تعيش اليونان منذ سنوات على وقع أزمات مالية كبيرة، ليزيد كورونا من أعباء البلاد. لكنّ أثينا اختارت إنقاذ أرواح مواطنيها في سياسة إغلاق سريعة، على العكس من إيطاليا وإسبانيا
عاشت اليونان فترة طويلة على أنّها "الرجل المريض" في الاتحاد الأوروبي، اقتصادياً ومالياً، بسبب حالة الإفلاس وتراكم الدين العام منذ عام 2011، لكنّ تجربة هذا البلد المتوسطي مع فيروس كورونا الجديد تثير اهتمام الأوروبيين الذين فشلت بعض دولهم في ما نجحت أثينا فيه، تحديداً لناحية تخفيض نسب الوفيات، مقارنة بجارتيها في حوض المتوسط إيطاليا وإسبانيا.
في هذا البلد السياحي، أصيب أقل من 2700 شخص بفيروس كورونا الجديد، حتى يوم أمس، تُوفي منهم 150 فقط، من بين أكثر من 10 ملايين نسمة، بالرغم من انتشار الوباء منذ أشهر في القارة الأوروبية. وهذا ما يترك الأوروبيين متفاجئين "بل حتى اليونانيون أنفسهم فوجئوا بأنّ الأمور سارت بشكل أفضل عندهم"، بحسب أستاذ علم السياسة في جامعة "هلسنكي" الفنلندية، تاكيس باباس، اليوناني الأصل، في حديث صحافي.
في ما يبدو، فإنّ سياسيي اليونان بجناحيهم، اليساري المعارض ويمين الوسط الحاكم، يعود لهم الفضل في الحدّ من تأثير الوباء على البلاد. ويعيده باباس إلى "تغير ثقافة السياسيين، فاليونانيون رفضوا في انتخابات العام الماضي حكومة من سياسيين شعبويين، وبالتالي لدينا اليوم سياسيون استمعوا جيدا للخبراء، الذين يعرفون عما يتحدثون بدلاً من السياسات الأيديولوجية". في هذا المجال، يشير الخبير في سياسات اليونان، إلى رئيس الوزراء السابق، أليكسس تسيبراس، وحزبه "سيريزا". فقد بدأ تسيبراس حياته السياسية في أقصى اليسار، قبل أن يتحول بمرور الوقت، خصوصاً خلال السنوات الخمس في الحكم، نحو الوسط. وبخطاب شعبوي، خسر الحكم أمام منافسه كيرياكوس ميتسوتاكيس، الذي مثل يمين الوسط التقليدي في البلاد. وبعيداً عن تعقيدات المشهد السياسي في اليونان، والأخبار السيئة دائما للأوروبيين بعيد أزمة اليورو وتضخم الديون والزيادة الهائلة في طوابير البطالة، يبدو أنّ أخبار محاصرة الوباء مؤشر على حالة يونانية مختلفة هذه المرة عن الأخبار السابقة التي دائماً ما ارتبطت بحكومة غير ناجحة.
وبينما عجزت حكومات حول العالم عن مواجهة الجائحة؛ من الولايات المتحدة إلى البرازيل وبريطانيا وإسبانيا وغيرها، مثلت سرعة استجابة السياسيين اليونانيين مع الاستماع للخبراء، حداً فاصلاً وفارقاً، في حماية أرواح آلاف البشر. فقد ذهب تقرير من مركز الأبحاث الفرنسي "ذا بريدج" إلى اعتبار اليونان البلد الأوروبي الأكثر نجاحاً في جعل منحنى العدوى منخفضاً "ويعود الفضل في ذلك إلى الإسراع والتشدد في احتواء الوباء". ونظراً لتلك الاستجابة، فقد كانت اليونان خارج السياق العام لأخبار الموت الذي ينتشر في دول الاتحاد الأوروبي، وهو ما يخلق حالة تفاؤل لدى اليونانيين الذين عاشوا سنوات على وقع أزمات متلاحقة. وبحسب دراسة لمعهد الدراسات اليونانية في أثينا "ديانوسيس"، فإنّ نسبة اليونانيين الذين يشعرون بتفاؤل تجاه مستقبلهم زادت عشر نقاط في أثناء أزمة كورونا، مقارنة بالفترة السابقة لانتشار الجائحة، مع ملاحظة تراجع نسبة الذين شعروا بعدم يقين حول بلدهم.
