تفيد أرقام الأمم المتحدة في ليبيا بأن ما يزيد عن 2800 مواطن نزحوا من مناطق جنوب طرابلس بسبب الحرب التي يشنها اللواء الليبي خليفة حفتر على الغرب، ومن ضمنها العاصمة. لكنّ هذا لا يعني أن الجميع في أمان، إذ يؤكد مسؤولون ليبيون أن ثلث هؤلاء لا يزالون عالقين تحت الرصاص والقذائف العشوائية، على الرغم من النداءات التي أطلقتها الأمم المتحدة وجهات حكومية بضرورة إجراء هدنة إنسانية لإجلاء المدنيين.
يقول أسامة علي، المتحدث باسم جهاز الإسعاف والطوارئ: "من المرجح أن يتضاعف هذا الرقم خلال أيام في حال استمرت الحرب وتوسعت رقعتها، وإذا لم تتمكّن الجهات المحلية والدولية من إطفائها". يتابع لـ"العربي الجديد": "الطرف المقابل للحكومة يرفض جهود جهاز الإسعاف، كونه يقاتل الحكومة من دون أن يقدم خدمات للنازحين وينقذ العالقين". يضيف: "في كلّ حرب نفقد زميلاً لنا. خلال هذه الحرب، توفي الطبيب أيمن الهرامة برصاص طائش خلال تأديته مهامه. ونشر الجهاز أرقام الإسعاف والطوارئ وإرشادات للعالقين حتى يتمكنوا من معرفة الطرقات التي يمكن أن يسلكوها في حال تعسرت أحوالهم. لكنّه يوضح: "المشكلة أن هذه الإرشادات لا تصل إليهم. الكهرباء مقطوعة عن هذه المناطق منذ أربعة أيام".
وعن نداءات الاستغاثة، يشير علي إلى أن الجهاز يبحث عن تقنية لتحديد مكان الاتصال، إذ إن اتصالات المستغيثين غالباً ما تكون غير واضحة في ظل انقطاع الكهرباء عن المنطقة. واستقبل مستشفى الحوادث في أبي سليم وسط العاصمة أربعة مدنيين قتلوا من جرّاء الاشتباكات، إضافة إلى خمسة مصابين. ويشير أحد الأطباء الذين اتصلت بهم "العربي الجديد" إلى أن المستشفيات الأخرى استقبلت مدنيين قتلوا أو أصيبوا. وأعلنت وزارة الصحة في حكومة الوفاق أن 35 قتلوا من جراء الحرب المندلعة منذ الخميس الماضي، إضافة إلى ما يزيد عن 40 مصاباً. وشكك الطبيب في صحة الرقم، مرجحاً أن يكون الرقم أكبر من ذلك في صفوف المدنيين من دون أن يحدّده.
وفي منطقة ورشفانة غرب العاصمة، اتهمت قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر طيران حكومة الوفاق بالتسبب في مقتل عائلة بأكملها من جرّاء القصف في المنطقة. وعلى مقربة من جامعة ناصر في حي الفرناج وسط العاصمة، أقامت الحكومة أحد المراكز لاستقبال النازحين من مناطق التوتّر في بيت الطلبة الملحق بالجامعة. لكنّ معظم النازحين اتجهوا إلى مناطق مجاورة جنوباً وشرقاً. يقول الصديق المحدوب، أحد المشرفين على مركز استقبال النازحين، لـ "العربي الجديد": "يقدّر العدد بنحو 500 نازح، لكن الرقم ليس نهائياً. كلّما توسعت رقعة الحرب زاد العدد". ويلفت إلى أنّ الخطر الأكبر يكمن في إبقاء غالبية العائلات لشخص أو إثنين في المنزل بهدف حراسته من النهب والسرقة. يتابع: "كثيرة هي العائلات القلقة على أبنائها الذين بقوا داخل منازلهم. ما من وسائل للاتصال بهم. كما أن البعض يخشى خسارة الأغراض التي تركت في المنزل". وعن جهود الحكومة، يؤكد أن أكثر متطلبات النزوح وفرتها وزارة الداخلية، كالأغطية والطعام. أما فريق التدخل أثناء الطوارئ التابع لجمعية الهلال الأحمر الليبي، فقد أعلن عن تمكنه من تنفيذ عملية وسط ظروف صعبة لإخلاء سبع عائلات عالقة داخل منطقة وادي الربيع التي تشهد اشتباكات مستمرة.
ولم تقف آثار الحرب التي يشنها اللواء خليفة حفتر على الغرب الليبي عند هذا الحد. وزارة التعليم أوقفت الدراسة في مناطق التوتر. وبحسب إعلانات الوزارة، فإنّ غالبية المدارس القريبة من مناطق التوتر أقفلت أبوابها. واطلعت "العربي الجديد" على منشور مراقبة التعليم في عين زارة، أحد الأحياء الملاصقة لمناطق التوتر، وأحصت ما يزيد عن عشر مدارس أقفلت أبوابها منذ يوم الأحد الماضي، وطلبت من التلاميذ عدم المجيء إلى المدارس خوفاً من اتساع رقعة المواجهات القريبة.
وقالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إنّها نقلت أكثر من مائة وخمسين مهاجراً سرياً من مركز احتجاز المهاجرين في عين زارة جنوب العاصمة طرابلس وسط اشتباكات مستمرة. أضافت المفوضية عبر صفحتها الرسمية على "تويتر"، أن نقل المهاجرين تم إلى مركز التجمع والمغادرة الخاص بالمفوضية، حفاظاً على سلامتهم من خطر الاشتباكات.
من جهة أخرى، تسبّب إقفال سوق الأحد في منطقة قصر بن غشير الواقعة وسط مناطق المعارك، وهو السوق الرئيسي المزود للعاصمة بالخضار، في ظل ارتفاع حاد في الأسعار، ما دفع مسؤولين في الحكومة إلى عقد أكثر من اجتماع موسع لبحث المشكلة ومحاولة إيجاد بديل. يقول أحد التجار في منطقة طريق الشوك وسط العاصمة، إن سعر كيلو البصل وصل إلى سبعة دنانير (نحو خمسة دولارات) بعدما كان لا يتجاوز سعره الدينار الواحد (0.7 دولار)، والطماطم إلى أربعة دنانير (2.8 دولار) بعدما كان ديناراً واحداً، عازياً ارتفاع الأسعار إلى إغلاق الأسواق الرئيسية مثل سوق الأحد للخضار. وأعرب عن تخوفه من وصول الاشتباكات إلى سوق الكريمية، المغذي الرئيسي لطرابلس ومدن الجوار بالمواد الأساسية، ما سيؤدي إلى ارتفاع إضافي في أسعار الأغذية وسط معاناة المواطن في ظل شح السيولة النقدية.