قبل فترة زمنيّة قصيرة، حصل علي الديري وزوجته وطفلاه على "لجوء مؤقت" لمدة عام في الدنمارك. لكن هذه العائلة التي عانت مشقات كثيرة لبلوغ شمال أوروبا، قد تجد نفسها مضطرة إلى إعادة توضيب أغراضها والاتجاه جواً نحو الجنوب، في حال عُمِل بالمقترح الأخير الذي طرحه حزب الشعب الدنماركي اليميني المتشدد في البرلمان الدنماركي.
واقتراح حزب "الشعب" المتزايد نفوذاً شعبياً وسياسياً، يقول بعقد اتفاقيات مع دول في أفريقيا لإقامة "مخيمات إيواء لاجئين على الطريقة الدنماركية"، في مقابل مساعدات مالية للدول النامية. يُذكر أن الحزب يشكل مع حزبين آخرين قاعدة برلمانية للحكومة الدنماركية. ويرى الحزب أن كينيا "القريبة من مناطق النزاع" مكان محتمل لاستقبال لاجئين حصلوا على إقامة دنماركية، على أن يقيّم سنوياً وضعهم الذي حصلوا عليه من كوبنهاغن.
ولقطع الطريق على الانتقادات التي يمكن أن تثار، والتي بدت خافتة من يمين الوسط وحتى من الليبراليين، صرّح مقرر شؤون الأجانب في حزب الشعب مارتن هينركسن للصحافة الدنماركية، بأن "لاجئي الكوتا الذين أحضروا عبر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يُستثنون. لكن ما يمكننا القيام به، هو بناء مخيمات نموذجية على الطريقة الدنماركية وبتسيير من كوبنهاغن، وتكون النظافة والطبابة متوفرتين مع الطعام وأسرّة النوم".
وعن هدف ترحيل من حصلوا على إقامات لجوء في البلاد، يقول هينركسن إن "من شأن ذلك تحويل البلاد إلى مكان غير جاذب لطلب اللجوء فيه. وتنخفض بالتالي طلبات اللجوء حين لا يحصل طالبوها على إقامات في البلد. وفي الوقت ذاته، نحافظ على تعهداتنا الدولية بمساعدة اللاجئين، إنما بطريقة أخرى".
تعليقاً على مقترح حزب الشعب، لفت عضو البرلمان الدنماركي عن اليسار نيكولاي فيلومسن إلى أن ما يرغب فيه الحزب (ويقوله مواربة) هو "جعل الدنمارك خالية من اللاجئين"، كأنه يقترح "عملية ترحيل جماعي بوجه إنساني".
وكينيا ليست بالضرورة المكان المحدّد بحسب مقترح الحزب، إذ "يمكن أن تكون تلك المخيمات في آسيا أو الشرق الأوسط. لكن من الطبيعي أن نناقش أمر كينيا كبلد يتلقى مساعدات خارجية من بلدنا".
اقرأ أيضاً: شنغن في خطر.. مواجهة اللجوء تهدد الحدود المفتوحة
لا يخفي اليمين الدنماركي المتشدد أن فكرته التي سبق أن طرحها قبل انتخابات صيف العام الماضي، استلهمها من "حكومة التحالف الليبرالي الوطني في أستراليا التي ترسل لاجئي القوارب إلى بابوا غينيا الجديدة ومخيمات في كمبوديا، إذا ما وافق اللاجئون على ذلك". وعلى الرغم من أن أستراليا تتعرض لانتقادات حادة من منظمات حقوقية دولية بسبب تعاملها المجحف مع طالبي اللجوء، إلا أن حزب الشعب لا يرى مشكلة في الأمر. وبحسب ما يراه، فإن الأمر "لن يكون اختيارياً للاجئين".
ويوضح المتخصص في حقوق الأجانب في جامعة أودنسه، بيتر ستاروب، لصحيفة "بيرلينغسكا" أن هذا "يخلق وضعاً قانونياً جديداً، لكنها مقترحات لا تتعارض مع القوانين والالتزامات الدولية". أضاف: "لم أرَ مثل هذه الحلول في السابق ولا أعرف مع ماذا يمكن أن تتعارض. المهم أن لا يوزّع اللاجئون حيث تمكن ملاحقتهم".
من جهته، يشير مكتب منظمة العفو الدولية في الدنمارك لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "لطالما حذّرنا من أجواء التشديد التي تجري، ونحذّر اليوم مرة أخرى من النموذج الذي يقترحه حزب الشعب الدنماركي". إلى ذلك، يستغرب حقوقيون كيفية إقحام كينيا في الأمر للمرة الثانية خلال عام، ويقول هؤلاء إن لكينيا مشاكلها في مسائل خرق حقوق الإنسان واستشراء الفساد فيها. كيف لدولة مثل الدنمارك في المراتب الأولى عالمياً في الشفافية وغياب الفساد، أن تقترح إرسال أناس منحتهم الحماية بالإقامة ولو كانت مؤقتة، إلى دولة تعاني من الفساد وقلة احترام حقوق الإنسان. ويقول المستشار القانوني في منظمة العفو الدولية كلاوس يوول: "لديك دولة من أغنى الدول في العالم تقوم بترتيبات لترحيل اللاجئين وطالبي اللجوء إلى أفقر دول العالم، فقط لأنها تريد التخلص منهم ومن مشاهدتهم في شوارعها".
المسألة لا تقف عند اقتراح حزب واحد متشدد، فالحزب الحاكم "فينسترا" يرى المقترح "مثيراً للاهتمام ويمكن النظر في الأمر"، من دون أن يفصح مباشرة عن تأييده. ووزيرة الدمج إنغا ستويبرغ التي باتت أقرب إلى تقرير سياسات الحكومة في اللجوء والهجرة، عقّبت إيجاباً بالقول: "لسنوات ونحن نعتقد بأنه علينا مساعدة اللاجئين أكثر في المناطق القريبة من بلادهم. لذلك، فإن ذلك المقترح مثير للاهتمام". الحزب الاجتماعي الديمقراطي، المفترض أنه معارض، عقب على المقترح قائلاً إنه "مقترح غير محترم".
والانتقادات الموجّهة إلى مقترحه لا تعبّر في الواقع عن مبدئية في صفوف أحزاب سياسية من يمين الوسط ولا حتى من الاجتماعي الديمقراطي. الأحد الماضي، خرجت مواقف سابقة لموقف الشعب، من أحزاب مختلفة بما فيها الديمقراطي المعارض والمحافظون، تفيد بأن تلك الأحزاب "باتت تشكل أغلبية برلمانية من خارج حكومة أقلية اليمين فينسترا، للدعوة إلى إقامة مخيمات لجوء دنماركية وأوروبية في مناطق جوار البلدان التي يفد منها هؤلاء اللاجئون إلى أوروبا".
اقرأ أيضاً: نشعر أنّنا في سجن مفتوح