اقــرأ أيضاً
وشكلت سرعة الاستجابة الأساس لنجاح تجربة اليونان في مواجهة الجائحة. وبالمقارنة مع إيطاليا وإسبانيا، فإنّ أثينا سجلت أول إصابة يوم 26 فبراير/شباط الماضي، ولم يمضِ سوى بضعة أيام حتى طبقت سياسة إغلاق داخلية وحدودية، وسجلت أول وفاة في 12 مارس/آذار الماضي، فيما لم تذهب روما إلى الإغلاق إلاّ بعد مرور 11 يوماً، أما إسبانيا فانتظرت 30 يوماً من تسجيل أولى الإصابات بكورونا. ولم تنتظر أثينا طويلاً لإغلاق المدارس وذهبت خلال أربعة أيام إلى إغلاق المحال التجارية باستثناء الغذائية، وانتظرت إيطاليا 18 يوماً وإسبانيا شهراً كاملاً قبل اتخاذ الخطوة نفسها، بعد تسجيل أولى الوفيات فقط. وبالرغم من الاختلاف بين بلد وآخر لناحية الفحوص وتسجيل الإصابات، كان من الواضح أنّ الأشهر الماضية وضعت البلدين اللذين تأخرا في الإجراءات في المراتب الأولى لأقسى حالات مواجهة الجائحة، بما يفوق 200 ألف إصابة وعشرات آلاف الوفيات في البلدين. ومقارنة الأرقام تعطي أيضاً نتيجة واضحة في قياس نسب الوفيات إلى عدد السكان، ففي حين بلغت النسبة في إسبانيا نحو 560 في كلّ مليون نسمة، و506 في كلّ مليون في إيطاليا، فإنّ اليونان لم تسجل سوى 15 وفاة في كلّ مليون نسمة. وتتجاوز دول إسكندينافية متقدمة اقتصادياً وصحياً على اليونان هذا البلد الذي يعاني اقتصادياً في مجال الوفيات بكورونا نسبة إلى عدد السكان. فعلى سبيل المثال وصلت النسبة في الدنمارك إلى 89 وفاة لكلّ مليون نسمة، ووصلت في السويد إلى أكثر من 300 وفاة في كلّ مليون نسمة، فيما تتصدر بلجيكا أوروبا في هذا المجال، إذ فاقت النسبة 725 وفاة في كلّ مليون نسمة، وفقاً لتقرير "مجلة الصحة" الدنماركية في تقريرها يوم الخميس الماضي.
ومن الواضح أنّ أثينا استجابت سريعاً في فهم ما يجري لدى إسبانيا التي واصلت الحياة بالرغم من مخاطر الانتشار. فمدريد، بالرغم من انتشار خطر الوباء، منحت تصريحاً للاحتفال الجماهيري بيوم المرأة العالمي في 8 مارس/آذار الماضي، بمشاركة نحو 100 ألف إنسان في شوارع المدينة، بدلاً من انتهاج سياسة إغلاق وتباعد اجتماعي، وظلت الطائرات تحط في معظم مدنها، بما فيها تلك السياحية، كمطار ملقا في الجنوب، وبرشلونة، والعاصمة مدريد.
يعيد البعض إيجابية اليونانيين وتفاؤلهم في النظر إلى وضعهم بالرغم من كورونا، إلى تلقّي البلاد دعماً أوروبياً، معنوياً ومادياً، في الوقت الذي كانت تواجه فيه تفشي الوباء. وبالعودة إلى فبراير/شباط الماضي، واجهت اليونان بعنف محاولات المهاجرين دخولها عبر الحدود التركية، ما عرّضها لانتقادات حقوقية وأممية. لكن، زادت جرعة ثقة اليونانيين بأنفسهم بعدما اعتبرت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، في نهاية الشهر نفسه، اليونان "درع أوروبا".
وبالرغم من ذلك، فإنّ الإغلاق اليوناني، بالإضافة إلى أزمات الاقتصاد والبطالة، سيزيد الأعباء المالية، لكنّه وفقاً لتصريحات الحكومة فإنّه لم تكن ثمة خيارات أخرى لدى بلد يعاني نظامه الصحي من سياسات التقشف كبقية القطاعات، ولم يكن في البلاد أكثر من 560 سرير عناية مركزة (مقابل 4400 سرير في إسبانيا التي احتاجت إلى مزيد من المستشفيات والدعم) مع نقص في كلّ التجهيزات التي تنافس العالم للسطو عليها. وبذلك، توافق السياسيون اليونانيون من جميع الاتجاهات على أنّ إنقاذ أرواح المواطنين أهم من الاقتصاد حالياً، ما حقق علامة النجاح اليونانية البارزة أوروبياً في مكافحة كورونا.
البطالة المتوقعة 26 في المائة
يعترف السياسيون اليونانيون أنّ تكاليف الإغلاق هائلة جداً على اقتصاد مرهق. ويقدّر صندوق النقد الدولي أن ينكمش الناتج المحلي لليونان بنحو 10 في المائة لهذا العام، وهو أكبر انكماش في منطقة اليورو، إلى جانب تسجيل زيادة في نسبة البطالة، إذ ستصل إلى نحو 26 في المائة مقابل 16 في المائة في يناير/ كانون الثاني الماضي.
