مع اقتراب موعد امتحانات منتصف العام الدراسي في مصر، اشتعلت بدلات الدروس الخصوصية في مراحل التعليم المختلفة (ما قبل الجامعي)، فسُجّلت أسعار خيالية لم يسبق لها مثيل. يأتي ذلك في ظل فشل وزارة التربية والتعليم في السيطرة على هذه الظاهرة، وفي حين استحدث عدد كبير من المدرّسين، هذا العام، ملازم ومذكرات لمراجعة جميع المواد تكون إلزامية للتلاميذ، في مقابل مبالغ مادية تتراوح ما بين 30 و40 جنيهاً مصرياً للمادة الواحدة.
على الرغم من تحديد موعد هذه الامتحانات في أوائل يناير/ كانون الثاني الجاري، إلا أن عدداً كبيراً من المدارس لم تتسلم كتب الوزارة حتى اليوم. وتكثر شكاوى التلاميذ وأولياء أمورهم، في حين أن مدارس كثيرة من دون مدرّسين، خصوصاً مواد اللغة الإنجليزية واللغة الفرنسية وعلم الأحياء.
وتأتي الدروس الخصوصية كمشكلة مؤرقة لكل أسرة مصرية أبناؤها على المقاعد الدراسية، نظراً لما تمثله من عبء على ميزانيتها. ويُضاف ذلك إلى متطلبات الإنفاق الأخرى التي تزيد مع الغلاء في البلاد. وتختلف بدلات الدروس الخصوصية من محافظة إلى أخرى، وكذلك بين القرية والمدينة. كذلك تختلف بدلات الدروس الخصوصية في المراكز أو "السنتر" عن تلك التي تنظم في الشقق وفي منازل التلاميذ. في الأولى، هي الأقل ثمناً مع ازدياد عدد التلاميذ. يُذكر أن في الثانية، تعمد مجموعة من المدرّسين إلى استئجار شقة مكونة من غرفتين أو ثلاث لاستقبال التلاميذ فيها. أما الأخيرة وهي الدروس في منازل التلاميذ، فهي الأعلى ثمناً مع أقل عدد من طالبي العلم. لا يزيد عدد المجموعة الواحدة عن أربعة تلاميذ للحصة الواحدة، وتكون عادة مخصصة لأولاد الأغنياء.
ويفرض عدد كبير من المدرّسين على التلاميذ مذكرات بأسعار مرتفعة يطلقون عليها "ليلة الامتحانات"، على الرغم من عدم احتوائها على المنهاج كاملاً، بالإضافة إلى كتب خارجية للتدريب. من جهة أخرى، لا يذهب التلاميذ إلى المدارس قبل الامتحانات بالاتفاق مع الإدارة، حتى لا يُغيّبوا أو يُفصلوا، كذلك لا يداوم المدرّسون سواء في المؤسسات التربوية الحكومية أو الخاصة قبل الامتحانات حتى يتمكّنوا من تركيز جهودهم على الدروس الخصوصية.
إلى ذلك، يعيد بعض أولياء الأمور والمسؤولين في المراكز التعليمية ارتفاع البدلات إلى قلة عدد المدرّسين في حين يزداد عدد التلاميذ الراغبين في الحصول على دروس في كل المراحل وفي المدارس الحكومية والخاصة وفي جميع المواد. أمام فشل وزارة التربية والتعليم في مواجهة الدروس الخصوصية، يفضّل أولياء الأمور الدروس الخصوصية لعدم توفّر تدريس مناسب في داخل المدارس، بحسب ما يقولون.
فاطمة البدري (ربّة منزل) تحلم أن يصبح ابنها ذا شأن، بعد تخرّجه. هو تلميذ في المرحلة الأولى من الثانوية العامة، لذا عمدت إلى بيع بعض أثاثها لتحمّل كلفة الدروس الخصوصية. أما فايزة أحمد (موظفة) فتشكّل مع عدد من أولياء أمور آخرين، جمعيات في كل عام لمواجهة أزمة الدروس الخصوصية. وأحمد أمّ لثلاثة تلاميذ في مراحل مختلفة من التعليم، "أسعى إلى حجز الدروس الخصوصية مع المدرّسين قبل بداية العام الدراسي بشهرين".
