هي مخاطرة من دون شكّ، إلّا أنّ بعض المواطنين في غزّة يختارون العمل في مهن خطيرة للعيش، في ظل ظروف القطاع الصعبة، والتي يزيد الحصار من صعوبتها. قلّة منهم، خصوصاً المغامرين منهم، يحبون عملهم
يعرف الغزيّون بإصرارهم على الاستمرار في الحياة، وتحمّل مصاعبها، في ظلّ الأوضاع الاقتصادية الكارثيّة التي يعيشها القطاع المحاصر منذ عشرة أعوام، ما دفع بعضهم إلى اختيار مهن خطرة بهدف توفير قوت يومهم، والبحث عن حياة كريمة.
الشاب جمال. ع. (22 عاماً)، يعمل في إحدى شركات التنظيف في مدينة غزة. مهمّته تنظيف زجاج الأبراج والعمارات مستعيناً بالحبال. يقول لـ "العربي الجديد": "صحيح أن العمل خطير، لكنّني أحبه ولا أخاف المرتفعات. في البداية، كان لدي رغبة شديدة في التجربة، بعدها أحببت العمل". أثناء تنظيفه الزجاج، يُربط من سترة خاصة يرتديها أثناء العمل. ويتحدث عن شروط عمله، موضحاً أنّه يجب تفحّص الحبال والسترة قبل بدء العمل. كذلك، يوجد قطعة حديديّة تلتصق بزجاج الشبّاك، وتحمي العامل في حال حدوث أي مشكلة. أما أدوات التنظيف، فلا تربكه أثناء العمل.
ورغم أنّ كثيرين يخشون العمل في هذه المهنة بسبب خطورتها، يعتبرها جمال "مغامرة جميلة"، كما أنها موسمية. وتجدر الإشارة إلى أن الشاب محمد رفيق عودة (23 عاماً) توفي قبل أربع سنوات خلال عمله في تركيب نوافذ زجاج أحد الأبراج في مدينة غزة، وقد سقط من الطابق الثامن وتوفي على الفور.
أمّا محمود أبو معمر (34 عاماً)، فيعمل في مجال البناء. بالنسبة إليه، فإنّ مهنته أقلّ خطورة بسبب وجود أعمدة حديدية تتوسّطها أخشاب تربط بشكل متقن لتحمل العمال. وعادة ما تكون مساحة الأخشاب كافية حتى يتمكن العامل من السير عليها خلال عملية البناء أو الدهان وغيرها. صباح كلّ يوم، يتوجه محمود إلى عمله الذي بات يتقنه، هو الذي بدأ العمل في هذا المجال منذ كان عمره 11 عاماً، حين كان يساعد عمّه في بناء منزل في مدينة، رفح جنوب قطاع غزة. يقول لـ "العربي الجديد": "في البداية، كنت أشعر بأنّني سأفقد توازني وأنا أقف على الأخشاب. كنت أستغرق وقتاً أطول في العمل، وكثيراً ما أنظر إلى الأسفل وأشعر بخوف ورهبة. مع الوقت، اعتدت العمل. ولأنّ الحياة تزداد صعوبة يوماً بعد يوم في قطاع غزة، يزداد إصرار محمود على العمل من أجل توفير الطعام لأسرته، علماً أنّه تعرّض لإصابات عدة أثناء عمله.
اقــرأ أيضاً
إلّا أنّ المهنة الأخطر على الإطلاق، هي العمل داخل الأنفاق. يتولى بعض الغزيين حفر الأنفاق، التي تنقسم إلى أنفاق لتهريب البضائع تربط جنوب قطاع غزة بالحدود المصرية وأخرى للمقاومة. بهجت وأحمد شقيقان من عائلة معروفة في مدينة رفح. يعملان في حفر الأنفاق منذ أكثر من أربع سنوات رغم أنهما لم يتجاوزا 22 عاماً. قبيل الفجر، يتوجهان إلى المنطقة الحدودية لحفر الأنفاق. يقول بهجت لـ "العربي الجديد": "الوضع صعب جداً. لا نعرف دائماً في ما إذا كانت التربة صالحة لحفر الأنفاق، وإذا ما قد تنهار أثناء عملنا. هذا ما لا نستطيع معرفته قبل بدء العمل. يشير إلى أنّ المخاطر لا تكمن فقط في الانهيارات، بل أيضاً في استنشاق الغازات السامة، إضافة إلى المياه التي تضخها السلطات المصرية.