عاشت اليونان فترة طويلة على أنّها "الرجل المريض" في الاتحاد الأوروبي، اقتصادياً ومالياً، بسبب حالة الإفلاس وتراكم الدين العام منذ عام 2011، لكنّ تجربة هذا البلد المتوسطي مع فيروس كورونا الجديد تثير اهتمام الأوروبيين الذين فشلت بعض دولهم في ما نجحت أثينا فيه، تحديداً لناحية تخفيض نسب الوفيات، مقارنة بجارتيها في حوض المتوسط إيطاليا وإسبانيا.
في هذا البلد السياحي، أصيب أقل من 2700 شخص بفيروس كورونا الجديد، حتى يوم أمس، تُوفي منهم 150 فقط، من بين أكثر من 10 ملايين نسمة، بالرغم من انتشار الوباء منذ أشهر في القارة الأوروبية. وهذا ما يترك الأوروبيين متفاجئين "بل حتى اليونانيون أنفسهم فوجئوا بأنّ الأمور سارت بشكل أفضل عندهم"، بحسب أستاذ علم السياسة في جامعة "هلسنكي" الفنلندية، تاكيس باباس، اليوناني الأصل، في حديث صحافي.
في ما يبدو، فإنّ سياسيي اليونان بجناحيهم، اليساري المعارض ويمين الوسط الحاكم، يعود لهم الفضل في الحدّ من تأثير الوباء على البلاد. ويعيده باباس إلى "تغير ثقافة السياسيين، فاليونانيون رفضوا في انتخابات العام الماضي حكومة من سياسيين شعبويين، وبالتالي لدينا اليوم سياسيون استمعوا جيدا للخبراء، الذين يعرفون عما يتحدثون بدلاً من السياسات الأيديولوجية". في هذا المجال، يشير الخبير في سياسات اليونان، إلى رئيس الوزراء السابق، أليكسس تسيبراس، وحزبه "سيريزا". فقد بدأ تسيبراس حياته السياسية في أقصى اليسار، قبل أن يتحول بمرور الوقت، خصوصاً خلال السنوات الخمس في الحكم، نحو الوسط. وبخطاب شعبوي، خسر الحكم أمام منافسه كيرياكوس ميتسوتاكيس، الذي مثل يمين الوسط التقليدي في البلاد. وبعيداً عن تعقيدات المشهد السياسي في اليونان، والأخبار السيئة دائما للأوروبيين بعيد أزمة اليورو وتضخم الديون والزيادة الهائلة في طوابير البطالة، يبدو أنّ أخبار محاصرة الوباء مؤشر على حالة يونانية مختلفة هذه المرة عن الأخبار السابقة التي دائماً ما ارتبطت بحكومة غير ناجحة.
وبينما عجزت حكومات حول العالم عن مواجهة الجائحة؛ من الولايات المتحدة إلى البرازيل وبريطانيا وإسبانيا وغيرها، مثلت سرعة استجابة السياسيين اليونانيين مع الاستماع للخبراء، حداً فاصلاً وفارقاً، في حماية أرواح آلاف البشر. فقد ذهب تقرير من مركز الأبحاث الفرنسي "ذا بريدج" إلى اعتبار اليونان البلد الأوروبي الأكثر نجاحاً في جعل منحنى العدوى منخفضاً "ويعود الفضل في ذلك إلى الإسراع والتشدد في احتواء الوباء". ونظراً لتلك الاستجابة، فقد كانت اليونان خارج السياق العام لأخبار الموت الذي ينتشر في دول الاتحاد الأوروبي، وهو ما يخلق حالة تفاؤل لدى اليونانيين الذين عاشوا سنوات على وقع أزمات متلاحقة. وبحسب دراسة لمعهد الدراسات اليونانية في أثينا "ديانوسيس"، فإنّ نسبة اليونانيين الذين يشعرون بتفاؤل تجاه مستقبلهم زادت عشر نقاط في أثناء أزمة كورونا، مقارنة بالفترة السابقة لانتشار الجائحة، مع ملاحظة تراجع نسبة الذين شعروا بعدم يقين حول بلدهم.
