تضارب قرار للمحكمة الإدارية في برلين أخيراً مع الحكومة الألمانية في مسألة إنسانية أساسية وهي حقّ اللاجئين القصّر في لمّ شمل عائلاتهم
جاء قرار المحكمة الإدارية في العاصمة الألمانية برلين لصالح قاصر من سورية بلمّ شمل عائلته أخيراً، ليعيد ملف لمّ الشمل إلى الواجهة، ويثير النقاش حوله، بل من المتوقع أن يشكل إحدى النقاط الشائكة في مفاوضات حزب "الاتحاد المسيحي" بزعامة المستشارة أنجيلا ميركل مع الاشتراكي الديمقراطي لتشكيل ائتلاف حكومي جديد.
يعتبر ملف لمّ شمل أسر اللاجئين مسألة مثيرة للجدل في ألمانيا، خصوصاً ما يتعلق بالقصّر الذين يعيشون بمفردهم في بلد تختلف فيه طبيعة الحياة عن بلدانهم الأصلية، وهم في أمسّ الحاجة إلى ذويهم من أجل تأمين حد أدنى من الاستقرار والأمان الاجتماعي لكي يتمكنوا من تركيز جهودهم على شؤونهم التعليمية والمهنية.
القرار الأخير الذي قضى بالسماح للقاصر بلمّ الشمل اعتبر بمثابة صفعة إلى الحكومة الاتحادية، إذ التمس الأسباب الموجبة إليه، وبيّن أنّ القاصر يعاني من اضطرابات وتوتر نتيجة الصدمات. ولم يسلم القضاء الإداري من تداعيات القرار ووجهت له الكثير من الانتقادات بتبريره الحكم، انطلاقاً من تعارضه مع قرار الحكومة الاتحادية الصادر في مارس/ آذار 2016، الذي علق بموجبه لمّ شمل عائلات اللاجئين الذين يتمتعون بحماية ثانوية، علماً أنّ ذلك القرار اعتبر في حينه ضد الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.
اقــرأ أيضاً
كان للكنيستين الإنجيلية والكاثوليكية موقف في هذا الإطار، إذ طالبتا الحكومة الاتحادية بتمكين اللاجئين من لمّ شمل عائلاتهم، مع التأكيد على أهمية هذا الأمر للاندماج. ودعا رئيس أساقفة الكاثوليك في برلين هاينر كوخ إلى تحسين وتسريع عمليات لمّ شمل الأسر، وقال إنّ "الاندماج من دون الأسرة لن ينجح، نظراً إلى الأهمية التي تتمتع بها الأسر في البلدان الأصلية لهؤلاء اللاجئين، وهي أعلى بكثير مما هي في بلدنا".
تواجه محاولات لمّ شمل الأسر عوائق عدة بسبب تشدد وزارة الخارجية الألمانية. لكنّ القرار الأخير أثار استغراب الجميع خصوصاً أنّه جاء بعدما قدمت الخارجية في وقت سابق طعناً، كما استأنفت الحكم ضد قرار محكمة برلين، وهو ما يهز مصداقية الحزب الديمقراطي الاشتراكي، الذي ركز خلال مؤتمره الأخير على أهمية لمّ شمل الأسر حتى للاجئين الذين يتمتعون بوضع الحماية الفرعية لعام واحد قابلة للتجديد. وبذلك، اضطر وزير الخارجية الاشتراكي زيغمار غابريال أخيراً إلى سحب الاستئناف الذي مهّد لحكم المحكمة الأخير لصالح اللاجئ القاصر.
يعتبر قانونيون أنّ الحكم قد يكون مؤثراً، وقد يحدث صيغة توازن دقيق بين الضوابط العامة والحماية الفعالة، ومن الممكن أن يحمل خيوطاً مهمة في إمكانية التوصل إلى تسوية في ظل النزاع القائم في هذا الملف بين "الاتحاد المسيحي" و"الاشتراكي الديمقراطي" خلال البحث في إمكانية تشكيل حكومة ائتلافية.
تشير التقارير إلى أنّ الأرقام الإجمالية للمّ شمل الأسر قد تصل إلى مليوني لاجئ، وهو ما لم يؤكده المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين. وكان وزير الداخلية نفى المعلومات التي ذكرتها صحيفة "بيلد" أنّ 390 ألف شخص سوري يحق لهم لمّ شمل عائلاتهم، فيما المكتب الاتحادي للهجرة تحدث عن رقم أكبر.
