بعد اتفاق "خفض التصعيد" عادت الحياة إلى طبيعتها بعض الشيء في كل من القنيطرة ودرعا والسويداء في سورية. ويسعى الأهالي إلى استعادة حياتهم السابقة من خلال العمل في الأرض وتبادل الزيارات، علماً أن الخوف ما زال مستمراً.
يبدو أنّ أهالي درعا بدأوا يستعيدون أنفاسهم بعض الشيء منذ سريان اتفاق "خفض التصعيد" في المنطقة الجنوبية الغربية من سورية، والتي تتضمّن القنيطرة ودرعا والسويداء، ونصّ أحد بنوده على وقف إطلاق النار، وإن كانت القوّات النظامية والمليشيات تستهدف بعض مناطقها، حيث يعمل الناس على ترميم منازلهم والعمل في أراضيهم، علّهم يستعيدون حياتهم اليومية بشكل طبيعي، على الرغم من خوفهم من سقوط قذيفة هنا أو هناك.
ويقول أبو عمر، وهو أحد سكان درعا، لـ "العربي الجديد": "الحياة من دون قصف أفضل بكل تأكيد. نستعيد حياتنا الاجتماعية ونتبادل الزيارات. وبدأ الأهالي يحيون الأعراس، وإن كانوا ما زالوا يشعرون بالخوف". يضيف أنه مع زيادة نسبة الأمان، تحسّنت الحياة بشكل عام، لكن تبقى بعض المنغصات، منها قلة فرص العمل، وضعف الأجور، والنقص الشديد في المحروقات، خصوصاً المازوت وغاز الطهي، إضافة إلى الرعاية الطبية، عدا عن انتشار العبوات الناسفة ومخلفات القنابل غير المنفجرة.
من جهته، يوضح الناشط الإعلامي محمود حوراني، لـ "العربي الجديد": "يمكن القول إن الحياة عادت إلى طبيعتها نوعاً ما. لا نسمع قصفاً، في وقت يسعى النظام إلى عقد مصالحات ويفشل". ويذكر أن بعض القرى ما زالت تتعرض إلى قصف مدفعي"، لافتاً إلى أنّه "عقب خفض التصعيد تزايدت انفجارات العبوات الناسفة. أما في مدينة درعا، فهناك هدوء نسبي إذا ما استثنينا القصف شبه اليومي على أحياء المدينة المحررة بالمدفعية والهاون والأسطوانات المتفجرة والمضادات، واستغلال النظام الاتفاق لحفر الأنفاق واستقدام التعزيزات. مع ذلك، عادت عائلات كثيرة، على الرغم من الخوف والترقّب".
يضيف حوراني أنّ "الحركة في الريف بشكل عام لم تتغيّر كثيراً عما كانت عليه قبل الاتفاق، باستثناء أحياء مدينة درعا، والتي بدأ أهلها العودة إليها. منهم من رمّم منزله بالحد الأدنى وسكن فيه، في حين لم يتمكن من دمّر منزله من العودة، كحال أهالي حي المنشية. وفتح آخرون محالاً تجارية، وبدأوا بيع ما توفر من مواد". ويرى أنّ "حركة الناس تحسّنت بعد الاتفاق"، لافتاً إلى أن "غالبية أهالي الريف الغربي يستخدمون طريق درعا المدينة للوصول إلى الريف الشرقي، على الرغم من أن غالبية طرقات المدينة مستهدفة"، ويبيّن أنّ "أعداداً كبيرة من اللاجئين عادت من الأردن".
بدوره، يقول ابن درعا، حسام أبو عرة، لـ "العربي الجديد"، إن "المدنيين سعداء جداً بالهدنة، فالحياة عادت بكل ما تعنيه الكلمة. يعمل الناس في الأرض، ويعيدون إعمار ما تهدّم، ويقيمون الأعراس". أما المواطن أبو محمد الحوراني، فيوضح أن "الحياة اليومية نشطة، وهناك من يصلح البيوت، خصوصاً في أحياء طريق السد ودرعا البلد". ويلفت إلى تحسن وضع التعليم أيضاً.
أمّا في مناطق سيطرة "جيش خالد بن الوليد" المبايع لتنظيم "داعش"، فيبدو أن الأهالي ما زالوا يعانون من مشاكل كبيرة. ويقول أبو عمار الجنوبي لـ "العربي الجديد" إن "15 قرية في ريف درعا الغربي تعاني بشكل كبير، بسبب غياب المساعدات والبطالة وقلة المواد الغذائية وارتفاع أسعارها وتوقف العملية التعليمية"، الأمر الذي ينعكس على الحياة اليومية، لافتاً إلى إلغاء بعض الأعراس.
إلى ذلك، تقول مصادر معارضة في درعا، طلبت عدم الكشف عن هويتها، إنّ "الحياة الاجتماعية بالنسبة للمدنيّين في مناطق المعارضة في درعا وريفها تحسّنت عما كانت عليه قبل اتفاق خفض التصعيد، والذي أوقف القصف الجوي"، لافتة إلى مساعٍ لوقف إطلاق النار بشكل تام، وموضحة أن السوريين اختاروا الحياة، وهذا ما نشهده في درعا اليوم، على الرغم من الحصار الجزئي الذي يعاني منه الأهالي، إذ تصل إليهم الاحتياجات الأساسية من مواد غذائية وغيرها من متطلبات الحياة بالحد الأدنى، وبأسعار مضاعفة في ظل الإتاوات التي يفرضها النظام. في المقابل، تغيب مساعدات المنظّمات الإنسانية بسبب إمكاناتها المحدودة. كذلك، ليس هناك من يدعم الزراعة والعمل، وتؤكّد المصادر كذلك على أنّ "وضع الأهالي الاقتصادي صعب، ما يؤثر سلباً على الوضع الاجتماعي والنفسي للعائلات، في حين ما زالت العملية التعليمية ضعيفة وغير مستقرة، كما أن غالبية شباب المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة عاجزون عن إكمال تعليمهم الجامعي، وهذا يهدد مستقبل أجيال من السوريين".
تتابع المصادر أنّ أهالي درعا يعانون بسبب مخلّفات الدمار الذي تعرضت له مدنهم وقراهم، وقد دمّرت نسبة كبيرة من البنى التحتية، وحرم الناس من الكهرباء والمياه الصالحة للشرب، ما يجعل الحياة أكثر صعوبة.