البيئة والمجتمع من أبرز الملفات التي تعرّض معصومة ابتكار مستشارة الرئيس الإيراني حسن روحاني، للانتقاد اليوم. عن تلك الملفات وعن شؤون أخرى، تتحدّث إلى "العربي الجديد".
معصومة ابتكار اليوم من أبرز الشخصيات المنتمية إلى التيار الإصلاحي، وتعدّ واحدة من الشخصيات المثيرة للجدل في البلاد. تولّت منصب مستشارة الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي، بالإضافة إلى ترؤسها مؤسسة البيئة. وقد عادت لتترأسها أخيراً بعد وصول الرئيس المعتدل حسن روحاني إلى سدّة الرئاسة.
- إلى أي مدى تختلف معصومة ابتكار عما كانت عليه في السابق؟ أليس من الغريب أن تكوني واحدة ممن اقتحموا السفارة الأميركية وتمثلين اليوم شخصية إصلاحية تنادي بالحوار مع الغرب وتتولين منصباً في حكومة تحاور الولايات المتحدة الأميركيّة؟
أنا أعتبر نفسي شخصية إصلاحية. الظروف اليوم اختلفت عن السابق، فلا يمكن المقارنة بين اليوم والأمس. في ذلك الوقت، كان اقتحام السفارة ضرورياً لمنع إجهاض الثورة أو نجاح أي انقلاب عليها تدعمه الولايات المتحدة. أما اليوم، فقد باتت إيران أكثر تأثيراً والدليل هو المفاوضات. هذا يعني نجاح خطاب الحكومة الحالية. وأعتقد أن المفاوضات مع الولايات المتحدة ستصل إلى نتيجة في النهاية وستؤدي إلى تأدية طهران دوراً أكبر في حل عديد من المسائل الإقليمية والدولية.
- مدن إيرانية عديدة تعاني مشكلة حقيقية وهي التلوّث، والإيرانيون يدفعون الثمن. ما هي الخطة لمعالجة ذلك، لا سيّما وأنك تتولين مسؤولية القضايا البيئية؟
أقِرّ عدد كبير من الخطط، أوّلها تطوير نوع البنزين المستخدم في ثماني مدن كبرى. وقد منع استخدام البنزين الذي لا يراعي المعايير الفنية، فانخفض إنتاج العادمات لمواد مسرطنة ملوثة أخيراً. وكان تعاون مع وزارة النفط لتقليص استخدام المازوت بنسبة 30% في المعامل المحيطة بالمدن، وأتلفت 320 ألف سيارة قديمة تتسبب عوادمها بزيادة التلوث. وتشير الأرقام إلى أن عدد الأيام النظيفة في السنة الواحدة، زاد 44 يوماً. وهذه خطوة جيدة.
- لكن هذا قد لا يكون واضحاً للعيان، لا سيّما وأن كل المدنيين قادرون على اشتمام التلوّث في الهواء ببساطة...
في طهران وحدها، خمسة ملايين مركبة، ولا يمكن التحكم بكل العوامل بسهولة. هذا العمل صعب، لا يمكن حلّ المشكلة بين ليلة وضحاها. لكننا نسعى إلى ذلك.
اقرأ أيضاً منصورة جوانمرد: مهمات الإنقاذ ليست حكراً على رجال الإطفاء
- إلى ذلك، تواجه إيران العواصف الرملية. ولم ينسَ أحد ما حدث في الأهواز جنوب البلاد ذات الغالبية العربية. حينها خرج المعترضون إلى الشوارع احتجاجاً على عدم اتخاذكم الخطوات المناسبة...
يعود سبب الأتربة والغبار الرئيس إلى الموقع الجغرافي، والتغييرات الإقليمية، وارتفاع درجة الحرارة، وانخفاض معدل هطول الأمطار. وهو ما يشكّل الرياح الشديدة المحمّلة بالأتربة. وهذه العواصف الرملية تدخل إيران من الجهة الغربية من ناحية العراق أو من السعودية أو من سورية والأردن. وأخيراً، كنتُ في العراق حيث وقّعنا عدداً من الاتفاقيات حول خطط تشجير وتثبيت للتربة. لكن ما يمنع تطبيقها هو عدم الاستقرار في المنطقة وتقدّم تنظيم "داعش".
