تسبب أسبوع من القصف الشديد على الأحياء الشرقية لمدينة حلب، من قبل النظام السوري وحليفته روسيا، في وضع إنساني وطبي مزرٍ، بعدما سقط أكثر من 400 قتيل وحوالي 1400 جريح من المدنيين.
لم تكن المشافي في حلب خلال فترة الحصار التي بدأت قبل قرابة الشهرين، بحالة أفضل كثيراً مما هي عليه اليوم، لكن وضع الجرحى في الأيام الأخيرة، بات الأسوأ؛ لا سيما بعد انتقاء الكادر الطبي من جراحهم الأقل خطورة لإنقاذ حياتهم، على حساب الجرحى ذوي الحالات الخطرة.
ويأسف مدير صحة حلب التابعة للحكومة المؤقتة، عبد الباسط إبراهيم، في حديث لـ"العربي الجديد"، عن الواقع الأليم الذي جعل الأطباء في حلب، يضطرون لترك بعض الجرحى الذين يحتاجون لوقت طويل في سبيل إنقاذ أرواح بقية المصابين الأكثر أملاً في الحياة. ولم ينكر إبراهيم أنهم كأطباء يقدمون ما يستطيعون للجرحى على الرغم من عددهم الكبير، ولكنهم يعملون على مبدأ ترك الحالات الميؤوسة ريثما يتم علاج الإصابات الأقل خطراً.
من جهته، قال المديرالإداري في مستشفى الدقاق، علي أبو يمان، لـ"العربي الجديد"، "حين يصل المصابون بعد القصف إلى المستشفى، لا يكون لدي الوقت الكافي للتفكير بشيء سوى كيفية علاج هذا العدد، وبمن ينبغي أن نبدأ الإسعاف".
أكثر من 325 ألف مدني في حلب المحاصرة، قلما تجد عائلة أو أسرة لم يسقط فيها جريح جراء القصف، أو لا تجد فيها شخصا يعاني مرضا مزمنا، الأمر الذي جعل توحُّد جميع المدنيين على تأمين العلاج للحالات المرضية قبل الطعام والشراب، خصوصاً مع بدء افتقاد معظم الأدوية، وسط أمل الجميع بفتح ممر إنساني لإنقاذ حياة أولئك الذين ينازعون الموت.
وأوضح مدير صحة حلب، أنه "على الرغم من كل الصعوبات ما زلنا نطالب بممر إنساني لإخراج الجرحى والمرضى المدنيين الذين تردت أوضاعهم، خصوصاً الذين يعانون أمراضا مزمنة، لعلاجهم في إدلب أو الريف الشمالي".
وأضاف "هناك الكثير من الصعوبات في إيجاد مكان لاستشفاء الجرحى وأخصائي مناسب لكل حالة جراحية، خصوصاً مع قلة الأخصائيين في مستشفيات حلب". وأشار إلى أن "هناك حالات مرضية حرجة وإن لم نستطع تأمين ممر إنساني لأضحابها فقد يفارقون الحياة، كالمرضى الذين يحتاجون لوضع أجهزة تنفس، والحالات التي تحتاج لعناية جراحية أو قلبية".
وقال إبراهيم، إنه "على الرغم من استهداف المستشفيات من قبل الطيران الحربي لم تخرج عن الخدمة بشكل كامل، لكنها لم تعد قادرة على العمل بطاقتها القصوى، بعد خروج الطوابق العليا عن الخدمة، ما جعل الكوادر الطبية تلجأ إلى تلك السفلية والأقبية، الأمر الذي أثر على قدرة المستشفيات على استيعاب الجرحى".
وأوضح مدير مستشفى الدقاق، لـ"العربي الجديد"، أنه "يوجد حالياً مخزون احتياطي من السيرومات والأدوية، مع توافر للمسكنات بكميات قليلة"، متابعاً "تؤمن لنا مديرية الصحة التابعة للمعارضة حالياً الوقود اللازم لتشغيل الآلات اللازمة للعمليات وعلاج المرضى".
ومع زيادة الضغط وقلة الحيلة، وكثرة الإصابات بين المدنيين، اشترك معظم الناس في ذات الألم، وبات الإيثار سمة تميز أحياء حلب المحاصرة. ففي الوقت الذي يكون أحدهم مصاباً جراء القصف، يكون تفكيره متوجها لإسعاف الطفل الذي بجانبه قبله.
وروى أبو يمان قصة أثرت فيه خلال الأيام الماضية، حين قصف الطيران الحربي أحد المباني، قائلاً "توفيت في تلك الليلة زوجة أحدهم، وأطفاله كانوا لا يزالون تحت الأنقاض، وكان مصابا في قدمه بشظايا، ويعاني من نزف فيها، وعلى الرغم من ذلك لم يقبل أن أقوم بإسعافه وتضميد جراحه قبل أن أسعف الناس الذين قدموا معه، وتحمل آلامه قائلا: داوي الأولاد والنسوان أهم مني. كم كان صبره صبر الجبال!"