عادةً ما ينتظر تلاميذ الثانوية العامة يوم إعلان النتائج بفارغ الصبر، بعد انتهاء تقديم امتحاناتهم، قبل أن ينصرفوا إلى تحقيق أحلامهم. بطبيعة الحال، يكون يوم إعلان النتائج يوماً سعيداً. وفور سماع التلاميذ النتائج، يطلقون الألعاب النارية ويزينون منازلهم ويوزعون الحلوى على أهالي القرية والحيّ الذي يعيشون فيه.
هذا ما كان يريد وسام عويضات، وهو من بلدة الشيوخ شمال مدينة الخليل، فعله. تقدم هذا العام لامتحانات الثانوية العامة (الفرع العلمي)، وكان أداؤه جيداً. كان ينتظر النتيجة وعائلته، ويحلم بمشاركة الناس فرحته. يقول لـ "العربي الجديد": "عند الساعة الثالثة فجراً، اقتحمت قوات كبيرة من جيش الاحتلال الإسرائيلي بلدتنا، وحاصرت مداخل عدة، واقتحمت أحياءً في البلدة، وباشرت بعمليات تمشيط وتفتيش داخل المنازل". يضيف أن "دخول قوات الاحتلال البلدة كان مفاجئاً، وكانت ساعات قليلة تفصلنا عن معرفة نتائجنا".
عويضات الذي عرف نتيجته متأخراً نوعاً ما، كان الأول على بلدة الشيوخ بمعدل 98.8 في المائة. لم يستطع وصف مشاعر الفرح التي غمرت المنزل، لافتاً إلى أنها كانت أجمل لحظات يعيشها وعائلته، على الرغم من إغلاق الاحتلال للبلدة. كان يتوقع نتيجة جيدة لكن ليس إلى هذه الدرجة، ما زاد من فرحه. يشرح: "اعتدنا على مظاهر الفرح، وعلى أن يفتح تلميذ الثانوية العامة أبواب المنزل لاستقبال الضيوف، من دون أن ينسى تزيينه. وغالباً ما يدعو التلميذ الناجح أقاربه وأصدقائه إلى مشاركته في حفل النجاح والتفوق. لكن الاحتلال حال دون ذلك، ولم تشهد البلدة مظاهر الفرح المعتادة".
يقول عويضات: "بعد إعلان النتائج، بدأ الناس بالتوافد إلى المنزل. حينها، لم يكن هناك تواجد لجيش الاحتلال بشكل كبير في محيط المنزل. وعند الساعة الواحدة ظهراً، داهم جنود الاحتلال الحارة التي نسكن فيها، فهدأت حركة الناس، والتزم غالبيتهم بيوتهم. لكن ما زاد الطين بلة أن جنود الاحتلال اقتحموا بيتنا بطريقة وحشية، وفتحوا باب المنزل بعنف وأرعبوا العائلة، وفتّشوا المنزل".
على الرغم من كل ذلك، يأمل عويضات أن تنتهي هذه الغمامة ليفرح على غرار تلاميذ آخرين في المدن والبلدات الأخرى. يشير إلى أن الكثير من تلاميذ قرى الخليل لم يفرحوا مثله، بسبب الحصار الذي تفرضه سلطات الاحتلال منذ أيام. لكنه يلفت إلى أن كل محاولات الاحتلال التنغيص على الشعب الفلسطيني لن تنجح. في أول فرصة، سنحتفل ونفرح ونغني".
من جهةٍ أخرى، وفي الحارة نفسها التي يحاصرها جنود الاحتلال الإسرائيلي، كان الطالب مروان حساسنة ينتظر وعائلته نتيجته أيضاً، وكان جيش الاحتلال قد حوّل العمارة المقابلة لمنزلهم إلى ثكنة عسكرية، في ظل تواجد مكثّف للجنود والآليات العسكرية، مع إغلاق مداخل الحارة. رغم ذلك، تصرّفت عائلة هذا التلميذ بطريقة مختلفة فور إعلان النتائج، على الرغم من تواجد جنود الاحتلال الإسرائيلي أمام منزلهم. يقول موسى حساسنة، وهو شقيق مروان، لـ "العربي الجديد": "فرحنا لنجاح مروان، وباركنا لبعضنا بعضاً، وإن لم يزرنا أحد بسبب الاحتلال وعمليات التمشيط والتفتيش الواسعة في المنطقة. بعدها، صرنا ننظر إلى الجنود من خلال النوافذ. هذه كانت ردة فعلنا في ذلك اليوم".
من جهته، كتب شقيقه مناف على صفحته على "فيسبوك": "يا شباب انجحوا والباقي على الاحتلال"، أي أن الاحتلال الإسرائيلي سيتكفل بإطلاق النار خلال المواجهات المندلعة، الأمر الذي عدّه من مظاهر الفرح. بعد إعلان النتائج، شهدت البلدة مواجهات بين الشباب الفلسطينيين وقوات الاحتلال، وأطلق الجنود قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص، وهو ما اعتبره موسى حساسنة من مظاهر الفرح. وكتب بدوره على "فيسبوك": "نجح شقيقي مروان، فيما ما زال الجيش رابضاً عند باب الدار. النتيجة علينا، والطخ عليهم".
يشير موسى لـ "العربي الجديد" إلى أن "هذا أمر واقع، واضطررنا إلى أن نتعامل معه، وأن نكون المستهدفين هذه المرة. حاولنا الاستهزاء بالاحتلال وحصاره للحارة. لكن شر البلية ما يضحك، وهذا أمر واقع على الفلسطينيين منذ زمن بعيد. هذه فلسطين التي نحبها ويهون لأجلها كل شيء. في اللحظة التي سيخرج الاحتلال من حارتنا، سنحتفل مع شقيقنا، على أمل أن يزول الاحتلال الإسرائيلي ويرحل عن بلادنا كلها".