أما في الأهواز الواقعة في محافظة خوزستان جنوب البلاد، فثمّة مشكلات ومنها الجفاف وارتفاع الحرارة وانخفاض معدل المتساقطات بنسبة 5%. كذلك جُفّف الهور العظيم، وهو خطأ كبير تتحمل مسؤوليته الحكومة السابقة. بالتالي تحوّلت المنطقة إلى مصدر للغبار والأتربة. وثمّة 450 هكتاراً أيضاً من الأراضي الجافة هناك، وقد أصبحت هي الأخرى مسبباً للعواصف. ونحن نكثّف العمل لحلّ تلك المشكلات وأولها إعادة المياه إلى الهور العظيم.
- لكنك تعرّضتِ إلى انتقادات شديدة إذ لم تزوري الأهواز خلال الأزمة، من قبل مواطنين ومن قبل بعض المسؤولين. ما سبب عدم ذهابك؟
هل أذهب فقط لمشاهدة ما يحدث؟ حينها، كان عليّ اتخاذ خطوات عملية. في ذلك الوقت، عقدت اجتماعاً مع بقية أعضاء الحكومة. وقبل ليلة من موجة الانتقادات تلك، عقدت اجتماعاً مع نواب البرلمان وشدّدت على ضرورة إقرار ميزانية خاصة لمواجهة هذه العواصف. ومن ثم، ذهبت وزرت تلك المنطقة. سافرت خمس مرات إلى محافظة خوزستان مذ توليت هذا المنصب، وأنا أستغرب كل هذا الانتقاد. صحيح أنني أرحب بكل وجهات النظر، لكن على من يوجّه هذه الملاحظات أن يدقق فيها.
- قد لا يهمّ الناس في المجتمع الخطط والاتفاقيات، بقدر ما يهمهم لمس نتائج حسيّة. وهذا لم يحدث بعد، فما المبرر؟
في استطلاعات للرأي أعدّت أخيراً، رأى الناس في العاصمة وفي مدن أخرى أن الأوضاع تحسّنت. صحيح أن المشكلات لم تحلّ بعد، لكنها قلّت بالفعل في خلال عامَين، أي منذ تشكيل حكومة الرئيس حسن روحاني. ونحن نعمل على تطبيق بعض الخطط، لكنها طويلة الأمد وعلى الإيرانيين إدراك ذلك. كل دول المنطقة تعاني من مشكلات شبيهة، خصوصاً العواصف والجفاف، والدول الخليجية في مقدّمتها. نحن لدينا خطط خاصة بالداخل الإيراني وأخرى نطبّقها مع دول أخرى. لكن ذلك يحتاج عوامل مساعدة كثيرة.
- قضيّة الجفاف تقلق الإيرانيين. وتحويل مسار الأنهر لحلّ مشكلة منطقة معينة، أدّت إلى مشكلات في مناطق أخرى. ومثال على ذلك نهر زاينده في أصفهان. أليست الحكومة مقصّرة؟
كلا. الحكومة ليست مقصّرة. على بلدية أصفهان وغيرها أن تصلح طرق الري والزراعة ومعالجة المشكلة. 92% من مياه البلاد تصرف على الزراعة، ولا بدّ من اتخاذ إجراءات حقيقية في هذا الشأن. ومشكلة الجفاف اليوم ترتبط بعوامل كثيرة، منها عدم الترشيد وعدم استخدام طرق حديثة في الري.
- لكن تحويل مسار الأنهار أدى إلى مشاكل أخرى. في أصفهان جسور تاريخية مسجّلة على قوائم منظمة "اليونسكو" وتجفيف النهر الذي تقوم عليه هذه الجسور يهدد بسقوط هذه الآثار...
نعم هذا صحيح، لكن الأولوية لمياه الشرب. لذا اتخذت هذه الخطوة في السابق. ومع هذا، تفتح المياه أحياناً في هذا النهر، وفي أنهر أخرى. وبهدف الحفاظ على الأنهر والبرك، يجب أن نجد طرقاً للري والزراعة ونعمل على ترشيد استخدام المياه وحل الأزمة المتفاقمة.
- في إيران تعانون أصلاً من الجفاف، وثمّة مشكلات تتعلق بتقسيم الأنهار بين المحافظات الإيرانية، وأيضاً ما بين إيران ودول مجاورة كأفغانستان. ألا يدفع المواطنون ثمن هذه السياسات في بعض المناطق، وإقليم سيستان بلوشستان مثالاً؟
في تلك المنطقة بالذات، تتحمّل أفغانستان مسؤولية أيضاً. نحن فتحنا حواراً حول نهر هامون المشترك بين البلدين، لكن العوامل الطبيعية الجغرافية أدّت إلى جفافه. ومع تشييد السدود والقنوات على مساره في أفغانستان، لا يصل إلى إيران من هذه المياه إلا القليل. جرى الاتفاق على اتخاذ خطوات مشتركة وبنّاءة لحلّ هذه الأزمة، لكن للحكومة هناك مشكلات تتعلق بالسياسة وهو ما يقف بوجه بعض الخطط.
