تكثر الانتقادات حول عدم مواءمة قانون الضمان الاجتماعي بصيغته الحالية مع الواقع الفلسطيني، وهو ما يدفع المعنيين الذين يرون أنفسهم متضررين منه إلى اللجوء إلى الشارع والمطالبة بحقوقهم.
يستعدّ موظفون فلسطينيون كثر في القطاع الخاص للنزول إلى الشارع يوم الإثنين المقبل في الضفة الغربية، بهدف التظاهر رفضاً للصيغة الحالية لقانون الضمان الاجتماعي الخاص بهم والذي أقرّته الحكومة الفلسطينية أخيراً. ويأتي ذلك بالتزامن مع إصرار مؤسسة الضمان الاجتماعي في فلسطين على بدء تطبيق ذلك القانون إلزامياً مع مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
ومع اقتراب ذلك التاريخ، يحتدم الجدال بشأن القانون ومواده إذ إنّه بحسب الموظفين غير ملائم للواقع الفلسطيني. لكنّ مؤسسة الضمان الاجتماعي بحسب ما يفيد مديرها العام أسامة حرز الله "العربي الجديد"، سجّلت حتى الآن 150 منشأة وسجّلت العاملين فيها والذين يتخطّى عددهم 15 ألف موظف. يقول حرز الله إنّ "المؤسسة تستعد لإنفاذ قانون الضمان الاجتماعي بعد عامَين من المصادقة عليه بعد التعديلات التي أدخلت إليه، وبعد إعداد مؤسسة الضمان وكوادرها ولوائحها الداخلية، وبعد إعلامها المنشآت المختلفة بضرورة التسجّل لدى مؤسسة الضمان وتسجيل العاملين فيها قبل نهاية الشهر الجاري بصورة إلزامية". يضيف أنّه "بحلول الشهر المقبل، سوف تطلب المؤسسة من المشغّلين التصريح عن معلومات خاصة بالعاملين لديهم. وفي حال عدم التصريح بها، فإنّ مؤسسة الضمان الاجتماعي سوف تضطر إلى تطبيق القانون وسوف تفرض عقوبات على كل من يخالف القانون. ومن المفترض أن يشمل القانون العاملين في القطاع الخاص والذين يتجاوز عددهم 600 ألف وينطبق عليهم قانون العمل الفلسطيني".
ومع اقتراب موعد تطبيق القانون الإلزامي، راحت الآراء تكثر حول القانون وعدالته بالنسبة إلى الموظفين وحتى المشغلين، على الرغم من تأكيد مؤسسة الضمان الاجتماعي على لسان مديرها أنّ "القانون الجديد سوف يضمّ منافع مختلفة وأنّ ما يُثار حول القانون يشمل مغالطات عدّة. ومثل هذا القانون معمول به وبصورة إلزامية في كل دول العالم، وهو نظام حماية اجتماعية". ويشير حرز الله إلى أنّ "القانون الجديد يطاول كل شرائح المجتمع ولا شكّ في أن يضع القطاع الخاص ملاحظات عليه نتيجة عدم اطلاع معمّق على القانون والخدمات التي يمنحها".
ويؤكد حرز الله أنّ "قانون الضمان الاجتماعي صدر في عام 2016 بعد دراسات ونقاشات وحوارات وحراك واحتجاجات حوله، إلى أن أقرّ في شهر أكتوبر/ تشرين أول 2016، بعد تعديل عدد من مواده". ويدعو إلى "قراءة القانون وفهمه بصورة معمّقة، إذ إنّ أموراً كثيرة غير صحيحة تُثار حوله. ولا يأتي أيّ قانون من دون ملاحظات، في حين أنّه من شأن قانون الضمان الاجتماعي أن يدفع بعجلة التنمية والاستثمار في فلسطين لخلق نوع من الاستقرار".
تتزايد الانتقادات التي تطاول تطبيق القانون، وقد وصل الأمر إلى حدّ توجيه دعوات عدّة إلى التظاهر وتنظيم اعتصامات بالشارع في 15 أكتوبر/ تشرين الأوّل 2018 وسط مدينة رام الله. يقول الموظف في صندوق الاستثمار الفلسطيني عمر زريقي لـ"العربي الجديد": "نحن نعاني عدم وجود ضمان لمؤسسة الضمان، خصوصاً أنّنا دولة لا تحتمل أيّ خلل قد يحصل، ولا بدّ من حراك رافض لما يجري. نحن نطالب النقابات بالخروج على هذا القانون ليراعي حماية العامل والمشغل وليس لتحديد نسبة الخصم من راتب الموظف". ويشير زريقي إلى "مواد خادعة في القانون يجب توضيحها للناس".