مع ذلك، عملهما ساعدهما على الزواج وبناء شقتين في منزل عائلتهما خلال وقت قصير، بعدما سئما من البحث عن فرص عمل جيدة تدر مالاً وفيراً، على غرار العمل في الأنفاق.
وبحسب إحصائية لمركز الميزان لحقوق الإنسان، فإن عدد ضحايا الأنفاق خلال النصف الأول من عام 2016 بلغ 17 شهيداً و28 مصاباً.
من جهته، يقول مدير شركة وليم صبيح وشركاه للتنظيف والدهان، وليم صبيح، إن العمال الذين يختارون يجب أن يكونوا من أصحاب الخبرة. لكن في ما يتعلّق بمهنة تنظيف زجاج الأبراج، فيجب أن تتوفر لدى العامل شروط معينة، منها أن يتراوح وزنه ما بين 40 و50 كيلوغراماً، وأن يكون لديه الجرأة الكاملة وعدم الخوف من المرتفعات، ليكون قادراً على العمل بشكل سليم. يضيف لـ "العربي الجديد" أن تنظيف زجاج الأبراج والعمارات ينقسم إلى قسمين، بحسب عدد الطوابق، لافتاً إلى أهمية أن يكون الطقس صافياً.
اقــرأ أيضاً
وفي ما يتعلق بتأمين العمال، يشير صبيح إلى أن معظم شركات التأمين ترفض تأمينهم، لافتاً إلى أنهم ليسوا مستعدين لتحمل عمل نسبة الخطورة فيه تصل إلى 100%. هو أيضاً يرى أن هذا العمل خطير جداً رغم أن الراتب مرتفع، لكن الإنسان يفقد حياته مرة واحدة.
إلى ذلك، يؤكّد مدير عام التفتيش وحماية العمل في وزارة العمل، كمال محفوظ، وجود متابعة وتفتيش دوري لشركات التنظيف والمنشآت التي يجري العمل فيها، من دون أن تنحصر الرقابة بالأعمال الخطرة. ويقول كمال محفوظ لـ "العربي الجديد": "المهن الخطرة، على غرار تنظيف زجاج الأبراج وأعمال السباكة، والبناء، لا بدّ أن تكون مجهّزة باحتياطات أمان، لمنع السقوط في حال الخطر". ويوضح أن الأخطاء قد تحدث رغم النصائح والإرشادات.
ويشرح، إنّ وزارة العمل، وتحديداً قسم التفتيش، في حال لاحظ وجود خلل في تطبيق شروط السلامة المهنية للعمال، يوجّه تنبيهاً، يتضمن أن الأدوات ليست كافية وأن هناك خللاً بسيطاً في إحدى الأدوات، ويوجّه انذاراً إلى صاحب العمل مع تحديد مهلة محددة ليومين أو ثلاثة، حتى يستوفي الشروط ويزول الخطر. وفي حال التأكّد من أن صاحب العمل مستهتر في السلامة المهنية، يحرر بحقه محضر ضبط وإحضار بسبب المخالفات الكبيرة بحقه، ويحاسب بواسطة القانون. والخطوة الرابعة والأخيرة، هي أنّه في حال كانت درجة الخطورة عالية، ولم يستطع صاحب العمل توفير شروط السلامة والوقاية للعمال، فتغلق المنشأة ويتوقف العمل إلى حين توفير شروط السلامة بشكل كامل.
بعض المهن الخطيرة، كالعمل في حفر الأنفاق، تصل نسبة الخطورة فيها إلى مائة في المائة. ورغم توفر كل وسائل السلامة، إلا أنّ وفاة العامل خلال العمل أصبح أمراً متوقعاً بشكل كبير. وحول هذه المهنة، يشير محفوظ إلى أنه رغم توفّر شروط السلامة المهنية والأدوات اللازمة، تقع الإصابات. وفي حال حدوث إصابات، تعمد وزارة العمل إلى فتح تحقيق حول الإصابة وسببها، مع كشف طبي كامل يترتب عليه إعطاء العامل حقه بعد إصابته. أيضاً، يحصل ما يسمى بالإصحاح المهني حتى لا يصاب أي عامل آخر بنفس الإصابة أو يتعرض لخطر مماثل.