- لكن اللوم في تقسيم بعض الأنهار وتحويل مسارها يوجَّه لكم كحكومة...
لا يمكن توجيه اللوم للحكومة بسبب التغيرات المناخية وانخفاض معدل المتساقطات بنسبة 14% هذا العام بالمقارنة مع العام السابق. ومن ينتقد الحكومة والبرلمان، عليه التركيز أيضاً على ما حدث في السنوات الماضية في عهد الحكومة السابقة التي ترأسها محمود أحمدي نجاد. أوج مشكلة الجفاف برزت آنذاك، وقد جفّت بحيرة أرومية وهي أبرز السطوح المائية، فضلاً عن تجفيف عدد من المنابع الأخرى. وهذه السياسات الخاطئة كلها وصلت إلى الحكومة الحالية كإرث ثقيل.
- بعدما تسلّمتِ منصبكِ هذا، شكّلت ملفاً للاعتراض على الإشعاعات الناجمة عن أجهزة التشويش على الأقمار الصناعية ودعوت إلى إيقافها. ونقل تقريرك إصابة عدد كبير من الإيرانيين بالسرطان بسبب هذه الإشعاعات. من يتحمل مسؤولية ذلك؟
ترتبط هذه الموجات بأجهزة البث وأجهزة تغطية شبكة المحمول وحتى أجهزة التشويش على الأقمار الصناعية، والتي تنتشر في بعض الأماكن السكنية. وعليها أن تراعي بعض المعايير حتى لا تؤثر على سلامة المواطنين، والسرطان واحد من أخطارها. لم نقدّم إحصائيات خاصة في الملف، لكن مؤسسة البيئة قدمت تحذيراً لوزارة الاتصالات ونبّهتها للأخطار ودعتها إلى الرقابة على هذه الأجهزة. الملف وصل إلى الوزارة، والحكومة تتابعه في الوقت الحالي. ليست وظيفة مؤسسة البيئة أن تعلم من المسؤول عن هذا الأمر أو مسببه. المهم حالياً هو إيقافه.
- كونك امرأة في الحكومة، ما رأيك بمنع دخول النساء الإيرانيات إلى الملاعب، وهي قضية شغلت الرأي العام؟
لا بدّ من الإشارة إلى أن النساء الإيرانيات استطعن النجاح في عدد من المجالات ولا سيّما في الرياضة، وقد نالت بعضهن ألقاباً وميداليات إقليمية وعالمية. كحكومة لا يمكن أن نقف في وجه طموح الإيرانيات، شريطة مراعاة بعض القوانين الإسلامية. أما بالنسبة إلى دخولهن إلى الملاعب، لا أعتقد أنه مطلب شعبي عام. هذا مطلب فئة معينة وشريحة معينة في المجتمع، والحكومة تختلف وجهة نظرها عن وجهة نظر عديد من المؤسسات المعارضة. نحن لسنا مع التشدد. الحكومة الحالية مع الاعتدال، ونحن نعمل لحلّ هذه المسألة بأقرب وقت من دون التسبب بمشكلات مع أطراف أخرى.
عندما اقتحمت السفارة الأميركيّة
في عام 1960، ولدت معصومة ابتكار في طهران، قبل أن تنتقل مع عائلتها إلى الولايات المتحدة الأميركيّة. هناك، عاشت طفولتها. وبعد عودتها إلى البلاد، شاركت في عمليّة اقتحام مبنى السفارة الأميركية، إبان انتصار الثورة الإسلاميّة في عام 1979. لم يكن دورها هامشياً، هي كانت المتحدثة الرسمية باسم الطلاب المقتحمين الذين أطلقوا أزمة الرهائن الأميركيّين الذين احتجزوهم لمدّة 444 يوماً. وقد وثّقت ابتكار تلك المرحلة في كتاب نُشر باللغة الإنجليزيّة في كندا.
اقرأ أيضاً: زهرة اعتضاد السلطنة.. إيرانيّة ترسمُ بقدميها وتدرّس الفنون للمعوّقين