لا يشجّع الوضع الأمني العراقيّين على الصراحة. في ظلّ كثرة الخطف والقتل، يفضّل عراقيّون التخفي أو عدم الإفصاح عن أماكن وجودهم، علّهم يحمون أنفسهم
تتعدّد الأسباب التي قد تدفع العراقيّين إلى التخفّي، حتّى عن أصدقائهم المقرّبين أو الذين يثقون بهم. ففي ظلّ ارتفاع نسب الخطف والقتل وانعدام الأمن في البلاد، يلجأ عراقيّون إلى الكذب والتخفي بهدف حماية أنفسهم.
يرفض الناشط محمد المهداوي (29 عاماً) إخبار الآخرين عن الأماكن التي يقصدها، حتى إنّه يكذب في كثير من الأحيان إذا ما سُئل عن الأمر. ويقول لـ "العربي الجديد": "إذا كنت في السوق أدعي أنّني في القرية. وإذا كنت في القرية أدّعي أنني خارح البلدة، من دون إعطاء معلومات صحيحة حول المكان الذي أوجد فيه. لا يخفى على أحد سوء الأوضاع الأمنيّة في البلاد، خصوصاً بالنسبة للأشخاص المعروفين أو الناشطين أو أولئك الملاحقين بتهم باطلة". يضيف: "يعرف الجميع بوجود عصابات منظمة تتجسّس على الناس وتلاحقهم، ما يضطرنا إلى التخفّي".
يتابع المهداوي: "أعرف أنّني أكذب، لكنّني مضطر. قبل فترة، قتل أحد أقاربي حين كان متوجهاً مع صديقه إلى السوق. المشكلة أنّه لم يكن يخفي شيئاً عن أصدقائه".
من جهته، يقول أحد تجّار التمور، ويدعى أبو عمار (47 عاماً)، إنّه منذ بدأت أعمال الخطف والقتل وظهور ما يعرف بالمخبرين السريّين واستغلال المراهقين، "لم أعد أثق في أي شخص مهما كانت علاقتي به، خصوصاً إذا ما لاحظت أن تصرّفاته تدعو للريبة. هذا الواقع دفعني إلى إخفاء مكان وجودي، إذ غالباً ما أضطر إلى التنقل والوقوف عند نقاط تفتيش كثيرة بين المحافظات. وإذا ما اتّصل أحدهم للسؤال عن مكاني، أدّعي أنّني في مكان آخر. في إحدى المرات، أخبرت صديقي بأنّني في أبو غريب، بينما كنت قد دخلت محافظة الأنبار لشراء التمور".
يضيف لـ "العربي الجديد" أنّه منذ عام 2003، تغيّر أناس كثيرون، وبات الغدر جزءاً من حياة البعض. على مدى ثلاث سنوات، كان صديقي يظنّ بأنني أعيش في عمان، في وقت كنت أتنقل بين كردستان العراق ومحافظة ديالى.
إلى ذلك، يقول الأكاديمي حسام الربيعي لـ "العربي الجديد": "بعد عودتي من زيارة قصيرة إلى عمان، غيّرت مكان إقامتي على صفحتي على فيسبوك. أردت أن يظن بعض أصدقائي على الموقع، والذين لا يمكنني حذفهم، بأنني أعيش في الخارج، ولو كانوا على يقين بأنني لم أغادر البلد". ويرى أنّ التخفّي قد يكون جيداً، إذا ما أردنا ألّا يعرف آخرون أماكن إقامتنا. من جهة أخرى، قد يطمئنّ بعض الذين لا يرغبون بنا في مناطق نفوذهم.
اقــرأ أيضاً
تتعدّد الأسباب التي قد تدفع العراقيّين إلى التخفّي، حتّى عن أصدقائهم المقرّبين أو الذين يثقون بهم. ففي ظلّ ارتفاع نسب الخطف والقتل وانعدام الأمن في البلاد، يلجأ عراقيّون إلى الكذب والتخفي بهدف حماية أنفسهم.
يرفض الناشط محمد المهداوي (29 عاماً) إخبار الآخرين عن الأماكن التي يقصدها، حتى إنّه يكذب في كثير من الأحيان إذا ما سُئل عن الأمر. ويقول لـ "العربي الجديد": "إذا كنت في السوق أدعي أنّني في القرية. وإذا كنت في القرية أدّعي أنني خارح البلدة، من دون إعطاء معلومات صحيحة حول المكان الذي أوجد فيه. لا يخفى على أحد سوء الأوضاع الأمنيّة في البلاد، خصوصاً بالنسبة للأشخاص المعروفين أو الناشطين أو أولئك الملاحقين بتهم باطلة". يضيف: "يعرف الجميع بوجود عصابات منظمة تتجسّس على الناس وتلاحقهم، ما يضطرنا إلى التخفّي".
يتابع المهداوي: "أعرف أنّني أكذب، لكنّني مضطر. قبل فترة، قتل أحد أقاربي حين كان متوجهاً مع صديقه إلى السوق. المشكلة أنّه لم يكن يخفي شيئاً عن أصدقائه".
من جهته، يقول أحد تجّار التمور، ويدعى أبو عمار (47 عاماً)، إنّه منذ بدأت أعمال الخطف والقتل وظهور ما يعرف بالمخبرين السريّين واستغلال المراهقين، "لم أعد أثق في أي شخص مهما كانت علاقتي به، خصوصاً إذا ما لاحظت أن تصرّفاته تدعو للريبة. هذا الواقع دفعني إلى إخفاء مكان وجودي، إذ غالباً ما أضطر إلى التنقل والوقوف عند نقاط تفتيش كثيرة بين المحافظات. وإذا ما اتّصل أحدهم للسؤال عن مكاني، أدّعي أنّني في مكان آخر. في إحدى المرات، أخبرت صديقي بأنّني في أبو غريب، بينما كنت قد دخلت محافظة الأنبار لشراء التمور".