اقــرأ أيضاً
يعرف الغزيّون بإصرارهم على الاستمرار في الحياة، وتحمّل مصاعبها، في ظلّ الأوضاع الاقتصادية الكارثيّة التي يعيشها القطاع المحاصر منذ عشرة أعوام، ما دفع بعضهم إلى اختيار مهن خطرة بهدف توفير قوت يومهم، والبحث عن حياة كريمة.
الشاب جمال. ع. (22 عاماً)، يعمل في إحدى شركات التنظيف في مدينة غزة. مهمّته تنظيف زجاج الأبراج والعمارات مستعيناً بالحبال. يقول لـ "العربي الجديد": "صحيح أن العمل خطير، لكنّني أحبه ولا أخاف المرتفعات. في البداية، كان لدي رغبة شديدة في التجربة، بعدها أحببت العمل". أثناء تنظيفه الزجاج، يُربط من سترة خاصة يرتديها أثناء العمل. ويتحدث عن شروط عمله، موضحاً أنّه يجب تفحّص الحبال والسترة قبل بدء العمل. كذلك، يوجد قطعة حديديّة تلتصق بزجاج الشبّاك، وتحمي العامل في حال حدوث أي مشكلة. أما أدوات التنظيف، فلا تربكه أثناء العمل.
ورغم أنّ كثيرين يخشون العمل في هذه المهنة بسبب خطورتها، يعتبرها جمال "مغامرة جميلة"، كما أنها موسمية. وتجدر الإشارة إلى أن الشاب محمد رفيق عودة (23 عاماً) توفي قبل أربع سنوات خلال عمله في تركيب نوافذ زجاج أحد الأبراج في مدينة غزة، وقد سقط من الطابق الثامن وتوفي على الفور.
أمّا محمود أبو معمر (34 عاماً)، فيعمل في مجال البناء. بالنسبة إليه، فإنّ مهنته أقلّ خطورة بسبب وجود أعمدة حديدية تتوسّطها أخشاب تربط بشكل متقن لتحمل العمال. وعادة ما تكون مساحة الأخشاب كافية حتى يتمكن العامل من السير عليها خلال عملية البناء أو الدهان وغيرها. صباح كلّ يوم، يتوجه محمود إلى عمله الذي بات يتقنه، هو الذي بدأ العمل في هذا المجال منذ كان عمره 11 عاماً، حين كان يساعد عمّه في بناء منزل في مدينة، رفح جنوب قطاع غزة. يقول لـ "العربي الجديد": "في البداية، كنت أشعر بأنّني سأفقد توازني وأنا أقف على الأخشاب. كنت أستغرق وقتاً أطول في العمل، وكثيراً ما أنظر إلى الأسفل وأشعر بخوف ورهبة. مع الوقت، اعتدت العمل. ولأنّ الحياة تزداد صعوبة يوماً بعد يوم في قطاع غزة، يزداد إصرار محمود على العمل من أجل توفير الطعام لأسرته، علماً أنّه تعرّض لإصابات عدة أثناء عمله.
إلّا أنّ المهنة الأخطر على الإطلاق، هي العمل داخل الأنفاق. يتولى بعض الغزيين حفر الأنفاق، التي تنقسم إلى أنفاق لتهريب البضائع تربط جنوب قطاع غزة بالحدود المصرية وأخرى للمقاومة. بهجت وأحمد شقيقان من عائلة معروفة في مدينة رفح. يعملان في حفر الأنفاق منذ أكثر من أربع سنوات رغم أنهما لم يتجاوزا 22 عاماً. قبيل الفجر، يتوجهان إلى المنطقة الحدودية لحفر الأنفاق. يقول بهجت لـ "العربي الجديد": "الوضع صعب جداً. لا نعرف دائماً في ما إذا كانت التربة صالحة لحفر الأنفاق، وإذا ما قد تنهار أثناء عملنا. هذا ما لا نستطيع معرفته قبل بدء العمل. يشير إلى أنّ المخاطر لا تكمن فقط في الانهيارات، بل أيضاً في استنشاق الغازات السامة، إضافة إلى المياه التي تضخها السلطات المصرية.