من جهته، توقع معهد أبحاث وكالة التوظيف الاتحادية أخيراً أن يكون هناك ما بين 100 و120 ألفاً من الأزواج والقصّر الذين يمكن أن يدخلوا إلى ألمانيا عن طريق لمّ الشمل عام 2018، مع الإشارة إلى أنّ حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي اعتبر خلال الحملة الانتخابية للانتخابات التشريعية التي جرت في سبتمبر/ أيلول الماضي، أنّ العام 2018 سيكون أسوأ عام في أزمة اللجوء الألمانية، بالرغم من أنّ السلطات الألمانية أعلنت أخيراً عن تراجع عدد اللاجئين الذين وفدوا إلى البلاد عام 2017، إذ لم يتجاوز عدد الذين دخلوا من جنوب ألمانيا مثلاً 20 ألفاً مقابل 74 ألفاً العام 2016.
تكمن المعضلة الأساسية التي تواجه السياسيين الألمان في ملف اللجوء وعمليات لمّ الشمل، بحسب ما يرى مطلعون على المسار القانوني لهذا النوع من الملفات، أنّه على الرغم من أنّ المادة السادسة من القانون الأساسي تنصّ على أهمية أن تتمتع العائلة بحماية قانونية خاصة من قبل الدولة، اعتبرت المحكمة الدستورية في وقت سابق أنّه ليس بالأمر الضروري أن ينطبق على حماية ولمّ شمل عائلات اللاجئين الأجانب، ولهذا عدلت الكثير من القوانين ووضعت بعض الشروط منها العمل والمسكن واللغة ما صعّب الأمر عليهم. وكان آخر القرارات ما صدر في مارس/ آذار 2016 الذي علق العمل بالسماح للاجئين ممن يتمتعون بالحماية الثانوية بلمّ شمل عائلاتهم قبل عامين من نفاذ القانون. وحالياً يدور نقاش حول إمكانية تمديد العمل بهذا القرار ويدعم هذا التوجه "الاتحاد المسيحي" بزعامة ميركل.
أبرز الأسباب التي تقف خلف التشدد في ملف اللاجئين القصّر هو ما عبر عنه وزيرالداخلية الاتحادي توماس دي ميزيير بقوله إنّ "من غير المنطقي دفع القصّر إلى ترك بلدانهم على أمل أن يسمح في ما بعد لأهاليهم باللحاق بهم، وهذا التصرف لا يمكن لنا أن نتقبله ونكافئ عليه".
لمواجهة هذه المسألة أعلنت السلطات الألمانية أخيراً عن البدء في تشييد مركز في المغرب، بصفتها إحدى الدول التي تسعى ألمانيا إلى تصنيفها "آمنة" لإيواء الشباب والقصّر الذين طردوا أو عادوا طوعاً من ألمانيا. وهي خطوة تهدف من خلالها برلين إلى المساعدة في دمجهم داخل مجتمعاتهم وفق ما ذكرت صحيفة "دي فيلت" في ديسمبر/ كانون الأول الماضي. وبذلك، يمكن أن يستفيد الشباب المشردون أو الذين يواجهون أحكاماً قضائية من ذلك. وتخطط الداخلية الألمانية لمركزين جديدين في مدينتين مختلفتين في المغرب يتسع كلّ منهما لنحو 100 قاصر مبعد. ويخضع هؤلاء لعناية ورعاية اجتماعية تأهيلية مع إمكانية تعلم مهنة في خطوة وصفت بالمهمة لأنّ القانون لا يفرض الرعاية الخاصة للقصّر من دون ذويهم في ألمانيا.
مفقودون
أعلن المكتب الاتحادي الألماني لمكافحة الجريمة أخيراً أنّ عدد المفقودين المبلّغ عنهم من اللاجئين وصل إلى 15 ألفاً، ثلثهم من اللاجئين القصّر. وعزا المكتب السبب الرئيس في ذلك إلى ارتفاع أعداد الآتين إلى البلاد من القصّر من دون مرافقين، موضحاً أنّ هناك ما بين 150 و200 بلاغ يومياً، لكن مع احتمال تسجيل اللاجئ اسمه عدة مرات.
