الشارع الفلسطيني لم يهدأ بعد في مخيم عين الحلوة، غير أن مدخل الشارع فتح جزئيًّا تسهيلًا لحركة المرور، وبانتظار القرار الذي سيصدر بعد انعقاد اجتماع بين رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري ووزير العمل كميل أبو سليمان، ورئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني د. حسن منيمنة في السراي الحكومي، ظهر اليوم، لمناقشة موضوع أزمة اليد العاملة الفلسطينية في لبنان.
لكن الحاجة بدرة حوران ستبقى مؤيدة للاعتصامات إلى أن تنتهي القضية، وهي تقول: "كنت في السادسة من عمري حين خرجت من فلسطين مع أبي وأمي وإخوتي الثلاثة، كنت حينها صغيرة، ولم أعد أتذكر شيئا عن فلسطين، لكني ما زلت أذكر حادثة ضياع أخي الصغير، إذ إننا فقدناه ولم نجده، ورحنا نبحث عنه في كل مكان، غير أن جارتنا كان ابنها ينام تحت الشجرة، وذهبت لتطمئن عليه، وتغطيه بأوراق الشجر، وإذا بها تجد أخي الصغير ينام قرب ابنها تحت الشجرة، فنادت أمي وأخبرتها بالأمر، عندها حملت أمي أخي الصغير، وتوجهنا نحو الجنوب اللبناني هربا من الاعتداءات التي كان يقوم بها العدو الصهيوني".
وتتابع: "بعد أن وصلنا إلى الحدود اللبنانية، بقينا هناك عدة أيام ارتحنا فيها من عناء السير، وبعدها توجهنا إلى مخيم عين الحلوة، في جنوب لبنان، لنعيش في الخيام مدة طويلة، سنين لا أذكر عددها، هناك عشنا أياما صعبة، وكان أبي يعمل بالبساتين من أجل تأمين معيشتنا، ولم أتوفق في استكمال تعليمي الذي توقف من الصف الثاني الأساسي (...)".
لقد ماتت والدة الحاجة بدرة بفلسطين، وعاشت من دون أم، وبعدما كبرت تزوجت رجلًا كان ينتمي إلى حركة فتح: "كان بطلًا، ويخوض المسيرات الاحتجاجية لمصلحة الناس".
خرجت الحاجة بدرة مرتين للمشاركة في المسيرات التي تتعدى العشرين ألف شخص وأكثر، بحسب تقدير المشاركين. كانت تسير في مقدمة إحدى التظاهرات، تتكئ على عكازها الذي لا تستطيع المشي من دونه، كما أنها لا تستطيع الرؤية بشكل جيد، بسبب عملية أجرتها لعينها، غير أنها أصرت هي وأحفادها الصغار على المشاركة في الاعتصامات الاحتجاجية ضد قرار الوزير.
"بعد أن صدر هذا القرار تذكرت زوجي الذي كان يسير في المظاهرات المؤيدة لمطالب الشعب الفلسطيني، فقررت الخروج للمشاركة في الاعتصامات على الرغم من ضعفي وعدم مقدرتي، لكني قررت مؤازرة الشباب الذين يشعرون بغبن من هذا القرار الذي ينفذه وزير العمل اللبناني، فالشعب الفلسطيني منذ خروجه من فلسطين عاش مظلومًا ومقهورًا، ومحرومًا من حقوقه الإنسانية كافة، ومن مهن عديدة، فكيف بهذا القرار الظالم الذي يزيد الطين بلة".
وتتابع "الشعب الفلسطيني في المخيم بشبابه وشيبه، بنسائه وأطفاله، كله مشارك في هذه الاعتصامات، للمطالبة بإعطائه الحقوق المدنية، فالشباب بالأساس محكوم عليه البقاء في المخيم، عدا عن المضايقات التي تتم ضده عند الحواجز، فأتى هذا القرار ليقسم ظهورهم، فمن كان يحق له العمل بالبناء وغيره من الأعمال يحتاج اليوم إلى إجازة عمل، وهو بالأساس لا يستطيع الحصول عليها، ونحن نريد التأكيد أن أولادنا ولدوا هنا في لبنان، فأين سنذهب؟".
وتتابع "كما أن أحفادي يخرجون معي للمشاركة بالاعتصامات والمسيرات، لأنهم يشعرون أن مستقبلهم مهدد، وفؤاد الذي يبلغ من العمر تسع سنوات، وهو في الصف الثالث الأساسي، واحد منهم".
يقول لـ"العربي الجديد": "أتمنى أن أصير طبيبًا عندما أكبر، وأعلم أنني لن أستطيع تحقيق هذا الحلم في ظل هذه الظروف، ولهذا أنا أشارك في الاعتصامات، لأن الوزير اتخذ قرارًا ظالمًا بحقنا، وأتمنى أن يتراجع عنه".