مع تدهور القطاع الصحي في ليبيا في ظل الأزمة المستمرة، والنقص الكبير في الأطباء المتخصّصين، من بينهم أطباء أمراض النساء والتوليد، ارتفعت نسبة القابلات المحليات، اللواتي شكلن بديلاً عن المتخصّصين
دفعت الأزمة الليبيّة الكثير من المواطنين للبحث عن حلول بهدف تأمين احتياجاتهم الضرورية. وفي ظل تراجع قطاع الصحة، والنقص الحاد في الكوادر الطبية، اضطر البعض للاستعانة بـ "القابلات المحليات"، لتعويض النقص والقصور الذي تعانيه أقسام الولادة في مختلف المناطق والمدن. حتى أن المستشفيات تستعين بالقابلات المحليات لمواجهة ما تعانيه أقسام الولادة من مشاكل.
ونظّم المجلس البلدي لوادي عتبة (جنوب البلاد)، حفلاً تكريمياً لعدد من القابلات اللواتي تطوعن للعمل في قسم الولادة في المركز الصحي لمنطقة أقار عتبة التابعة للبلدية، لأكثر من ست سنوات مجاناً. وبحسب منشور للبلدية، عمدت هؤلاء النساء إلى تقديم خدمات الرعاية والمتابعة الصحية للنساء الحوامل في المنطقة ومناطق مجاورة، وسط احتفاء من أهالي المنطقة. وتقول صالحة، إحدى تلك القابلات، إنّها عملت متطوّعة لمدة أربع سنوات من منطلق إنساني. تضيف: "الدافع كان إنسانيّاً، بعدما توفيت امرأة أثناء وضعها داخل قسم الولادة قبل سنوات، بسبب عدم وجود أي طبيب نسائي"، مضيفة أنّ "غالبية اللواتي يأتين إلى المركز هم من أهالي المنطقة. نحن نعرف بعضنا بعضاً، لذلك نتقاسم العمل. وبحكم معرفتنا الشخصية بالكثير من النساء، نتولى زيارتهن في البيوت إذا ما واجههن أي عارض". وتؤكد أن عمل القابلات إنساني وليس وظيفة رسمية.
وليست صالحة وحدها التي اختارت هذا العمل، إذ كثر عدد القابلات في غالبية مناطق البلاد، لا سيما في القرى والأرياف. وتعاني المراكز الصحية والمستشفيات من نقص في الأدوية، وغياب غالبية المتخصّصين. ويتحدث بشير عبد الواحد، عضو نقابة المهن الطبية المساعدة، عن "كارثة محدقة قد تظهر نتائجها للعلن قريباً في أقسام الولادة في غالبية مستشفيات البلاد". ويتحدّث عن نقصٍ في عدد الممرضات في أقسام الولادة والمتخصصين بشكل كبير. يضيف أن "اعتماد المستشفيات على العناصر الأجنبية يتجاوز الـ 80 في المائة، وتحديداً الهندية والفيليبينية، وقد أدت هجرتهم إلى نقص كبير. مثلاً، المركز الطبي في بنغازي يحتاج إلى 180 ممرضة، ولا يوجد إلا اثنان"، مضيفاً أن مستشفيات كبيرة في طرابلس وبنغازي وسبها كانت تخرّج متخصّصات في الولادة من خلال دورات مكثفة، إلا أنها أقفلت منذ عام 2009، وتمت الاستعانة بعناصر أجنبية كبديل عمّا تخرجه هذه الأقسام.
وعلى الرغم من توفّر مصحّات متخصّصة بالنساء والولادة، يؤكد سليم. ع، أن الناس بدأوا يتخوّفون من المصحات الخاصة نتيجة عدم الثقة في القطاع الصحي الخاص. ويقول لـ "العربي الجديد" إنه لجأ إلى توليد زوجته على يد قابلة محليّة تقطن في منطقته، مؤكداً أن "عدداً لا بأس به ممن يعرفهم لجأوا إلى القابلات المحليات هرباً من ارتفاع أسعار المراكز الصحية الخاصة، وعدم الثقة في طواقهما الطبية".
وما زال سليم، الذي يقطن ضاحية بوسليم في طرابلس، يصطحب زوجته إلى بيت أم العز الشريفية كونها حاملاً في طفلها الثاني، هي التي تقصدها عشرات النساء يومياً لمتابعة علاجهن. ويقول إن أم العز خبيرة في العلاجات الشعبية، مضيفاً لـ "العربي الجديد": "الحاجة أم العز قابلة معروفة في المنطقة، وتبدأ متابعتها للأم من أول أيام حملها، وحتى ما بعد الولادة. كما تتمتّع بخبرة في علاج أمراض الأطفال حديثي الولادة". ويلفت إلى أنه لجأ إلى أم العز بسبب تراجع عمل أقسام الولادة، مؤكداً أن المستشفى المركزي طلب منه جلب المياه لغسل الطفل، ناهيك عن مستلزمات أخرى، وهو منهمك في الاهتمام بزوجته، قبل أن يتحول إلى القابلة أم العز.
من جهته، يكشف عبد الواحد عن سعي نقابته لإقناع الجهات الرسمية بتبني القابلات المحليات للعمل ضمن أقسام الولادة الرسمية بعد تجاوزهن امتحاناً تأهيلياً، وتدريباً حول كيفية التعامل مع المعدات في الأقسام. ويؤكد أن القطاع الصحي مضطر بشكل كبير للجوء إلى مثل هذه الحلول، وقد نجح مستشفى نالوت (غرب البلاد)، في استيعاب 21 قابلة محلية ضمن كوادره بعدما وفر لهن دورة تدريبية العام الماضي، ما جعل المستشفى قادراً على تعويض نقص كبير، مضيفاً أن الحاجة كبيرة. "لن أتحدث عن مدن كبرى. يكفي أن مستشفى طبرق، أقصى شرق البلاد، استقبل خلال النصف الثاني من العام الماضي 3048 حالة ولادة، غالبيتهنّ على يد قابلات محليات متطوعات لجأت إدارة المستشفى للاستعانة بهن".
وكانت منظمة الصحة العالمية قد دقت ناقوس الخطر بشأن وضع أقسام الولادة في البلاد. وخلال تقاريرها المتتابعة، وثقت وفاة 73 طفلاً أثناء الولادة خلال ثلاثة أشهر في مدينة سبها وضواحيها جنوب البلاد. وأعربت عن قلقها البالغ نتيجة تدهور النظام الصحي في البلاد. كما أشارت إلى أن مناطق الجنوب تعد الأكثر معاناة "بسبب صعوبة الوصول إلى الخدمات الصحية نتيجة الصراع الذي طال أمده وانعدام الأمن"، مؤكدة أنها وفرت بعض المساعدات لمستشفى سبها الطبي، الذي يعد المستشفى الجامعي الوحيد في كل الجنوب الليبي.