آن الأوان لترفع صوتك وليستمعوا/ ينصتوا إليك. لن يَقدر كثر من الفئة المستهدفة بهذه الحملة على إدراك هذه الكلمات إذ قد تفوق قدرتهم على الاستيعاب، غير أنّ في ذلك محاولة لتشجيعهم - بمساعدة أو بأخرى - على إبداء الرأي من خلال تأكيد أهميّة صوت كلّ واحد منهم. هذه هي فرصة الأطفال واليافعين للتعبير عن ذواتهم... هل نتيح لهم المجال؟ سؤال، يبدو من الملحّ التوقّف عنده، لا سيّما أنّ المناسبة سانحة. فمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) تحتفل بالطفل، اليوم الأربعاء في العشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني.
ربّما لا يحتاج الأمر إلى احتفال من قبيل اليوم العالميّ للطفل لتمكين هؤلاء الصغار من رفع الصوت، غير أنّ الواقع يفرض نفسه. بالتالي، يأتي هذا اليوم حافزاً أو فرصة لتوعية الكبار كما الصغار. لا بدّ من أن يدرك الأوائل ذلك - رفع الصوت - وماهيّته قبل الأخيرين. ثمّة أولياء أمور قد يؤكّدون أنّهم يتيحون المجال لأولادهم، فعلاً. ويشرحون بفخر كيف أنّهم يمنحونهم هامشاً كبيراً للقول والفعل. وعند شرح الأمر، قد يوضح أب أو أمّ أنّهما لا يعارضان طفلهما عند إصراره على مخالفة تدبير معيّن اتّخذاه، كذلك لا ينهيانه عن رغبة لديه حتى لا يشعر بأنّه "مقموع". يفعلان ذلك غير مدركَين أنّهما، بخلاف ما يظنّان، قد يتسبّبان في ضرر أو آخر. فتختلّ العلاقة بينهما وبينه. وهما، انطلاقاً من حرصهما على "نفسيّته"، يمعنان في ذلك. كثر نحن الذين نُسقط الحدود اللازمة لإرساء علاقة سليمة بيننا وبين أولادنا من جهة، ومن أخرى لحملهم على الإدراك أنّ ثمّة ضوابط لا بدّ من احترامها في الحياة عموماً. رسم حدود لا يعني بأيّ شكل من الأشكال الحطّ من شأن الطفل أو كبته، حقيقة يشدّد عليها هؤلاء الذين يحاولون الغوص بالنفس البشريّة وهؤلاء الذين يحاولون سبر أحوال المجتمع وأهله. لا بدّ للطفل من أن يعي أنّ والدَيه مسؤولان عنه، وهذه مهمّتنا لتجنيبه ارتباكاً هو في غنىً عنه في عالم يمضي في إرباكه وإرباكنا جميعاً.
في خلال الشهر الأخير، جعل عدد لا بأس به منّا، نحن اللبنانيين، أولاده تحت الأضواء، دافعاً إيّاهم إلى الإدلاء بآراء حول شؤون لا يفقهونها. سنّهم الصغيرة تمنعهم من إدراكها، فما الهدف من توريطهم؟ مشهد طفل يردّد شعاراً أو موقفاً سياسيّاً حفظهما كالببغاء تبثّه قنوات تلفزة أو تتناقله مواقع التواصل الاجتماعي، ليس بأمر "ظريف"، لا بل ينطوي على خطورة. قد يقول بعضنا إنّنا بذلك نشجّع الصغير على رفع صوته، مثلما يدعو القائمون على اليوم العالميّ للطفل، غير أنّنا في الواقع ندفعه ليكون صدى صوتنا نحن، ليس إلا. وفي حال أصررنا على أهميّة الأمر بالنسبة إلينا، فلنكتفِ بتعليق صور أطفالنا و"خواطرهم" على برّاد/ ثلّاجة المنزل، منزل العائلة، بدلاً من نشرها كيفما اتّفق. فلنرحم طفولتهم... وخصوصيّتهم.