ترك الاتفاق النووي بين طهران والدول الست الكبرى أثراً إيجابياً لدى الإيرانيين. لم يقتصر ذلك على الاحتفالات التي عمت شوارع البلاد، بل تعداها إلى الأحاديث اليومية في أعقاب ذلك، خصوصاً مع التفاؤل بأن يتذوق أفراد الشعب حلاوة الإنجاز الدبلوماسي الكبير.
يبدي الإيرانيون ارتياحهم، ويعتبرون أنّ الاتفاق يعني تخليص البلاد من أزمة زاد عمرها على عشر سنوات، وأفرزت مشكلات اقتصادية كبيرة أدت لمشكلات اجتماعية أكبر بدورها وعلى رأسها البطالة. والأخيرة لطالما أنتجت مشاكل أخرى من الاكتئاب والإدمان وغيرهما. ومع ذلك، يبدي البعض خشيته من الغموض الذي ما زال قائماً، فيعتبر هؤلاء أنّ الكونغرس الأميركي قد يقف في وجه منح طهران كلّ هذه الامتيازات.
بالدرجة الأولى، ينظر معظم الإيرانيين إلى الاتفاق من بوابة الاقتصاد فقط. فالحصار كان كفيلاً بتردي الأوضاع المعيشية لكثيرين منهم. فقد نقل عائلات متوسطة الحال إلى ما دون خط الفقر، وتسبب ببطالة نسبة كبيرة من الشباب.
تشير الإحصاءات الرسمية إلى وجود مليونين و400 ألف عاطل من العمل في البلاد، بعدما وصل العدد قبل عهد الرئيس حسن روحاني إلى 3 ملايين عاطل من العمل. كما تتوقع الحكومة إيجاد مفتاح الحل في هذه القضية بعد رفع العقوبات عن البلاد وتطبيق الاتفاق عملياً.
ومع ذلك، فإنّ حل مشكلة البطالة لن يكون بهذه السهولة، فالإيرانيون الذين يبلغ عددهم نحو 76 مليون نسمة، يعاني نحو 8.8 في المائة من شبانهم، و18.7 في المائة من شاباتهم من البطالة بالرغم من قدرتهم على العمل. وهو ما يعني أنّ نسبة البطالة بين فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 عاماً و29 تبلغ 23 في المائة.
يقول الشاب حامد فراهاني وهو خريج من كلية الهندسة اضطر للعمل كسائق في مكتب لتأجير السيارات إنّ "الخطط الحكومية وحدها لن تكون مجدية". لكنّه يتفاءل في أن يشكل الاتفاق بوابة لفتح المشاريع على مصراعيها وضخ الأموال داخل البلاد، ما سينعش الاقتصاد ويشجع المواطنين على فتح مشاريعهم الخاصة واستخدام رؤوس أموالهم الصغيرة، وهو ما سيكفل إيجاد فرص عمل برأيه.
اقرأ أيضاً معصومة ابتكار: أنا إصلاحيّة وحلّ المشكلات البيئيّة ليس سهلاً
من جهتها، تعتبر ثريا، وهي طالبة جامعية، أنّ ما يهمها من الاتفاق هو أن تكون قادرة على إيجاد عمل بعد تخرجها من كلية التجارة. لكن في ظل زيادة عدد السكان التدريجية في إيران وعدم حل ما تبقى من مسائل سياسية لا تتوقع تحسناً جذرياً يقلب الأمور رأساً على عقب. تقول إنّ مشكلات إيران لا تتعلق بالاتفاق والعقوبات وحدها، إنما بخطط أخرى أقرتها الحكومة في وقت سابق ساهمت بتردي الأوضاع المعيشية للسكان.
وتذكّر ثريا بخطة إلغاء الدعم الحكومي عن السلع الاستراتيجية التي أقرها البرلمان الإيراني في عهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد. هذه الخطة ألغت الدعم عن المحروقات والبنزين وأبرز السلع الأساسية ما أدى إلى ارتفاع الأسعار. وتتساءل: "كيف يمكن للشخص العاطل من العمل والذي فقد فرصة عمله في أماكن أخرى بسبب إغلاق معامل أو مشاريع بفعل العقوبات الاقتصادية أن يتحمل هذه التكاليف الإضافية؟".
بدوره، يقول المتخصص الاجتماعي محمد سعيد ذكايي إنّ الإعلان عن الاتفاق ساهم بخلق جو إيجابي، وهو جو سيساعد بالطبع على تحقيق نوع من الانتعاش في الداخل، وسيجعل عدداً من الإيرانيين يتوجهون للبحث عن فرص عمل جديدة، ومنهم من سيبدأ باستثمار أمواله في القطاعات الخاصة بعد سنوات من التذبذب عاشتها الأسواق الإيرانية.
ويضيف ذكايي لـ"العربي الجديد": "هذه الموجة الإيجابية كفيلة بتحقيق تحسّن نسبي، لكنه تحسّن نفسي وحسب. على المدى الطويل يحتاج الاتفاق إلى تطبيق عملي بالدرجة الأولى، ومن ثم ستلاحظ التبعات الحقيقية التي ستكون قادرة على إيجاد فرص عمل لمن يحتاجها". كما يشير إلى حاجة المجتمع الإيراني إلى خطط دقيقة ومنظمة لتحقيق الأهداف المرجوة، وهو عمل يقع على عاتق المسؤولين، من أجل تلمّس نتائج الاتفاق التي لن تكون قريبة.
إذاً، يبدو الخبراء أكثر واقعية في التعاطي مع الأمر. فالإيرانيون يحتاجون بالإضافة إلى الأجواء الإيجابية التي خلقها الاتفاق، إلى المزيد من الوقت للتأكد من أنّ هذه الفرحة ستترجم عملياً. وذلك من خلال إلغاء العقوبات، واستغلال الحكومة الإلغاء بالطريقة الأنسب. أما في ما عدا ذلك، فلا تشير التوقعات إلى احتمال حلّ مشكلة البطالة وما أفرزته من مشاكل اجتماعية أخرى تؤثر في الشباب الإيراني على وجه الخصوص.
اقرأ أيضاً: مؤسسات التشغيل قد تنقذ الإيرانيين من البطالة