اقــرأ أيضاً
جاء قرار المحكمة الإدارية في العاصمة الألمانية برلين لصالح قاصر من سورية بلمّ شمل عائلته أخيراً، ليعيد ملف لمّ الشمل إلى الواجهة، ويثير النقاش حوله، بل من المتوقع أن يشكل إحدى النقاط الشائكة في مفاوضات حزب "الاتحاد المسيحي" بزعامة المستشارة أنجيلا ميركل مع الاشتراكي الديمقراطي لتشكيل ائتلاف حكومي جديد.
يعتبر ملف لمّ شمل أسر اللاجئين مسألة مثيرة للجدل في ألمانيا، خصوصاً ما يتعلق بالقصّر الذين يعيشون بمفردهم في بلد تختلف فيه طبيعة الحياة عن بلدانهم الأصلية، وهم في أمسّ الحاجة إلى ذويهم من أجل تأمين حد أدنى من الاستقرار والأمان الاجتماعي لكي يتمكنوا من تركيز جهودهم على شؤونهم التعليمية والمهنية.
القرار الأخير الذي قضى بالسماح للقاصر بلمّ الشمل اعتبر بمثابة صفعة إلى الحكومة الاتحادية، إذ التمس الأسباب الموجبة إليه، وبيّن أنّ القاصر يعاني من اضطرابات وتوتر نتيجة الصدمات. ولم يسلم القضاء الإداري من تداعيات القرار ووجهت له الكثير من الانتقادات بتبريره الحكم، انطلاقاً من تعارضه مع قرار الحكومة الاتحادية الصادر في مارس/ آذار 2016، الذي علق بموجبه لمّ شمل عائلات اللاجئين الذين يتمتعون بحماية ثانوية، علماً أنّ ذلك القرار اعتبر في حينه ضد الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.
كان للكنيستين الإنجيلية والكاثوليكية موقف في هذا الإطار، إذ طالبتا الحكومة الاتحادية بتمكين اللاجئين من لمّ شمل عائلاتهم، مع التأكيد على أهمية هذا الأمر للاندماج. ودعا رئيس أساقفة الكاثوليك في برلين هاينر كوخ إلى تحسين وتسريع عمليات لمّ شمل الأسر، وقال إنّ "الاندماج من دون الأسرة لن ينجح، نظراً إلى الأهمية التي تتمتع بها الأسر في البلدان الأصلية لهؤلاء اللاجئين، وهي أعلى بكثير مما هي في بلدنا".
تواجه محاولات لمّ شمل الأسر عوائق عدة بسبب تشدد وزارة الخارجية الألمانية. لكنّ القرار الأخير أثار استغراب الجميع خصوصاً أنّه جاء بعدما قدمت الخارجية في وقت سابق طعناً، كما استأنفت الحكم ضد قرار محكمة برلين، وهو ما يهز مصداقية الحزب الديمقراطي الاشتراكي، الذي ركز خلال مؤتمره الأخير على أهمية لمّ شمل الأسر حتى للاجئين الذين يتمتعون بوضع الحماية الفرعية لعام واحد قابلة للتجديد. وبذلك، اضطر وزير الخارجية الاشتراكي زيغمار غابريال أخيراً إلى سحب الاستئناف الذي مهّد لحكم المحكمة الأخير لصالح اللاجئ القاصر.
يعتبر قانونيون أنّ الحكم قد يكون مؤثراً، وقد يحدث صيغة توازن دقيق بين الضوابط العامة والحماية الفعالة، ومن الممكن أن يحمل خيوطاً مهمة في إمكانية التوصل إلى تسوية في ظل النزاع القائم في هذا الملف بين "الاتحاد المسيحي" و"الاشتراكي الديمقراطي" خلال البحث في إمكانية تشكيل حكومة ائتلافية.
تشير التقارير إلى أنّ الأرقام الإجمالية للمّ شمل الأسر قد تصل إلى مليوني لاجئ، وهو ما لم يؤكده المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين. وكان وزير الداخلية نفى المعلومات التي ذكرتها صحيفة "بيلد" أنّ 390 ألف شخص سوري يحق لهم لمّ شمل عائلاتهم، فيما المكتب الاتحادي للهجرة تحدث عن رقم أكبر.
