في وادي الغروس، يسكن نحو 600 فلسطيني في 40 منزلاً، في حين يمنعهم الاحتلال الإسرائيلي من بناء منازل جديدة أو تجديد مساكنهم منذ 30 عاماً، علماً أنّ كلّ بناء يتجرّأ أحدهم على تشييده يُهدم فوراً من قبل قوات الاحتلال.
صعبة هي حياة الفلسطينيين من أهالي وادي الغروس الواقع إلى شرق مدينة الخليل، جنوبي الضفة الغربية المحتلة. فالمنطقة التي كانت تُعَدّ مصيفاً لأهالي الخليل، مع اشتهارها بأرضها الخصبة وزيتونها وعنبها، هي هدف دائم للاحتلال الإسرائيلي وعمليات استيطانه، غير أنّ أهلها يصرّون على الصمود وتحدّي كلّ المغريات الرامية إلى ترحيلهم. ومن المرجّح أن ترتبط تسمية المنطقة بـ"الغروس"، جمع غرسة باللهجة المحلية.
في عام 1964، شهدت منطقة وادي الغروس عملية البناء الأولى عندما قرّر الفلسطيني عطا زلوم بناء منزل من حجر صغير له ولعائلته، ثمّ زرع الأرض حوله بأشجار زيتون وعنب وغيرها، إذ إنّها خصبة والمياه وفيرة في ذلك الحين. يُذكر أنّ عائلات من الخليل وهي زلوم والجعبري وجابر وعسيلة وعرفة وغيث وبكري ومسودة ودعنا، كانت تقصد وادي الغروس للاصطياف، فتقيم بيوتاً من الحجر قبل العودة إلى منازلها الأصلية في مناطق أخرى في مدينة الخليل. لكنّ ثمّة عائلات قرّرت الاستقرار في المنطقة، وهكذا فعل الأبناء والأحفاد في ما بعد.
محمد عطا زلوم بقي مستقراً في المنطقة بعدما بنى منزلاً له على مقربة من منزل والده، وهو يعيش فيه اليوم مع زوجتَيه وأولاده الخمسة وأحفاده، فيما يعمل في تجارة المواشي والعنب. تجدر الإشارة إلى أنّ الاحتلال صادر أرض والد محمد قبل سنوات طويلة. ويحكي محمد لـ"العربي الجديد" عن "حكاية البؤس والصمود التي يعيشها سكان وادي الغروس"، مضيفاً أنّ "كثيرين من سكان وادي الغروس يزرعون أراضيهم، غير أنّ عدم توفّر المياه للري يُعدّ مشكلة كبيرة". ويلفت إلى أنّه "قبل إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية في عام 1994، كان ثمّة خطّ مياه يروي المنطقة كلها، لكنّ بلدية الخليل أزالته واستبدلته بآخر ضعيف. بالتالي لم تعد المياه تصل إلينا إلا مرّتين في الشهر، فنضطر إلى شراء مياه الصهاريج".
وفي أواخر ستينيات القرن الماضي، أُنشئت مستوطنة "كريات أربع" على أراضي الخليل، منها أراضي وادي الغروس التي تحدّها المستوطنة من جهة الجنوب، قبل أن تتبعها مستوطنة "كريات حارصينا" من جهة الشمال ومستوطنة "أشموريت يتسهاك" في قلب المنطقة غرباً. أمّا من جهة الشرق، فيخنق معسكر لجيش الاحتلال وادي الغروس. وقد حاوطت قوات الاحتلال منطقة وادي الغروس البالغة مساحتها نحو 50 كيلومتراً مربعاً، بسياج إلكتروني لحماية المستوطنات، الأمر الذي استوجب مصادرة مساحات من وادي الغروس ومناطق أخرى، فحُرم بالتالي السكان من دخول جزء من أراضيهم إلا بتنسيق مسبق مع الاحتلال وفي أوقات محدّدة من العام كموسم قطاف الزيتون. وفيما صُنّفت المنطقة "ج"، أغلق جيش الاحتلال في عام 2011 ومن دون أيّ تبريرات الطريق الرئيسي المعبّد الذي يصل إلى وادي الغروس والذي أنشئ في عام 1964، فاضطر السكان إلى شقّ طريق ترابي وعر.
وعلى خلفيّة إجراءات الاحتلال، حُرم 24 دونماً زراعياً من الريّ في وادي الغروس منذ منتصف يوليو/تموز الماضي، فتعرّضت بالتالي مزروعاتها من بندورة (طماطم) وخيار وغيرهما إلى التلف. ومصدر الريّ الرئيسي هو بركة تجمع فيها مياه الأمطار، سعتها تقارب حمولة 650 صهريج مياه، هدمها الاحتلال بعد أربعة أشهر من العمل بحجّة البناء في منطقة "ج" وسرقة مياه الأمطار. وتلك البركة تعود إلى المزارع نمر الجعبري، فيما يستفيد منها 35 مزارعاً في وادي الغروس، وقد تكبّد جميعهم خسائر تصل إلى 100 ألف دولار، بالإضافة إلى خسارة بركة الريّ التي كلّفت 200 ألف دولار. ويناشد الجعبري من خلال "العربي الجديد"، "المسؤولين الفلسطينيين لمساعدتنا على تأمين المياه لريّ مزروعاتنا... لا يُعقل أن نبقى وحدنا في هذه المحنة".
في سياق متصل، تُسجّل محاولات كثيرة للاستيلاء على المنطقة من خلال شراء أملاك سكانها. وقبل 12 عاماً، على سبيل المثال، قرعت متعاونة مع الاحتلال ومحام إسرائيلي باب منزل محمد عطا زلوم، وعرضا عليه بيع أرضه ومنزله لقاء مليون دولار أميركي، لكنّه ردّهما خائبَين. وقبل ذلك بأعوام عدّة، عرض مستوطنون عليه شراء أراضيه الزراعية ومنزله، فرفض قائلاً: "بكل المليارات لا أبيع أرضي وأرض أجدادي".
من جهة أخرى، تُعاني عائلات منطقة وادي الغروس عند تزويج أبنائها وبناتها، فالعائلات التي تسكن في خارجها تخشى المجيء إلى منطقة حساسة كهذه، أو تعريض أبنائها وأحفادها لاحقاً - في حال تمّ الزواج - إلى خطر القتل أو الاعتقال. ويخبر محمد عطا زلوم: "واجهت صعوبات جمة عند الخِطبة لأبنائي، فعائلات الشابات مثلاً كنّ يشترطنَ الانتقال من وادي الغروس لإتمام الزواج"، غير أنّ الجميع تزوّج في النهاية. تجدر الإشارة إلى أنّ سلطات الاحتلال تحظر على السكان التعبير عن فرحهم في مناسبتهم الاجتماعية، بما في ذلك إطلاق المفرقعات النارية. لكنّها في المقابل تنغص عليهم عيشهم، إذ إنّ المستوطنات تصبّ مياه صرفها الصحي في أراضي سكان وادي الغروس، الأمر الذي يهدّدهم صحياً ويساهم في تلف مزروعاتهم. ولا ينسى سكان وادي الغروس شهيدتهم بيان أيمن العسيلة التي قتلها عناصر حاجز عسكريٍ في المنطقة، وهي في طريق عودتها من المدرسة في 17 أكتوبر/تشرين الأول من عام 2015.