يتكرر تلكؤ السلطات اللبنانية في إرساء حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. وبينما تشكل الانتخابات البرلمانية فرصة لهم للمشاركة توضع عوائق أمامهم
الأرقام الرسمية حول جميع الأشخاص ذوي الإعاقة في لبنان غير متوفرة، لكنّ وزارة الشؤون الاجتماعية تشير في أرقامها الأخيرة، عام 2016، إلى أنّ الأشخاص ذوي الإعاقة المسجلين فيها للاستفادة من خدماتها، هم 98 ألف شخص. أما في ما يتعلق بالانتخابات النيابية التي تقترب سريعاً، فليس معلوماً عدد الناخبين من الأشخاص ذوي الإعاقة. وحتى بالاستناد إلى أرقام المسجلين في الوزارة فهناك نسبة تقريبية غير مكتملة، إذ إنّ نسبة من هم فوق 18 عاماً منهم تبلغ 86 في المائة، مع العلم أنّ سنّ الاقتراع في لبنان هو 21 عاماً فما فوق.
اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والدستور اللبناني والقانون رقم 220/ 2000 المتعلق بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في لبنان جميعها تكفل حق الأشخاص ذوي الإعاقة في المشاركة السياسية، والبيئة المؤهلة بمعنى أنّ من حق كلّ شخص ذي إعاقة الوصول إلى أيّ مكان يستطيع الوصول إليه الشخص غير المعوّق. ومعنى ذلك انتخابياً تمكّنه من الوصول إلى صندوق الاقتراع من دون إهانة كرامته.
لكن كلّ ذلك لا يتعدى كون تلك البنود مجرد كلام في كلام من دون تنفيذ. وهو ما يكرس استمرار لبنان في عدم احترام مبدأ التنوع ومعيار دمج الأشخاص ذوي الإعاقة في المجتمع تبعاً لمظلة الحقوق التي ترعاها الأمم المتحدة.
في هذا الإطار، بدأت حملة "حقي" منذ عام 2005 عملها في الدفاع عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة السياسية في الاقتراع والترشح للانتخابات. ومنذ قبل ذلك التاريخ بدأت حركة الإعاقة، لا سيما الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركياً (LUPD، سابقاً اتحاد المقعدين اللبنانيين) في الدفاع عن هذه الحقوق منذ الانتخابات الأولى بعد الحرب الأهلية، أي عام 1992، مروراً بكلّ انتخابات نيابية وبلدية واختيارية شاملة أو فرعية.
يتحدث منسق الحملة، أمين سر الاتحاد، جهاد إسماعيل، إلى "العربي الجديد"، عن خمس خطوات رئيسية في عملها الحالي، وهي: السعي إلى مراكز اقتراع نموذجية في المحافظات يمكن أن تعمم في الدورة المقبلة، والتعرف على برامج المرشحين، ومراقبة الإعلام بهدف إضافة رسائل تذكّر بالحقوق التي لم تنفذ بعد، ومراقبة يوم الانتخاب نفسه ورصد ما يجري فيه من انتهاكات، وأخيراً تنظيم أنشطة حقوقية هادفة والتوجه بها إلى السلطة المعنية بإدارة الانتخابات والمرشحين والمقترعين، بمن فيهم الأشخاص ذوو الإعاقة.
تتواصل الحملة مع الجهات المعنية بإدارة العملية الانتخابية، خصوصاً وزارة الداخلية، في شأن تسهيل حق الاقتراع للناخبين من الأشخاص ذوي الإعاقة، لكن من دون نتيجة. وتمضي انتخابات بعد انتخابات ولا يتلقى هؤلاء الأشخاص أكثر من وعود، في ظلّ غياب أيّ خطوات إجرائية، باستثناء تعميم تصدره وزارة الداخلية والبلديات إلى القوى الأمنية والبلديات قبل فترة قصيرة من يوم الانتخاب، تطلب فيه منها اتخاذ خطوات لتسهيل اقتراع الأشخاص ذوي الإعاقة.
