لا ترى الناشطة الأميركية من أصول أفريقية، التي التقت بها "العربي الجديد" خلال تظاهرة العاصمة الأميركية واشنطن، الحاشدة، أول من أمس السبت، إمكانية لتحقيق أهداف الحركة الاحتجاجية على قوانين حيازة الأسلحة في الولايات المتحدة ووقف قتل تلاميذ المدارس على مقاعدهم الدراسية، إلاّ في حال استمرار التظاهرات وعدم خروج المحتجين من الشوارع قبل رضوخ البيت الأبيض والكونغرس لمطالب غالبية الأميركيين بإصدار قوانين صارمة تفرض قيوداً مشددة على بيع الأسلحة.
تقول الناشطة اليسارية السبعينية، التي نزلت مع مئات آلاف الأميركيين إلى شوارع العاصمة، إنّها عاصرت مختلف مراحل نضالات حركة الحقوق المدنية ومكافحة العنصرية في أميركا منذ ستينيات القرن الماضي، عندما شاركت في التظاهرات التي قادها الزعيم الأميركي الأسود مارتن لوثر كينغ. هي تعتبر أنّ أصحاب شركات السلاح هم الحاكم الفعلي في واشنطن منذ عشرات السنين.
هذا الموقف من لوبي شركات السلاح الذي يملك نفوذاً كبيراً على الطبقة السياسية الحاكمة في واشنطن، هو لسان حال كثير من المشاركين في الحراك ضد السلاح، من التلاميذ والأهالي الذين نزلوا إلى شوارع واشنطن ونيويورك وشيكاغو وغيرها من المدن الأميركية.
في مدينة بالم بيتش في فلوريدا، أجبر موكب الرئيس الأميركي دونالد ترامب على تغيير خط سيره كي يتجنب المرور بالقرب من عشرات آلاف المتظاهرين من تلاميذ المدارس وأهاليهم. قدّر المسؤولون عن الموكب الرئاسي أنّ مشهد آلاف المحتجين على قوانين حيازة الأسلحة قد لا يكون مريحاً للرئيس خلال إجازته الأسبوعية في مارا لاغو، وهو الذي كان قد غادر البيت الأبيض مساء الجمعة هرباً من مئات آلاف المتظاهرين الذين احتشدوا في العاصمة واشنطن في مسيرة الرابع والعشرين من مارس/ آذار التي أطلق عليها اسم "مسيرة من أجل حياتنا". فالرئيس الأميركي، الذي ما لبث أن تراجع عما كان قد أعلنه بشأن فرض قيود على حيازة الأسلحة بعد مجزرة فلوريدا، يدرك التداعيات السياسية للحراك المدرسي ضد السلاح، خصوصاً تداعياته الانتخابية مع رهان الحزب الديمقراطي على استعادة السيطرة على الكونغرس في الانتخابات النصفية في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
هذا الرهان الديمقراطي على تسييس الحراك وقطف ثماره في الانتخابات المقبلة، تعبر عنه أيضاً تغريدة للرئيس السابق باراك أوباما أشادت بالحراك الشبابي ضد السلاح، ورأت فيه حركة تغيير واعدة، فيما يؤكد المنظمون أنّ تظاهرات الرابع والعشرين من مارس ما هي إلاّ بداية لحركة احتجاجية واسعة ستتصاعد خلال الأسابيع والأشهر المقبلة.
ولا ينفصل السجال الأميركي حول السلاح عن العناوين الداخلية الخلافية الأخرى بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي التي يتوقع أن تشكل قضايا محورية في الحملات الانتخابية، مثل قضية أولاد المهاجرين غير الشرعيين من أميركا اللاتينية المعروف باسم برنامج "داكا" الذي يبدو أنّ البت في شأنه تأجل أيضاً إلى ما بعد الانتخابات، بالإضافة إلى قضية العنصرية.
وفي حوار مع موقع "أكسيوس" أشار ديفيد هوغ، وهو أحد الناجين من حادثة إطلاق النار في مدرسة "مارجوري ستونمان دوغلاس الثانوية" وأحد قياديي الحراك ضد السلاح إلى أنّ وجود رجال الشرطة الدائم في المدرسة بعد المجزرة أثار حفيظة التلاميذ من أصول أفريقية الذين يشكلون نحو 25 في المائة من مجمل تلاميذ المدرسة. وقال إنّه يجب الاعتراف بوجود مشكلة بين رجال الشرطة والأقلية ذات الأصول الأفريقية بسبب مقتل عشرات الشبان السود برصاص رجال الشرطة البيض في السنوات الأخيرة.
تجدر الإشارة إلى أنّ مدرسة "مارجوري ستونمان دوغلاس الثانوية" في مدينة باركلاند في ولاية فلوريدا، جنوب الولايات المتحدة، شهدت في الرابع عشر من فبراير/شباط الماضي حادث إطلاق نار ذهب ضحيته 17 قتيلاً و17 جريحاً. أما المتهم بارتكاب المجزرة فهو التلميذ السابق في المدرسة نيكولاس كروز (19 عاماً) الذي وجهت إليه اتهامات بالقتل العمد ومحاولة القتل بنفس عدد الضحايا. وتعتبر هذه الحادثة سبباً أساسياً في رفع حدة النقاش حول السلاح إلى هذا الحدّ غير المسبوق، خصوصاً لجهة التظاهرات الضخمة.
40 ألف ضحية سنوياً
ينقسم الحزبان الجمهوري والديموقراطي أيديولوجياً حول حق الأميركيين في حيازة الأسلحة الفردية الذي يعتبره الجمهوريون حقاً مقدساً ينصّ عليه الدستور الأميركي، فيما يرى الديمقراطيون أنّه قد آن الأوان لضبط ظاهرة انتشار السلاح في أميركا، ووقف العنف المسلح الذي يودي بحياة نحو 40 ألف أميركي كلّ عام.