أغضب قرار محافظ العاصمة المصرية القاهرة، جلال مصطفى السعيد، طرد سكان تل العقارب في حي السيدة زينب، جنوب القاهرة، من مساكنهم التي يقيمون فيها، ونقلهم إلى أخرى في مدينة بدر على طريق مصر السويس، ولم يكن من هؤلاء إلا ترديد الهتافات المستنكرة، قائلين: "مش هنمشي هو يمشي".
ورفضت نحو أربعة آلاف أسرة الانتقال إلى المساكن التي خصصتها لهم المحافظة مؤقتاً، بحجة أن مدينة بدر بعيدة عن مراكز أعمالهم. وأكدوا أن المحافظة تخطط لبناء عمارات شاهقة في تلك المنطقة القريبة من وسط البلد، بهدف بيعها إلى أصحاب الأموال.
وتنوي جرافات الحكومة هدم منطقة تل العقارب خلال الأيام المقبلة بالتعاون مع وزارة الداخلية. وهددت المحافظة باعتقال كل من يرفض الخروج في اليوم المحدد، فيما فضل الأهالي الموت في البيوت التي يعيشون فيها، علماً أن الحكومة صنفت المنطقة بأنها "شديدة الخطورة"، وتساهم في نشر العنف في أحياء القاهرة، الأمر الذي نفاه الأهالي. وأكدوا أنهم فقراء ولا يعرفون الشغب أو العنف، لافتين إلى أن الحكومة اختارت هذه الحجة لهدم منازلهم.
جالت "العربي الجديد" في منطقة تل العقارب. هناك تعيش آلاف الأسر في أكشاك خشبية وأخرى مصنوعة من الصفيح، إذ ترفض الحكومة منح البعض تصاريح للبناء. كذلك، قطعت المحافظة أخيراً الخدمات عن المنطقة، وخصوصاً المياه والكهرباء. ويضطر الأهالي إلى قضاء حوائجهم في مناطق بعيدة عن محل إقاماتهم، حتى إنهم يستخدمون صنابير المياه العمومية لغسل ملابسهم وقضاء احتياجاتهم اليومية.
في هذا السياق، تقول فتحية جنيدي، وهي ربة منزل: "نحن ثمانية أفراد نعيش في منزل واحد، وتنوي الحكومة نقلنا إلى مدينة بدر، لنقيم في حجرتين صغيرتين. هذا ظلم. كما أن أعمال معظم أفراد الأسرة هي في تلك المنطقة التي يعيشون فيها منذ وقت طويل". من جهة أخرى، فإن مدينة بدر تعد بعيدة عن تل العقارب، وهي جديدة نسبياً ولا رزق فيها. وتسأل: "كيف لنا أن نعيش بعد الآن؟ الحكومة تريد السرقة والنهب".
من جهته، يقول محمد صابر، وهو أحد أبناء المنطقة، إنه يملك عقاراً، "فيما تطالبني الحكومة بتركه والانتقال للعيش في بيت صغير لا تتجاوز مساحته 45 متراً مربعاً، علماً أن أسرتي مكونة من عشرة أفراد". ويسأل: "كيف نعيش في شقة مؤلفة من غرفتين"؟ مؤكداً أن "الحكومة تكذب بالقول لنا إننا سنعود إلى منطقتنا بعد شهرين". ويشير إلى أن الدولة تستعد لإعادة بناء تلك المنطقة، مع التركيز على العمارات الشاهقة، بهدف بيعها للمقتدرين من المواطنين. يرفض صابر ترك منزله والانتقال إلى بدر، مطالباً المحافظة بتعويض مالي.
بدوره، يطالب أحد القاطنين في تل العقارب، محمد عبد الحميد، المحافظة بالعمل على إصلاح أوضاع الأهالي في تلك المنطقة، وشراء أراضي العقارات التي يقطنون فيها والعمل على ترميمها.
اقرأ أيضاً: سيناء خارج التغطية
في المقابل، تلفت سعاد حمدي إلى أن "سكان المنطقة مستعدون للذهاب إلى وحدات سكنية في مدينة بدر"، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن الثقة مفقودة بين المحافظة والأهالي. وتوضح أن "الأهالي يخشون أن تتخلى عنهم المحافظة وتتركهم في مدينة بدر إلى الأبد".
في هذا السياق، يقول محمد فوزي إن محافظ القاهرة كان قد وعدهم بنقلهم إلى مساكن في حي المقطم القريب من تل العقارب، لكنهم فوجئوا بقرار نقلهم إلى مدينة بدر، مشيراً إلى أن "المدينة خالية من الخدمات الأساسية مثل المستشفيات، أو الأفران، أو المدارس، ويصعب العيش فيها. لا نريد أن ننعزل عن الحياة والعمل". يضيف: "سنهدد بالتصعيد في حال عدم الاستماع إلى مطالبنا".
ويشير محمد محمود، وهو في العقد الثالث من عمر، ويعاني من الشلل، إلى عدم وجود فرص عمل أو وسائل نقل في مدينة بدر، كما أنه لا يستطيع الإقامة في الأدوار العليا، وقد فوجئ بنقله مع صديق له بترت قدماه إلى شقة في الدور الخامس في بدر. أما أشرف عبد العزيز، وهو موظف، فيطالب بضرورة توفير وحدات سكنية قريبة من تل العقارب، على أن يكون هناك ضمانات من الدولة للعودة إلى بيوتهم مرة أخرى بعد تأهيلها. ويؤكد أن في المنطقة نقلاً عاماً ومنافذ تموين ووحدة صحية.
إلى ذلك، ينفي المتحدث باسم محافظة القاهرة خالد مصطفى أن يكون هناك نية لسيطرة الدولة على تلك المنطقة، وبناء عقارات فخمة فيها كونها تعد إحدى مناطق وسط البلد. ويقول إن الهدف هو تطوير المنطقة فقط، مضيفاً أن تقرير لجنة الفحص للمنطقة أكد أن عدداً من المباني مهدد بالانهيار، وقد أخليت بعض البيوت ونقل سكانها إلى بيوت في بدر للانتهاء من الأعمال.
من جهة أخرى، يلفت مصطفى إلى أن "المنطقة تصدّر العنف من خلال قيام عدد من الأهالي بتصنيع السلاح الأبيض. كذلك، تنتشر فيها تجارة المخدرات". ويؤكد أن الهدف من هذا الهدم هو إقامة منطقة حضارية وإعادة بناء المساكن بشكل حضاري خلال عامين.
اقرأ أيضاً: مليونا طفل مصريّ مجهولو النسب