تقترح الدنمارك فرض عقوبات جديدة بحقّ الأطفال في حال ارتكابهم جنحاً وجرائم، ما يلقى معارضة من قبل بعض المؤسسات المعنية بالأطفال. النقاش ما زال مستمرّاً، وتجري الحكومة دراسة لما هو معتمد في دول أوروبية أخرى.
"يمكن أن تكون العقوبة غسل سيارات الإطفاء لمدة شهرين". هذا ما يقوله وزير العدل الدنماركي سورن بابي بولسن في اقتراحه الجديد لتعديل العقوبات بحق اليافعين والأطفال الذين يرتكبون جنحاً أو جنايات، وذلك في سياق النقاش المتعلّق بتعزيز جهود مكافحة جنح الأحداث ما بين 10 و17 عاماً. حكومة يمين الوسط، بدعم من حزبي الشعب الدنماركي (أقصى اليمين) والاجتماعي الديموقراطي (يسار الوسط)، تتجه إلى منح "مجلس الجنايات الشبابي"، الذي يُؤسس لهذا الغرض، صلاحية إنزال عقوبة جديدة بحق هذه الفئة، في حال انتهكت قانون العقوبات.
المشرعون من الأحزاب السياسيّة الدنماركية يسعون إلى فرض عقوبة جسدية بحق الأطفال، من قبيل "تنظيف ما خربوه، أو تنظيف المجمعات السكنية التي يقطنون فيها، وغسل سيارات الإطفاء لثمانية أسابيع (في نهاية كل أسبوع لمدة شهرين)، وحتى لو كان سن هؤلاء 10 أعوام". ولا يكتفي المشرعون بمثل هذه العقوبات. في حال انتهاك الأحداث قوانين العقوبات بشكل خطير، يمكن إلحاقهم بـ "مؤسسات مغلقة"، بعيداً عن عائلاتهم والبيئات التي يعيشون فيها. ويهدف مجلس مكافحة الجنايات بين اليافعين إلى تنظيم تدريبات على مدى عامين لتحسين أحوال هؤلاء الأطفال. وفي حالات خاصة، قد يستمر الأمر أربعة أعوام، خصوصاً بالنسبة إلى مدخني الماريجوانا.
هذه المقترحات لا تحظى بتأييد التربويين أو المؤسسات المعنية بالأطفال، منها مؤسسة أوضاع الأطفال. ويرى مدير المنظمة راسموس كييلدال أن هذه الإجراءات فيها "انتهاك صارخ لحقوق الطفل". ويأتي اقتراح تشديد العقوبات في ظل استمرار أعمال العنف والجرائم وانتهاك قانون العقوبات من قبل الأطفال (ما بين 15 و17 عاماً)، وأحياناً أقل (8 و10 سنوات). وتستطيع البلديات، بحسب القوانين السائدة، اقتطاع بعض المساعدات التي تحصل عليها عائلاتهم، ويمكن لشركات الإسكان طرد العائلات من التجمعات السكنية في حال ارتكاب أحد أبنائها مخالفة، وانتزاع هؤلاء الأطفال المصنفين مرتكبي جنح وجرائم من عائلاتهم، ووضعهم في مؤسسات مغلقة.
وعلى الرغم من الانتقادات، في ظل تراجع نسب ارتكاب الجنح والجرائم بين هذه الفئة، سواء في الدنمارك أو أوروبا، يقول الباحث الاجتماعي آيدن سوي: "من الغريب التوجه لتشديد العقوبات، بدلاً من إنشاء نوادٍ أكبر، أو اللجوء إلى إجراءات أخرى مثل الحرمان من مصروف الجيب، وهي أكثر فاعلية". لكن الحكومة ماضية في إدخال تعديلات مشددة بحق الأطفال واليافعين.
وكانت الحكومات الدنماركية المتعاقبة منذ عام 2010، قد أدخلت تعديلات على قانون العقوبات، وخفضت سن الملاحقة القانونية في المرة الأولى إلى 15 سنة ثم إلى 14 سنة، ثم أعادته إلى 15 سنة. الآن، تعاود دراسة هؤلاء الأطفال، انطلاقاً من ارتكاب 1 في المائة منهم 44 في المائة من الجنايات والجنح.
ولترويج العقوبات بحق الأطفال، تقارن حكومة يمين الوسط مع قوانين أوروبية أخرى، في ظل غياب إجماع دولي حول سقف سن المسؤولية الجنائية. في غالبية الدول الأوروبية، بحسب الشبكة العالمية لحقوق الطفل، تتراوح هذه السن ما بين 14 و15 سنة. لكن في دول أخرى مثل فرنسا وهولندا وبلجيكا والمجر واليونان وتركيا، يمكن الحكم على الأطفال ما بين 12 و13 عاماً في حال ارتكبوا جرائم. وفي دول أوروبية أخرى مثل اسكتلندا وأيرلندا الشمالية وسويسرا، يمكن أن يلاحق الأطفال قانونياً حتى لو لم يبلغوا 12 عاماً. في اسكتلندا على سبيل المثال، يمكن لطفل في الثامنة أن يحمل في سجله الجنائي وصمة تبقى حتى يبلغ 12 عاماً، ويحاكم في حال ارتكابه جناية بعد ذلك. لكنّ معظم الدول التي تضع المسؤولية الجنائية على من هم في عمر 14 عاماً، يحولون إلى المحاكم فقط في حالات القتل أو الاغتصاب.
وتبيّن الإحصاءات انخفاض نسب الجنح والجنايات بين الأطفال. في عام 2006، حكم نحو 1903 يافعين ما بين 15 و17 بالسجن الفعلي ومع وقف التنفيذ، لينخفض الرقم إلى 965 في عام 2016. وفي الفترة الزمنية نفسها، انخفض عدد الغرامات المالية للفئة العمرية نفسها من 8473 إلى 3842. واستناداً إلى دراسة أعدتها وزارة العدل، شهد عام 2016 انخفاضاً في أعداد من سجلوا كمشتبهين أو كمرتكبي جنح من 10 إلى 17 عاماً بنحو 11487 حالة، بالمقارنة مع عام 2006، حين وصل الرقم إلى أكثر من 25 ألف حالة. اليوم، يجري التركيز على الفئة العمرية ما بين 10 و14 عاماً، على الرغم من انخفاض الجنح والجرائم الجنائية بينهم. وتراوح تلك الجنح ما بين السرقة وأعمال العنف والتهديد والتخريب. وارتكب نحو واحد في المائة من هؤلاء جرائم عنيفة كالسطو واقتحام المنازل بهدف السرقة، ما يسجّل انخفاضاً عن عام 2005، إذ كانت النسبة نحو 4 في المائة.
مُرتكبو هذه الجرائم في الدنمارك يتحدرون من خلفيات اجتماعية مختلفة. منهم من ينتمي إلى عائلات ثرية وأخرى فقيرة، وقد يكونون دنماركيين أو من أصول مهاجرة. وبحسب الإحصاء الدنماركي الرسمي، غالبيّة هؤلاء ذكور. وتفيد أرقام وزارة العدل الدنماركية بأن 89 في المائة من الجرائم المسجلة بين الأطفال ارتكبها صبية، كما أن 10 في المائة من تلك الجرائم ارتكبتها الفئة العمرية ما بين 10 و13 عاماً. أرقام وزارة العدل والإحصاء الدنماركي تفيد أيضاً بأن غالبية الشبان من أصل دنماركي، و9 في المائة فقط مهاجرون، و24 في المائة من أصول مهاجرة.