من جهته، يرى المهندس محمود دبابسة الذي يعمل في قطاع تكنولوجيا المعلومات والإنترنت في مدينة رام الله، أنّ "قانون الضمان الاجتماعي في حاجة إلى مزيد من التعديلات. فالناس لم يكونوا على دراية ووعي بالقانون لأنّ ما جرى نقاشه كان من خلال النقابات. واليوم تُنظّم فعاليات رافضة للقانون، ونأمل أن تقود مؤسسات المجتمع المدني هذا الحراك". ويشير دبابسة لـ"العربي الجديد" إلى "ضرورة أن يكون القانون في الوقت الراهن على أقل تقدير، اختيارياً وليس إلزامياً".
هل يتضرّرون؟ (عصام الريماوي/ الأناضول) |
محمد القروي من المطالبين بعدالة القانون، يعمل في إحدى شركات الاتصالات والإنترنت الخاصة، يدعو من خلال "العربي الجديد"، الفصائل الفلسطينية ومنظمات المجتمع المدني إلى "تحمّل مسؤولياتها التاريخية" في ما يتعلّق بالقانون الذي "يمس الجميع". ويقول إنّ "قانون الضمان الاجتماعي يأتي في سياق عدم استقرار سياسي وفي ظل حكم تحت احتلال، وهو قانون غامض وفيه تضليل وظلم ونقاط غامضة تهدف إلى تنمية الاستثمارات الفلسطينية في خارج فلسطين". ويشدد القروي على أنّ "الشعب الفلسطيني يريد قانون ضمان اجتماعي يليق به كشعب يضحّي منذ 70 عاماً، ويليق بالأسير وأمّ الشهيد". ويتّهم النقابات الفلسطينية بالتقصير في متابعة ما آلت إليه الأمور المتعلقة بالقانون.
على الرغم من الحراك الرافض للقانون بصيغته الحالية، فإنّ عبد الله عابدة وهو محاسب في نقابة المهندسين الفلسطينيين، يؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ "قانون الضمان الاجتماعي هو قانون عالمي ومنظومة اجتماعية مكفولة دولياً، ونحن نريد مثل هذا القانون الذي ينمي الوضع الاجتماعي ويمنح المسنين أملاً ومستقبلاً". يضيف عابدة أنّه "في عام 2016، كانت ثمّة ملاحظات حول 21 نقطة، واللجنة الوزارية أخذت بمطالب الحراك حينها بنسبة 100 في المائة وتمّ تعديل القانون". ويرى أنّ "القانون بصيغته الحالية ملائم للحالة الفلسطينية على أن تكون تعديلات عليه بعد تطبيقه، لأنّ هذه المرحلة هي تجريبية. فالقانون وضع خطوطاً عريضة لآلية تنفيذه، ومن المفترض أن تضع إدارة المؤسسة لوائح داخلية في مراحل لاحقة".
ينصّ القانون على خصم 15.5 في المائة من راتب الموظف شهرياً بطريقة إلزامية، بطلب من مؤسسة الضمان الاجتماعي، 7.5 في المائة من العامل وثمانية في المائة من صاحب العمل (المشغّل)، ويتمّ اقتطاع المبلغ كاشتراك للضمان الاجتماعي مع احتساب متوسّط راتب السنوات الثلاث الأخيرة. وبحسب قانون الضمان الاجتماعي، فإنّ من شروط استحقاق راتب تقاعد الشيخوخة، بلوغ السنّ القانونية أي 60 عاماً وأن يكون الحدّ الأدنى لإجمالي اشتراكات الفرد الشهرية 180 اشتراكاً أي ما يعادل اشتراك 15 سنة.
يقول الخبير الاقتصادي جعفر صداقة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ثمّة ضرورة ملحّة مع زيادة في سوق العمل الفلسطيني عقب مرور نحو 24 عاماً على السلطة الفلسطينية. وغياب قانون الضمان الاجتماعي لفترة أطول سوف يؤدّي إلى عدد كبير من المسنّين من دون دخل وفي حاجة إلى إعاشة". ويشدد صدقة على أنّه "لا توجد جهة قادرة على القيام بمهمة توفير دخل مثلما تفعل صناديق التقاعد، فالدور الأبرز لتلك الصناديق هو تعزيز الاقتصاد الفلسطيني. بقاؤه على ما هو عليه اليوم لمدّة أطول، هو مخاطرة عليا. وما يجب فعله هو الاستفادة من تجارب دول العالم المتعلقة بإنشاء مثل هذه الصناديق والأخذ بعين الاعتبار خصوصية الوضع الفلسطيني".
ويرى صدقة أنّ "ثمّة ملاحظات جوهرية محقّة حول القانون، في حين تسجّل ملاحظات سطحية حوله لا تنظر إلى الفوائد الجمّة للنظام العام من قبيل ملاحظات منتقدي التي تقول إنّ صندوق الضمان سوف يسحب السيولة من السوق مع ما يتركه ذلك من أضرار. لكن الأمر في الحقيقة غير صحيح، إذ إنّ حجم الأموال في هذا الصندوق سوف يكون على شكل استثمارات". ويشير إلى أنّ "المشكلة الظاهرة حالياً هي انعدام الثقة بالمؤسسات الرسمية والشركات والمؤسسات التي تدّعي الدفاع عن حقوق الموظفين. نحن نعيش أزمة ثقة وثمّة نقاش حقيقي حول القانون".
