وعند الساعة السابعة صباحًا يستقل أبو جامع "التوكتوك" المزودة بصندوق خلفها، ويتجه للمنطقة الوسطى من قطاع غزة، لجمع "الخردة"، وهي عبارة عن نفايات صلبة وبلاستيكية تتم إعادة تدويرها.
وتعتبر مهنة جمع "الخردة" التي يعمل فيها أبو جامع والكثير من سكان البلدات الشرقية لخان يونس، من المهنّ الشاقة جدًا والتي تحتاج لجهدٍ كبير، كونها تدفع بالعاملين فيها لحمل الأجسام الثقيلة، والذهاب لمناطق نائية ومكبات النفايات والحاويات للبحث عن المخلفات وجمعها.
ولم يستطع الجريح أبو جامع أن يُخفي صعوبة العمل بعد الإصابة التي تعرض لها، والتي حدّت من سهولة حركته وتنقله بين المحافظات لجمع المخلفات، لكنه لم يجد بديلاً يُعيل به أسرته المكونة من ثلاثة أفراد (طفلين وزوجته)، ليجد ضالته في هذه المهنة.
وعانى أبو جامع في الحصول على العلاج، وسافر عدة مرات خارج غزة، وتنقل بين المستشفيات في الداخل والخارج، حتى تمكن من الحصول على طرف صناعي، يسانده في حياته اليومية، وتنقله من مكانٍ لآخر في عمله.
ويقول أبو جامع لـ"العربي الجديد"، إنّه اضطر للاستعانة بعدد من العمال من أقربائه وجيرانه، لمعاونته في عمله الشاق، فيما يحاول التقليل من حمل الأشياء الثقيلة التي لا يقدر على حملها عبر الاستعانة بهم، خلال مرافقتهم له في عمله اليومي.
قصة العمل في هذه المهنة لم تكن وليدة الظروف التي يمر بها أبو جامع فحسب، بل عمل مع والده وأقربائه بها منذ أكثر من عقد ونصف من الزمن، عندما كان مكان عملهم في مدينة دير البلح وسط القطاع، وعانوا كثيرًا في التنقل عبر ما كان يعرف باسم "حاجز أبو هولي"، حتى الانسحاب الإسرائيلي عام 2005.
ويضيف: "هذه المهنة شاقة، لكن عملت بها منذ الصغر، رغم إصابتي عدت للعمل بها، لأنني لم أجد عملاً آخر، خاصة بعدما تزوجت عام 2015، وأصبحت لدي أسرة مكونة من ثلاثة أفراد، طفلين وزوجتي، وهذا يحتاج مني توفير مصاريف يومية".
ولا يريد أبو جامع أنّ يكون عالة على أحد، ويريد فقط أنّ يساعد نفسه وأسرته، لذلك فهو يعمل دون كلل أو ملل، ويذهب يومياً إلى الأماكن البعيدة من أجل جمع الخردة، وبات الناس يعرفونه ويساعدونه في الحصول على ما يريد.
وعند العودة من جمع الخردة، ينشغل أبو جامع ومعه العمال في فرز الخردة، كل صنف لوحده، وفرز ما سيتم تصديره للداخل أو للخارج، واستخدام معدات ثقيلة وأخرى كهربائية، لاستخراج النحاس وبيعه بالكيلوغرام، لإعادة استخدامه مُجددًا.
ويلفت أبو جامع إلى أنهم يعانون في تسويق ما يقومون بجمعه، إذ إن المخلفات البلاستيكية تسوق داخل القطاع، لأنها تستخدم في الصناعة مُجددًا، أما المخلفات الصلبة فتصدر للخارج، ويعانون منذ سنوات من توقف التصدير من قبل السلطات الإسرائيلية للخارج، والسماح لكميات محددة في بعض الأوقات بالتصدير.
وتعرض منزل أبو جامع الذي كان يستخدمه في جمع الخردة للتدمير بالكامل خلال عدوان 2014، وعاد ليستعين بصهره في العمل واستخدام ساحة بجوار منزله ليجمع بها بضاعته، فلم يعد قادراً على بناء محله مُجددًا.