منذ الساعات الأولى لانطلاق الحراك الشعبي الثوري في لبنان، في 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، خرج طلاب الجامعات وتلاميذ المدارس بأحلامهم الكبيرة ومطالبهم إلى الشوارع، ولا همّ لهم إن تغيبوا عن الفصول، فالتعليم لا ينفع برأيهم، بينما الفساد يأكل الدولة، وسيضطرهم إلى الهجرة في نهاية المطاف.
في ساحة إيليا الثائرة في صيدا، بوابة الجنوب اللبناني، تنشط فرقة من الطلاب، يجلس أفرادها دائرياً، يرددون الأغاني الوطنية، وبعضهم يرقص عليها، فيما البقية يصفقون. وفي مكان آخر من الساحة، تنهمك تمارا ديراني، وهي طالبة هندسة ديكور، سنة ثالثة، في جامعة خاصة، برسم أرزة العلم اللبناني، وتقول لـ"العربي الجديد": "مشاركتنا السلمية في الحراك هي لمطالبة السلطة بمنحنا حقوقنا كطلاب. أنا هنا في الاعتصام منذ ساعات اليوم الأول للثورة، فوجودي في الجامعة وغيابي سيان، لأنّنا نحن الشباب عندما ننهي دراستنا ونتوجه إلى سوق العمل، نفاجأ بعدم توافر فرص لنا". تتابع: "أنا اليوم أنفذ ما تعلمته في الجامعة من خلال تخصصي، فأرسم الأرزة التي تحمينا، والتي منذ سنوات طويلة تحمل هؤلاء السياسيين على أكتافها، لنقول لهم إنّه حان الوقت كي ينزلوا عنها". وتختم: "سنبقى هنا حتى تتحقق مطالبنا، فنحن نريد حكومة نثق بها، وعندها نستطيع الخروج من الشارع، لكنّ أحلامنا لن تنتهي".
تمارا ديراني (العربي الجديد) |
رام قلوط الذي يحمل عوده ويجلس في خيمة وضعها المعتصمون إلى جانب الشارع، هو تلميذ في الصف الثانوي الأخير، فيقول: "أبلغ من العمر سبعة عشر عاماً، وأنا موجود هنا كلّ يوم، ولم أنقطع عن المجيء إلى الاعتصام في أيّ يوم. مطالبي طالبية، فأنا أريد الدخول إلى الجامعة التي أرغب في التعلم فيها من دون اللجوء إلى الواسطة (المحسوبية)، وأريد تحسين وضع المدارس الحكومية وكذلك الجامعة اللبنانية (الرسمية الوحيدة). وأريد أن أجد عملاً فور تخرجي من الجامعة". يتابع: "نريد مستشفيات، وبيئة نظيفة، فالأمراض - بما فيها السرطانية - انتشرت بكثرة من جراء التلوث". يختم لـ"العربي الجديد": "تعارفنا هنا فيما بيننا نحن الشباب. أما فكرة العود، فهي مناسبة كي نتجمع، فنغني ونعزف الأغاني الشرقية التي تحافظ على تراثنا. نغني أيضاً الأغاني الوطنية التي نعرّف الجميع إليها، وخصوصاً من اعتادوا الاستماع إلى الأغاني الأجنبية".
سارة قوام (العربي الجديد) |
أما طالبة الحقوق، سنة أولى، في الجامعة اللبنانية، سارة قوام، وهي من مدينة صيدا، ومن المنتفضين الأوائل الذين يحضرون في الساحة وفي شوارع المدينة في أيّ اعتصام، فتقول لـ"العربي الجديد": "منذ اليوم الأول للثورة وأنا موجودة هنا، وما دعاني إلى النزول للاعتصام الوضع الاقتصادي المزري الذي نعيشه نحن اللبنانيين، ما أدى إلى انفجار اجتماعي كبير. وأنا من جراء هذا توقفت عن العمل، إذ إنّني كنت أعمل منذ أربع سنوات حتى أعتمد على نفسي في تأمين مصاريفي، وأخفف من عبء المصاريف عن أبي الذي يعمل قائد شرطة في بلدية صيدا، وقد كان في السابق خبير متفجرات، وكذلك يعمل حالياً معلماً خصوصياً للفيزياء والرياضيات في البيت، من أجل تأمين الدخل الذي يسمح بتعليم أخوتي". تتابع: "نحن أربعة أولاد في البيت، لديّ شقيقان يتعلمان في مدرسة خاصة، وكذلك كنت أنا إلى حين الانتهاء من دراستي الثانوية، فالتحقت هذا العام بالجامعة اللبنانية، الفرع الخامس، في مدينة صيدا، لأنّ العبء المادي بات كبيراً جداً على أبي، ولديّ أيضاً شقيقة تدرس في جامعة خاصة في صيدا". تكمل: "عدا عن خسارة عملي، توقفت عن الذهاب إلى الجامعة، بسبب وجودي هنا دائماً، وأنا هنا لأنّني وغيري من الطلاب نريد أن نقول للجميع إنّنا لا نريد أن نحصل على شهادة جامعية نعلّقها على الحائط، بل نريد أن نعمل بها".
وتشير قوام إلى أنّ "لدي معارف من الطلاب والتلاميذ في مدارس عديدة في المدينة، بالإضافة إلى الجامعات، وما أحاول القيام به هو التواصل معهم، وثنيهم عن الذهاب إلى المدرسة والجامعة، وبالفعل فقد تجاوب معي عدد كبير منهم. ففي اليوم الأول خرج عدد كبير من الطلاب والتلاميذ في التظاهرة، وفي اليوم الثاني زاد العدد، وهكذا إلى أن استجاب معظمهم". وعن مطالبها عموماً، فتقول: "نريد بنى سياسية صحيحة، كما نريد بنى تحتية صالحة لبلدنا. نريد تعزيز الجامعة اللبنانية والمدارس الرسمية، وتغيير المنهج التعليمي الذي ما زال قائماً على حاله منذ سنوات طويلة. القصة طويلة، وتحتاج إلى نفَس طويل، ونحن نريد أن نبقى في لبنان عندما نتخرج، ولا نريد أن نسافر إلى كندا وغيرها، علماً أنّني تقدمت بطلب هجرة إلى كندا مكرهة".