وكان السيسي وجّه حديثا للمؤسسات الدينية، خلال لقائه أمس، فيما أطلق عليه "لقاء الأسرة المصرية"، الذي ضم 107 من الشخصيات السياسية والحزبية والإعلامية، قائلا: "هناك من يقدم نفسه على أنه صاحب الدين، أنا مش ضد حد، وإحنا أكثر ناس مش بنصدق بعضنا"، داعيًا علماء الدين إلى الاجتماع "للبحث في كيفية إعادة الثقة بين المصريين".
وقالت وزارة الأوقاف المصرية، في بيانها اليوم، إن الأمسيات عن "سوء الظن" تأتي لمواجهة التحريض ضد علاقات مصر بالسعودية، وانتشار الشائعات التي تنال من العلاقات بين البلدين.
وأعلنت الأوقاف، عن 3 أمسيات دينية، يوم الأحد القادم، مع شباب وكبار العلماء، بعدد من أكبر المساجد في محافظات مصر، منها مسجد الفتح في القاهرة، ومسجد الدسوقي بكفر الشيخ، شمال مصر، ومسجد ناصر في أسيوط، جنوب مصر، تتناول موضوع "سوء الظن وأثره على الفرد والمجتمع".
وتمتد الأمسيات الدينية في ربوع ومساجد مصر ومحافظاتها، "نشرا لتعاليم الإسلام ومكارم الأخلاق وصحيح الدين"، بحسب البيان.
ومنذ أحداث 3 يوليو 2013، تشهد المؤسسات الدينية تماهيا مع النظام السياسي، بات مثارا للسخرية، من إصدار فتاوى مسيّسة، أشهرها فتوى شيخ الأزهر، أحمد الطيب، بتشبيه مُقاطِع الانتخابات البرلمانية في مصر، بـ"العاق لوالديه".
وفي أغسطس/آب الماضي، صدرت التعليمات لجميع الأئمة والخطباء، بإلقاء خطبة الجمعة عن فضائل مشروع قناة السويس، وما يعود به على الاقتصاد المصري من فوائد جمّة. وطُلب منهم أن يستذكروا النصر الذي تحقق للنبي محمد، في غزوة الخندق، تشبيهاً للخندق الذي حفره النبي وأتباعه بتوسعة القناة.
ودأبت مشيخة الأزهر على الدفع بأعضائها للإشادة بالنظام، ووصلت المبالغة في الثناء عليه إلى تشبيه السيسي بالأنبياء، وإصدار فتاوى ضد معارضيه، في توظيف للدين لخدمة السلطة.
وتعددت تصريحات الشيوخ المشيدة بالسيسي والمهاجمة لمعارضيه، كإجازة أستاذ الشريعة في الأزهر، عطية عبد الموجود، للرئيس أن يفقأ عيون المصريين إن كان ينفّذ في ذلك شرع الله. وأفتى أستاذ الشريعة الإسلامية في جامعة الأزهر، أحمد كريمة، بتجريم ترديد شعار "يسقط حكم العسكر".
وذهب أستاذ الفقه في جامعة الأزهر، سعد الدين الهلالي، إلى وصف السيسي ووزير الداخلية السابق، محمد إبراهيم، بأنهما "رسولان بعثهما الله لحماية الدين". وقال الهلالي، إن "الله بعث رجلين هما السيسي وإبراهيم، كما أرسل من قبل موسى وهارون".
كما وصف وكيل وزارة الأوقاف، سالم عبد الجليل، معارضي السيسي بأنهم "بغاة يجب قتلهم". وحرّض المفتي السابق، علي جمعة، علناً، على قتل المعتصمين في ميدانَي رابعة والنهضة، قائلاً، "طوبى لمن قتلهم وقتلوه". ثم لاحقاً، قال جمعة، خلال برنامجه التليفزيوني، إنّ "الأمير الآن يمثّله السيسي، يجب طاعته وعدم عصيانه"، مسترشداً بأحاديث نبوية.
أمّا وكيل وزارة الأوقاف المصرية، صبري عبادة، فأكّد، في مداخلة هاتفية مع برنامج تليفزيوني، أنّ "الأمر استقرّ، وتمّت البيعة لولي الأمر، وهو السيسي، والخروج عليه يعتبر خروجاً على ثوابت الإسلام"، مضيفاً أن "الصلاة دليل إيمان ولي الأمر، وبالتالي لا يجوز الخروج عليه بعدما استقرت له البيعة من خلال الانتخابات، وبيعة أهل الحل والعقد من كبار المشايخ، كما لا يجب الخروج عليه بأي عدوان، ومنها التظاهرات".
وتخطّى الأمر كل ما سبق ذكره، ليصبح الطلاق على الهوية في عهد السيسي، بنص فتوى إمام وخطيب مسجد عمر مكرم، مظهر شاهين، قائلاً، "كل زوج يجد زوجته تابعة للإخوان عليه أن يطلقها"، مكرّساً بذلك القطيعة المجتمعية التي يسعى إلى بثّها النظام الحالي ضد معارضيه.
وفي اليوم التالي لهذه الفتوى التي أثارت عاصفة من ردود الأفعال المستهجنة، خرجت عضوة لجنة السياسات في الحزب الوطني المنحل، عميدة كلية الدراسات الإسلامية بنات في جامعة الأزهر سابقاً، سعاد صالح، الملقبة بـ"مفتية النساء"، بفتوى تبيح "فسخ خطبة الشاب من خطيبته إذا كانت تنتمي إلى جماعة الإخوان"، بدعوى الحفاظ على الأسرة والدين ومصلحة العائلة والوطن.
وفي 9 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أجازت دار الإفتاء المصرية، دفع أموال الزكاة لإصلاح شبكات الصرف التي تعمل على تصريف مياه الأمطار المتراكمة، وكذلك دفعها لإنشاء مخيمات إيواء للمصابين في أحداث السيول التي أوْدت بمساكنهم، في محافظات الاسكندرية والبحيرة والدقهلية، شمالي مصر، خلال الشتاء الماضي.
ومنذ اعتلاء عبد الفتاح السيسي سُدة الحكم في مصر، عبر الانقلاب، حرص على استدعاء الدين، في محاولة للتأثير على قناعات الشعب المصري، الذي يتّجه بغالبيته إلى القيم الدينية، بوصفه شعباً يميل إلى أن يكون محافظاً.
كما ركّز السيسي في خطاباته على دور المؤسسة الدينية، مطالباً إياها بتجديد الخطاب الديني، وتحريره من قيود الظلامية، التي يلتحف بها معارضوه، كما يصوّرهم إعلامه، ولم يكتفِ باستخدام المؤسسة الدينية لشرعنة نظامه، وإنما لتقديم نفسه للعالم كرجل يعمل على تحديث و"عصرنة" الدين الإسلامي. وهذا ما جعل التيار اليميني في الولايات المتحدة، يشيد به ويثني عليه، بعدما دعا في خطابه إلى ثورة دينية في الإسلام.