مع ذلك، عملهما ساعدهما على الزواج وبناء شقتين في منزل عائلتهما خلال وقت قصير، بعدما سئما من البحث عن فرص عمل جيدة تدر مالاً وفيراً، على غرار العمل في الأنفاق.
وبحسب إحصائية لمركز الميزان لحقوق الإنسان، فإن عدد ضحايا الأنفاق خلال النصف الأول من عام 2016 بلغ 17 شهيداً و28 مصاباً.
من جهته، يقول مدير شركة وليم صبيح وشركاه للتنظيف والدهان، وليم صبيح، إن العمال الذين يختارون يجب أن يكونوا من أصحاب الخبرة. لكن في ما يتعلّق بمهنة تنظيف زجاج الأبراج، فيجب أن تتوفر لدى العامل شروط معينة، منها أن يتراوح وزنه ما بين 40 و50 كيلوغراماً، وأن يكون لديه الجرأة الكاملة وعدم الخوف من المرتفعات، ليكون قادراً على العمل بشكل سليم. يضيف لـ "العربي الجديد" أن تنظيف زجاج الأبراج والعمارات ينقسم إلى قسمين، بحسب عدد الطوابق، لافتاً إلى أهمية أن يكون الطقس صافياً.
وفي ما يتعلق بتأمين العمال، يشير صبيح إلى أن معظم شركات التأمين ترفض تأمينهم، لافتاً إلى أنهم ليسوا مستعدين لتحمل عمل نسبة الخطورة فيه تصل إلى 100%. هو أيضاً يرى أن هذا العمل خطير جداً رغم أن الراتب مرتفع، لكن الإنسان يفقد حياته مرة واحدة.
إلى ذلك، يؤكّد مدير عام التفتيش وحماية العمل في وزارة العمل، كمال محفوظ، وجود متابعة وتفتيش دوري لشركات التنظيف والمنشآت التي يجري العمل فيها، من دون أن تنحصر الرقابة بالأعمال الخطرة. ويقول كمال محفوظ لـ "العربي الجديد": "المهن الخطرة، على غرار تنظيف زجاج الأبراج وأعمال السباكة، والبناء، لا بدّ أن تكون مجهّزة باحتياطات أمان، لمنع السقوط في حال الخطر". ويوضح أن الأخطاء قد تحدث رغم النصائح والإرشادات.
ويشرح، إنّ وزارة العمل، وتحديداً قسم التفتيش، في حال لاحظ وجود خلل في تطبيق شروط السلامة المهنية للعمال، يوجّه تنبيهاً، يتضمن أن الأدوات ليست كافية وأن هناك خللاً بسيطاً في إحدى الأدوات، ويوجّه انذاراً إلى صاحب العمل مع تحديد مهلة محددة ليومين أو ثلاثة، حتى يستوفي الشروط ويزول الخطر. وفي حال التأكّد من أن صاحب العمل مستهتر في السلامة المهنية، يحرر بحقه محضر ضبط وإحضار بسبب المخالفات الكبيرة بحقه، ويحاسب بواسطة القانون. والخطوة الرابعة والأخيرة، هي أنّه في حال كانت درجة الخطورة عالية، ولم يستطع صاحب العمل توفير شروط السلامة والوقاية للعمال، فتغلق المنشأة ويتوقف العمل إلى حين توفير شروط السلامة بشكل كامل.
بعض المهن الخطيرة، كالعمل في حفر الأنفاق، تصل نسبة الخطورة فيها إلى مائة في المائة. ورغم توفر كل وسائل السلامة، إلا أنّ وفاة العامل خلال العمل أصبح أمراً متوقعاً بشكل كبير. وحول هذه المهنة، يشير محفوظ إلى أنه رغم توفّر شروط السلامة المهنية والأدوات اللازمة، تقع الإصابات. وفي حال حدوث إصابات، تعمد وزارة العمل إلى فتح تحقيق حول الإصابة وسببها، مع كشف طبي كامل يترتب عليه إعطاء العامل حقه بعد إصابته. أيضاً، يحصل ما يسمى بالإصحاح المهني حتى لا يصاب أي عامل آخر بنفس الإصابة أو يتعرض لخطر مماثل.