وشكلت سرعة الاستجابة الأساس لنجاح تجربة اليونان في مواجهة الجائحة. وبالمقارنة مع إيطاليا وإسبانيا، فإنّ أثينا سجلت أول إصابة يوم 26 فبراير/شباط الماضي، ولم يمضِ سوى بضعة أيام حتى طبقت سياسة إغلاق داخلية وحدودية، وسجلت أول وفاة في 12 مارس/آذار الماضي، فيما لم تذهب روما إلى الإغلاق إلاّ بعد مرور 11 يوماً، أما إسبانيا فانتظرت 30 يوماً من تسجيل أولى الإصابات بكورونا. ولم تنتظر أثينا طويلاً لإغلاق المدارس وذهبت خلال أربعة أيام إلى إغلاق المحال التجارية باستثناء الغذائية، وانتظرت إيطاليا 18 يوماً وإسبانيا شهراً كاملاً قبل اتخاذ الخطوة نفسها، بعد تسجيل أولى الوفيات فقط. وبالرغم من الاختلاف بين بلد وآخر لناحية الفحوص وتسجيل الإصابات، كان من الواضح أنّ الأشهر الماضية وضعت البلدين اللذين تأخرا في الإجراءات في المراتب الأولى لأقسى حالات مواجهة الجائحة، بما يفوق 200 ألف إصابة وعشرات آلاف الوفيات في البلدين. ومقارنة الأرقام تعطي أيضاً نتيجة واضحة في قياس نسب الوفيات إلى عدد السكان، ففي حين بلغت النسبة في إسبانيا نحو 560 في كلّ مليون نسمة، و506 في كلّ مليون في إيطاليا، فإنّ اليونان لم تسجل سوى 15 وفاة في كلّ مليون نسمة. وتتجاوز دول إسكندينافية متقدمة اقتصادياً وصحياً على اليونان هذا البلد الذي يعاني اقتصادياً في مجال الوفيات بكورونا نسبة إلى عدد السكان. فعلى سبيل المثال وصلت النسبة في الدنمارك إلى 89 وفاة لكلّ مليون نسمة، ووصلت في السويد إلى أكثر من 300 وفاة في كلّ مليون نسمة، فيما تتصدر بلجيكا أوروبا في هذا المجال، إذ فاقت النسبة 725 وفاة في كلّ مليون نسمة، وفقاً لتقرير "مجلة الصحة" الدنماركية في تقريرها يوم الخميس الماضي.
ومن الواضح أنّ أثينا استجابت سريعاً في فهم ما يجري لدى إسبانيا التي واصلت الحياة بالرغم من مخاطر الانتشار. فمدريد، بالرغم من انتشار خطر الوباء، منحت تصريحاً للاحتفال الجماهيري بيوم المرأة العالمي في 8 مارس/آذار الماضي، بمشاركة نحو 100 ألف إنسان في شوارع المدينة، بدلاً من انتهاج سياسة إغلاق وتباعد اجتماعي، وظلت الطائرات تحط في معظم مدنها، بما فيها تلك السياحية، كمطار ملقا في الجنوب، وبرشلونة، والعاصمة مدريد.
يعيد البعض إيجابية اليونانيين وتفاؤلهم في النظر إلى وضعهم بالرغم من كورونا، إلى تلقّي البلاد دعماً أوروبياً، معنوياً ومادياً، في الوقت الذي كانت تواجه فيه تفشي الوباء. وبالعودة إلى فبراير/شباط الماضي، واجهت اليونان بعنف محاولات المهاجرين دخولها عبر الحدود التركية، ما عرّضها لانتقادات حقوقية وأممية. لكن، زادت جرعة ثقة اليونانيين بأنفسهم بعدما اعتبرت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، في نهاية الشهر نفسه، اليونان "درع أوروبا".
وبالرغم من ذلك، فإنّ الإغلاق اليوناني، بالإضافة إلى أزمات الاقتصاد والبطالة، سيزيد الأعباء المالية، لكنّه وفقاً لتصريحات الحكومة فإنّه لم تكن ثمة خيارات أخرى لدى بلد يعاني نظامه الصحي من سياسات التقشف كبقية القطاعات، ولم يكن في البلاد أكثر من 560 سرير عناية مركزة (مقابل 4400 سرير في إسبانيا التي احتاجت إلى مزيد من المستشفيات والدعم) مع نقص في كلّ التجهيزات التي تنافس العالم للسطو عليها. وبذلك، توافق السياسيون اليونانيون من جميع الاتجاهات على أنّ إنقاذ أرواح المواطنين أهم من الاقتصاد حالياً، ما حقق علامة النجاح اليونانية البارزة أوروبياً في مكافحة كورونا.
البطالة المتوقعة 26 في المائة
يعترف السياسيون اليونانيون أنّ تكاليف الإغلاق هائلة جداً على اقتصاد مرهق. ويقدّر صندوق النقد الدولي أن ينكمش الناتج المحلي لليونان بنحو 10 في المائة لهذا العام، وهو أكبر انكماش في منطقة اليورو، إلى جانب تسجيل زيادة في نسبة البطالة، إذ ستصل إلى نحو 26 في المائة مقابل 16 في المائة في يناير/ كانون الثاني الماضي.