكبة ابن ثلاثة أشهر، انتقلنا إلى قرية إقرث عند عائلة والدتي، وبعدها انتقلنا إلى قرية الرامة. والدي حنا فرح قتل في عام النكبة 1948، يوجد لي ستون دونماً في قرية البصة ولكنها صودرت. كل زيارة لي أشعر بألم ووجع، كل مرة أزور البصة أبكي على الأطلال، لأنها كانت مرة مزدهرة، إذ كان فيها مدرسة وكلية و12 مطعماً". وتابع "أزور البصة مرة في الشهر. أزور عندما أصلي في قرية إقرث المهجرة،ـ فوالدتي من إقرث، وأزور البصة أنا وأحفادي وأبنائي وجميعهم يعرفون البصة. سنعود إلى البصة، إذا لم أرجع، أبنائي سيرجعون أو أحفادي".
محمد كيال، عضو إدارة في جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين، قال من جانبه: "نحن نقيم هذه الجولات منذ ربع قرن، سلوكنا ونشاطنا لن يتغيرا. حق العودة بالذات هو ما يؤرق حكومات إسرائيل التي ترفضه منذ عام 1948 حتى اليوم. قانون "يهودية الدولة" يشرعن ويضع النقاط على الحروف بأن حق تقرير المصير بالدولة لليهود، وحدود هذه الدولة غير محددة لليوم. فسوف يستمرون في نفس السياسة بقضية حق اللاجئين بالعودة. ولكن هذا القانون لن يؤثر على جولاتنا وأنشطتنا ومسيرة العودة".