على الرغم من أهمية هذا التعميم، فإنّ ترجمته على أرض الواقع يوم الاقتراع تشوبها مشاكل كثيرة، إذ إنّ المراكز غير مجهزة هندسياً، كما أنّ من يتولون العملية الانتخابية في المراكز غير مؤهلين للتعامل مع الناخبين من الأشخاص ذوي الإعاقة تبعاً لحقوقهم. يعلق إسماعيل: "تتكرر مشاهد المراكز غير القادرة على استقبال جميع المواطنين، وتعتمد آليات انتخابية وفنية تتعاطى بصعوبة مع عدد كبير من الناخبين من الأشخاص ذوي الإعاقة وكبار السنّ والنساء الحوامل".
يشير إلى أنّ العاملين في المراكز الانتخابية قد تكون لديهم النوايا الطيبة لكنّهم غير مؤهلين، فيتعاملون بجهل تام مع التعميم الذي يطلب تسهيل الاقتراع، ويعمد بعضهم إلى حمل الأشخاص ذوي الإعاقة، أو إزالة بعض العوارض الحديدية من أمامهم، ما يعني إهانة لكرامة هؤلاء المواطنين، وهو ما ترفضه الحملة تماماً، وتؤكد على المعنيين "بذل أقصى الجهود لتسهيل هذه المشاركة بما تبقى من وقت ومن دون إهانة كرامة الأشخاص ذوي الإعاقة، كما حصل في الدورات السابقة". ويشير إسماعيل إلى أنّه بالرغم من الاحترام، فإنّ "أيّ تطوير جوهري على العملية الفنية والإدارية والتنظيمية لعملية الانتخاب لم يطرأ، إذ ما زالت أقلام الاقتراع وآلياته غير مكيفة لاستقبال الأشخاص ذوي الإعاقة، وما زال القيمون على إدارة العملية في حاجة إلى تحديث وتطوير في قدراتهم ومعارفهم في استقبال الشخص ذي الإعاقة والتعاطي معه، ولا بدّ من لحظ هذه التكييفات رسمياً وسياسياً لتعتمد على المستوى الوطني بشكل دائم".
في هذه الدورة، راسلت الحملة وزارة الداخلية مراراً بخصوص تجهيز البيئة والتأهيل الفني. كذلك، تنتظر الحملة رداً حول مقترح لها يشجع الأشخاص المكفوفين على الاقتراع ويساعدهم في العملية خلال يوم الانتخابات، المقرر الأحد في السادس من مايو/أيار المقبل. والمقترح يشمل توفير جزء من قوائم المرشحين الانتخابية مجهز للأشخاص المكفوفين عبر الكتابة عليها بأحرف نافرة.
تؤكد حملة "حقي" بصفتها مدافعة عن الحقوق السياسية للأشخاص ذوي الإعاقة على أنّها ستكون في الفترة المقبلة أكثر حدّة في المطالبة بحقوقهم، كي لا يكونوا مجدداً خارج الدورة الانتخابية، وتعترض هذا الإقصاء عن المشاركة بحرية واستقلالية كنتيجة لعدم جهوزية المراكز لاستقبالهم.
يشدد إسماعيل على أنّ حملة "حقي" تسعى إلى تسهيل وصول الأشخاص ذوي الإعاقة للإدلاء بأصواتهم، لكنّها لا تتدخل أبداً في قراراتهم الانتخابية، كما أنّ متطوعي الحملة لا يعملون في أيّ ماكينة انتخابية، وهو شرط أساسي لعملهم في الحملة. وبالانتقال من الناخبين إلى المرشحين، لا تدعم الحملة أيّ مرشح، حتى إن كان من الأشخاص ذوي الإعاقة. يمكن أن تقدم للمرشح ذي الإعاقة الدعم الفني بخصوص المراكز الانتخابية وما شابه، لكنّها لا تحشد له أو ترفع صوره أو تعمل لأجله سياسياً.
الحملة، كما يقول إسماعيل، تعتبر أنّ أيّ نائب هو ممثل للشعب اللبناني ككلّ بمختلف فئاته، وتؤكد أنّ من حق أيّ مواطن المشاركة في الحياة السياسية انتخاباً وترشحاً، وبالتالي فإنّ البرنامج الذي يحمله المرشح، أكان من الأشخاص ذوي الإعاقة أم من غيرهم، هو الذي يحدد أهميته بالنسبة للحملة، وليست إعاقته هي التي تحدد ذلك.