أخبرته بأني أرسلتُ يوماً إلى شاب في الإيمايل أغنية "أراك عصي الدمع" بالنسخة التي تغنيها هالة رسلان كشارة لمسلسل سوري لم أعد أذكر شيئاً منه. أخبرته أيضاً بأني بذلتُ يومها مجهوداً كبيراً لاختيارها. غير أن الشاب قال لي في رد على الإيمايل إن الأغنية عاديّة. ثم قال إن اللحن جميل لكن كلمات الأغنية ليست كذلك. بعدها أخبرني أموراً لم أفهمها عن المزاج المتعكر الذي يملي عليه أن يسمع ألحاناً كلاسيكية لشوبرت وموزار. ثم أرسل لي أحدها. فقلت له إنها جميلة ثم أخبرته أنها كانت إحدى المقطوعات التي درستها في المعهد الموسيقي. في الحقيقة لم تكن كذلك. كذبت. كنت مضطرة لفعل ذلك. كنتُ هنيّة في أمور المزاج العكر.
***
قال لي إن الأغاني تغنّى كي تقول ما لا نستطيع قوله بالكلام. وإني فعلتُ ما يفعله الناس عادةً حينما أرسلتُ الأغنية في الإيمايل. ورغم أنه كان مهووساً بفكرة "الكليشيه"، إلا أن ما قاله كان من أكثر الأفكار المستهلكة في العالم. كان يشفع له أمر واحد فقط وهو أنه كان "مهضوماً" في بعض الأحيان. قال لي إن الناس لا يستمعون إلى الأغاني كي يصير راغب علامة مليونيراً. ضحكت على هذه النكتة دقيقتين متواصلتين. كنتُ هنيّة في النكات. قال أيضاً إن الناس يسمعون الأغاني لأنهم أحياناً يرغبون بأن يقولوا لمن يحبون إنهم يتمنّون أن لا يرحلوا عنهم أبداً. بقيت أبتسم لما قاله ليومين متواصلين. كنتُ هنيّة في الرومانسية أيضاً. أو هكذا تهيأ لي.
***
بحسب نظريته عن الذوق والكليشيه، فإن شاب الإيمايل الكلاسيكي الغربي سبّب لي ما يُسمّى بـ"الجرح الذوقي". أذكر تماماً عبارة الجرح الذوقي، إلا أنني لا أذكر أبداً الشرح الذي تلاها. أشياء عن التفوّق في الذوق التي ترغمنا على الاستماع إلى موسيقى لا نحبها وإلى قراءة كتب لا نرغب في قراءتها، والعكس أيضاً، كأن تمنعنا من الاستمتاع بما يمتّعنا حقاً إلا أننا نخاف من الاعتراف بذلك خوفاً من الأحكام الذوقية. فاجأني ما قاله. وكنتُ هنيّة في أمور الفلسفة.
***
أنا لا أحب الصراحة كثيراً. وكنت أفضل مائة مرة لو أن شاب الإيمايل الكلاسيكي الغربي قال لي إن الأغنية جميلة وإن لم تكن كذلك. صراحة، فإن الصراحة تكون أحياناً في غير موضعها، خاصة إذا كانت من النوع الذي يسبب جروحاً ذوقية. مسألة الجرح الذوقي هذه أمر غريب فعلاً.
***
كنا في كل مرة نرجع فيها إلى البيت سيراً نحكي عن الأغاني. نردد الكلام ثم نختصر الأغنيات بكلمة واحدة. كنا نسأل ماذا لو كانت الأغنية كلمة واحدة فقط. لم أعد أذكر الاختصارات ولا الأغاني. لكني أتذكّر أنني كنت أحب تلك التي يُطلب فيها من شخص ثالث مجهول أن يوصل الأخبار إلى من رحلوا عنا.
اقــرأ أيضاً
***
قال لي إن الأغاني تغنّى كي تقول ما لا نستطيع قوله بالكلام. وإني فعلتُ ما يفعله الناس عادةً حينما أرسلتُ الأغنية في الإيمايل. ورغم أنه كان مهووساً بفكرة "الكليشيه"، إلا أن ما قاله كان من أكثر الأفكار المستهلكة في العالم. كان يشفع له أمر واحد فقط وهو أنه كان "مهضوماً" في بعض الأحيان. قال لي إن الناس لا يستمعون إلى الأغاني كي يصير راغب علامة مليونيراً. ضحكت على هذه النكتة دقيقتين متواصلتين. كنتُ هنيّة في النكات. قال أيضاً إن الناس يسمعون الأغاني لأنهم أحياناً يرغبون بأن يقولوا لمن يحبون إنهم يتمنّون أن لا يرحلوا عنهم أبداً. بقيت أبتسم لما قاله ليومين متواصلين. كنتُ هنيّة في الرومانسية أيضاً. أو هكذا تهيأ لي.
***
بحسب نظريته عن الذوق والكليشيه، فإن شاب الإيمايل الكلاسيكي الغربي سبّب لي ما يُسمّى بـ"الجرح الذوقي". أذكر تماماً عبارة الجرح الذوقي، إلا أنني لا أذكر أبداً الشرح الذي تلاها. أشياء عن التفوّق في الذوق التي ترغمنا على الاستماع إلى موسيقى لا نحبها وإلى قراءة كتب لا نرغب في قراءتها، والعكس أيضاً، كأن تمنعنا من الاستمتاع بما يمتّعنا حقاً إلا أننا نخاف من الاعتراف بذلك خوفاً من الأحكام الذوقية. فاجأني ما قاله. وكنتُ هنيّة في أمور الفلسفة.
***
أنا لا أحب الصراحة كثيراً. وكنت أفضل مائة مرة لو أن شاب الإيمايل الكلاسيكي الغربي قال لي إن الأغنية جميلة وإن لم تكن كذلك. صراحة، فإن الصراحة تكون أحياناً في غير موضعها، خاصة إذا كانت من النوع الذي يسبب جروحاً ذوقية. مسألة الجرح الذوقي هذه أمر غريب فعلاً.
***
كنا في كل مرة نرجع فيها إلى البيت سيراً نحكي عن الأغاني. نردد الكلام ثم نختصر الأغنيات بكلمة واحدة. كنا نسأل ماذا لو كانت الأغنية كلمة واحدة فقط. لم أعد أذكر الاختصارات ولا الأغاني. لكني أتذكّر أنني كنت أحب تلك التي يُطلب فيها من شخص ثالث مجهول أن يوصل الأخبار إلى من رحلوا عنا.