من جهته، توقع معهد أبحاث وكالة التوظيف الاتحادية أخيراً أن يكون هناك ما بين 100 و120 ألفاً من الأزواج والقصّر الذين يمكن أن يدخلوا إلى ألمانيا عن طريق لمّ الشمل عام 2018، مع الإشارة إلى أنّ حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي اعتبر خلال الحملة الانتخابية للانتخابات التشريعية التي جرت في سبتمبر/ أيلول الماضي، أنّ العام 2018 سيكون أسوأ عام في أزمة اللجوء الألمانية، بالرغم من أنّ السلطات الألمانية أعلنت أخيراً عن تراجع عدد اللاجئين الذين وفدوا إلى البلاد عام 2017، إذ لم يتجاوز عدد الذين دخلوا من جنوب ألمانيا مثلاً 20 ألفاً مقابل 74 ألفاً العام 2016.
تكمن المعضلة الأساسية التي تواجه السياسيين الألمان في ملف اللجوء وعمليات لمّ الشمل، بحسب ما يرى مطلعون على المسار القانوني لهذا النوع من الملفات، أنّه على الرغم من أنّ المادة السادسة من القانون الأساسي تنصّ على أهمية أن تتمتع العائلة بحماية قانونية خاصة من قبل الدولة، اعتبرت المحكمة الدستورية في وقت سابق أنّه ليس بالأمر الضروري أن ينطبق على حماية ولمّ شمل عائلات اللاجئين الأجانب، ولهذا عدلت الكثير من القوانين ووضعت بعض الشروط منها العمل والمسكن واللغة ما صعّب الأمر عليهم. وكان آخر القرارات ما صدر في مارس/ آذار 2016 الذي علق العمل بالسماح للاجئين ممن يتمتعون بالحماية الثانوية بلمّ شمل عائلاتهم قبل عامين من نفاذ القانون. وحالياً يدور نقاش حول إمكانية تمديد العمل بهذا القرار ويدعم هذا التوجه "الاتحاد المسيحي" بزعامة ميركل.
أبرز الأسباب التي تقف خلف التشدد في ملف اللاجئين القصّر هو ما عبر عنه وزيرالداخلية الاتحادي توماس دي ميزيير بقوله إنّ "من غير المنطقي دفع القصّر إلى ترك بلدانهم على أمل أن يسمح في ما بعد لأهاليهم باللحاق بهم، وهذا التصرف لا يمكن لنا أن نتقبله ونكافئ عليه".
لمواجهة هذه المسألة أعلنت السلطات الألمانية أخيراً عن البدء في تشييد مركز في المغرب، بصفتها إحدى الدول التي تسعى ألمانيا إلى تصنيفها "آمنة" لإيواء الشباب والقصّر الذين طردوا أو عادوا طوعاً من ألمانيا. وهي خطوة تهدف من خلالها برلين إلى المساعدة في دمجهم داخل مجتمعاتهم وفق ما ذكرت صحيفة "دي فيلت" في ديسمبر/ كانون الأول الماضي. وبذلك، يمكن أن يستفيد الشباب المشردون أو الذين يواجهون أحكاماً قضائية من ذلك. وتخطط الداخلية الألمانية لمركزين جديدين في مدينتين مختلفتين في المغرب يتسع كلّ منهما لنحو 100 قاصر مبعد. ويخضع هؤلاء لعناية ورعاية اجتماعية تأهيلية مع إمكانية تعلم مهنة في خطوة وصفت بالمهمة لأنّ القانون لا يفرض الرعاية الخاصة للقصّر من دون ذويهم في ألمانيا.
مفقودون
أعلن المكتب الاتحادي الألماني لمكافحة الجريمة أخيراً أنّ عدد المفقودين المبلّغ عنهم من اللاجئين وصل إلى 15 ألفاً، ثلثهم من اللاجئين القصّر. وعزا المكتب السبب الرئيس في ذلك إلى ارتفاع أعداد الآتين إلى البلاد من القصّر من دون مرافقين، موضحاً أنّ هناك ما بين 150 و200 بلاغ يومياً، لكن مع احتمال تسجيل اللاجئ اسمه عدة مرات.