اقرأ أيضاً: مدارس مصرية... مبانٍ متهالكة وجحور ثعابين
من جهته، يطالب عمر عبدالرحيم (مهندس) "الحكومة ممثلةً في وزارة التربية والتعليم بالضرب بيد من حديد لمواجهة هذا الغول الذي استفحل بشكل بغيض". ويشدّد على "ضرورة تفعيل القوانين الخاصة بمنع الدروس الخصوصية، ومعقابة المدرّسين الذين يثبت عليهم تورّطهم". أما عبد الفتاح طنطاوي (متقاعد) فيرى أن الدروس الخصوصية "مهمة للغاية. لا يوجد منزل لا يعتمد عليها، بسبب سوء أداء المدرسين داخل الفصول في المدارس. وهو الأمر الذي يتطلب من وزارة التربية والتعليم، مراقبة المدرسين وتقييمهم. وهذا لن يتم إلا من خلال التواصل مع التلاميذ". ويشير إلى إمكانية اختفاء هذه الظاهرة، شريطة إصلاح العملية التعليمية وتطويرها في المدارس".
بالنسبة إلى حسين بكري (موظف) فإن الدروس الخصوصية أصبحت "نوعاً من الترف الاجتماعي ولها آثار اجتماعية خطيرة. ومن سلبياتها اعتماد التلاميذ على المدرّسين الخصوصيين فقط، وتعوّدهم على الاتكالية والخمول. كذلك لها آثار اقتصادية على أولياء الأمور والأسرة عموماً، فالمدرّسون يطلبون مبالغ طائلة". أما ليلى سعيد (موظفة) فتقول إن "الحالة العامة تدهورت في مدارس مصر، لدرجة أن بعض مديري المدارس يسهلون الدروس الخصوصية ويتعاونون مع المدرّسين. والنتيجة أن التلميذ الفقير يضطر إلى طلب الدروس الخصوصية بأي ثمن، إذ لا أمل في الاستفادة من مدرّس يأتي مجهداً إلى حصصه، أو يعتذر عنها ليشغلها عنه زميله حتى ينتهي هو من دروسه الخصوصية".
في السياق ذاته، يرى الدكتور محمد سعيد زيدان، وهو أستاذ المناهج التربوية في جامعة حلوان، أن "الدروس الخصوصية أصبحت تستنزف السيولة في مصر اليوم. لذلك، فإن القضية في حاجة إلى تشخيص دقيق ومواجهة فورية، عبر توسيع أبنية المدارس أو ضم أبنية أخرى إليها، والاستعانة بفترات الأنشطة في مراكز الشباب لشغل الفصول، وكذلك زيادة الأجور". ويقول إنه "لمواجهة الدروس الخصوصية، يجب أن نضع نصب أعيننا أنها كارثة. ومواجهة الكوارث تحتاج إلى حلول غير تقليدية، لأن الدروس في حد ذاتها تدمير للمجتمع والوطن ومستقبل الأبناء، خصوصاً أنها تعتمد على الحفظ والتلقين وليست دافعاً للفكر والإبداع. بالتالي هي تضر بالطالب ضرراً بالغاً وكذلك بالعملية التعليمية، ويكون فيها المدرّس هو مصدر المعرفة الوحيد للتلميذ، فتقضي على ثقافة الفهم والاستنتاج والذكاء". ويشير إلى أن "عدد المدرّسين الذين يعطون دروساً خصوصية يبلغ نحو 300 ألف مدرّس، لا يمتلك إلا نصفهم ملفات ضريبية، وهم لم يسددوا إلا 150 مليون جنيه، أي بمعدل ألف جنيه للواحد فقط في العام. وذلك على الرغم من أن عائدات بعضهم تصل إلى مليون جنيه في المتوسط، وهم بمعظمهم لا يهتمون بخصومات من مرتباتهم أو بغيابهم، ويحصلون على إجازات مرضية لقاء مبالغ كبيرة".
اقرأ أيضاً: لا أساتذة في مدارس مصر