تجدر الإشارة إلى أنّه وفق تصريحات سابقة لوزير العمل الفلسطيني، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الضمان الاجتماعي، مأمون أبو شهلا، فإنّ "منظومة الضمان الاجتماعي سوف تغطي سبعة أخطار تأمينية على مراحل متدرجة، تبدأ المرحلة الأولى منها بتنفيذ ثلاث منافع تأمينية (الشيخوخة، العجز والوفاة الطبيعيان، وإصابات العمل وأمراض المهنة، وتأمين الأمومة) تليها في مراحل لاحقة تأمينات ومنافع (تأمين المرض، والتأمين الصحي، وتأمين البطالة، وتأمين التعويضات العائلية).
"لا لمشروع الضمان الاجتماعي" (تويتر) |
يوضح الخبير القانوني داود درعاوي، وهو عضو مجلس نقابة المحامين الفلسطينيين، لـ"العربي الجديد"، أنّه "على الرغم من أهمية إصدار قانون ضمان اجتماعي وإنشاء مؤسسة تعنى بتنفيذه، فإنّ الأسباب الموجبة لإصداره والسياسة التشريعية له لم تكن منذ البداية على درجة عالية من الوضوح. ولا بدّ من إجراء تقييم واقعي للظروف الاقتصادية بهدف ضمان نجاح القانون". ويشير درعاوي إلى أنّ "فكرة إنشاء مؤسسة للضمان الاجتماعي كانت مرتبطة بالتعويضات العمالية للفلسطينيين العاملين لدى السلطات الإسرائيلية ما قبل اتفاقية أوسلو، أي منذ الاحتلال الإسرائيلي في عام 1967 وحتى قيام السلطة الوطنية الفلسطينية في عام 1994. وبحسب اتفاقية باريس الاقتصادية، فإنّ الأموال والمدّخرات الخاصة بأولئك الموظفين تحال إلى السلطة الفلسطينية إذا أنشأت مؤسسة مستقلة تعنى بموضوع الضمان الاجتماعي، وبالتالي صارت الفكرة أن يكون للصندوق ائتمانٌ ماليٌ من خلال أموال الموظفين التي قد تتجاوز عشرة مليارات شيقل (نحو ثلاثة مليارات دولار أميركي).
ويتابع درعاوي أنّ "قانون الضمان الاجتماعي جاء تهيئة لعملية إحالة تلك المبالغ، لكنّ الأمر تزامن مع واقع انسداد العملية السياسية، مع عدم توفّر قرار بإحالة المبالغ، بالإضافة إلى أنّ محامين بدأوا بتحصيل تلك المبالغ نيابة عن بعض الموظفين. وفي حال يُراد النجاح لهذا القانون وعدم تعرّضه إلى أزمة مالية، لا بدّ من توفير مبالغ كبيرة له، كان يُفترض أن تخصّصها الحكومة الفلسطينية من الموازنة العامة أو من خلال أموال الموظفين المشار إليها سابقاً أو مبلغ مالي من منظمة العمل الدولية. لكنّ صندوق الضمان بدأ من الصفر، وأيّ مبلغ قد يحوّل إليه من خلال الاتحاد الأوروبي سوف يكون ضئيلاً بالمقارنة مع حجم التزامات الصندوق وبالتالي تجعله في وضع خطر اقتصادياً".
ويلفت درعاوي إلى "غموض في بعض مواد القانون، إلى درجة أنّ بعضها أحيل إلى المحكمة الدستورية الفلسطينية لكي تفسّرها أو تشرح كيفية تطبيقها"، معيداً "غموض المواد إلى عملية نسخ قانون الضمان الأردني بنسبة 85 في المائة". يضيف أنّه "على الرغم من عملية النسخ تلك، فإنّ حجم الضمانات وسلّة الخدمات في قانون الضمان الأردني أكبر بكثير ممّا هي الحال في قانون الضمان الفلسطيني"، متابعاً أنّه "بعد تعديل النسخة الأولى من قانون الضمان الاجتماعي فإنّ المشكلة تكمن حالياً في الظروف التي تهيّئ لإنفاذ القانون أكثر منها مشكلة الإطار القانوني لقانون الضمان نفسه". وفي السياق، يؤكد درعاوي أنّ "الحكومة الفلسطينية تعاني عجزاً مالياً تراكمياً، ما يحدّ من حالة التفاؤل بشأن نجاح التطبيق على الرغم من وجود مواد إيجابية في القانون قد تؤسس لحماية العاملين. لكنّنا في حاجة إلى مزيد من الوقت لوضع إجابات منطقية ومقنعة من الناحية المالية والناحية التشريعية والناحية الحقوقية لتطبيق قانون الضمان وتجاوز بعض العقبات".