يضيف لـ "العربي الجديد" أنّه منذ عام 2003، تغيّر أناس كثيرون، وبات الغدر جزءاً من حياة البعض. على مدى ثلاث سنوات، كان صديقي يظنّ بأنني أعيش في عمان، في وقت كنت أتنقل بين كردستان العراق ومحافظة ديالى.
إلى ذلك، يقول الأكاديمي حسام الربيعي لـ "العربي الجديد": "بعد عودتي من زيارة قصيرة إلى عمان، غيّرت مكان إقامتي على صفحتي على فيسبوك. أردت أن يظن بعض أصدقائي على الموقع، والذين لا يمكنني حذفهم، بأنني أعيش في الخارج، ولو كانوا على يقين بأنني لم أغادر البلد". ويرى أنّ التخفّي قد يكون جيداً، إذا ما أردنا ألّا يعرف آخرون أماكن إقامتنا. من جهة أخرى، قد يطمئنّ بعض الذين لا يرغبون بنا في مناطق نفوذهم.
"لا تخبر أصدقاءك بأماكن وجودك". تنصح والدة الطالب الجامعي كيلان علي (20 عاماً) ابنها بالتخفي. يقول لـ "العربي الجديد": "تخشى عليّ والدتي من الغدر، خصوصاً أنّ هناك قصصاً كثيرة عن خطف شباب في مثل عمري أو أكبر سناً، وأحياناً قتلهم. وفي حال اتّصل أحدهم بوالدتي للسؤال عنّي، تقول إنني ذهبت إلى الصيدليّة، علماً بأنّني أكون في الجامعة. كثيراً ما كانت تنهيني عن الكذب حين كنت صغيراً. لكنّ تغيّر الوضع اليوم. وترى أنّ ما تفعله هو أحد وسائل الدفاع عن النفس.
ويلفت علي إلى أنّه في الوقت الحالي، يفضّل كثيرون التخفّي ليس فقط للحفاظ على حياتهم، بل لأنّ البعض باتوا يتدخّلون في شؤون الاخرين أكثر ممّا ينبغي. مثلاً، قد أقول لأحدهم إنني في هذا المكان، فيعلن الأمر، وعن غير قصد، أمام آخرين. لذلك، الأفضل هو تجنّب الحقيقة.
بدورها، تقول أستاذة علم النفس في جامعة ديالى، زهرة الخزرجي (47 عاماً)، لـ "العربي الجديد"، إنّ الأحداث المتلاحقة، والتي عصفت في العراق، أظهرت مدى عمق الأزمات النفسية والفكرية في مجتمعنا الذي يعدّ محافظاً. وتجلّى ذلك من خلال تفاقم العنف والطائفيّة في مناطق في وسط وجنوب البلاد، وظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، فضلاً عن موجات النزوح والهجرة التي لا يبدو أنّها ستنتهي قريباً. وترى أنّ هذا الواقع كان كافياَ لتغيير سلوك الأفراد. فمن كان يعتبر أن أية كذبة هي عيب أو حرام أو فعل مذموم، بات يلجأ إلى اعتمادها اليوم كونها وسيلة دفاعية، مبرراً ذلك بأنه أمر طارئ.
وترى الخزرجي أنّ تغيير الحقائق ليس بالأمر السهل لأشخاص لطالما كانوا صادقين في حياتهم. ويمكن لهذا أن يتسبّب في معاناة البعض من الاضطراب النفسي. "أستطيع القول إن من بين عشرة أشخاص يلجؤون إلى الكذب لإخفاء الحقيقة، سبعة منهم يشعرون بالذنب، لأنّهم يفعلون ذلك يومياً، ومع أي شخص يسألهم سؤالاً عادياً. أين أنت؟ وهذا يعني أنّه يتوجّب على هذا الشخص أن يكون يقظاً في حال لم يرغب في الإفصاح عن الحقيقة، وأن يهيّئ جواباً سريعاً، ما قد يجعله في حالة قلق دائم وخوف مستمر، حين يضطر إلى المراوغة وعدم قول الحقيقة. "صحيح أن هذا الكذب وإخفاء الحقيقة ليس فيه إيذاء للآخرين، إلّا أنّه يعدّ مؤذياً للأشخاص الذين يقومون به، لأن هذا السلوك بعيد عن شخصيّتهم الحقيقية".
وتشير الخزرجي إلى أنّ هذه الحالة يمكن أن تزول مع زوال السبب، وحين لا يخشى الأشخاص المجتمع، ويكون هناك قانون يلتزم به الجميع.
اقــرأ أيضاً
ويلفت علي إلى أنّه في الوقت الحالي، يفضّل كثيرون التخفّي ليس فقط للحفاظ على حياتهم، بل لأنّ البعض باتوا يتدخّلون في شؤون الاخرين أكثر ممّا ينبغي. مثلاً، قد أقول لأحدهم إنني في هذا المكان، فيعلن الأمر، وعن غير قصد، أمام آخرين. لذلك، الأفضل هو تجنّب الحقيقة.
بدورها، تقول أستاذة علم النفس في جامعة ديالى، زهرة الخزرجي (47 عاماً)، لـ "العربي الجديد"، إنّ الأحداث المتلاحقة، والتي عصفت في العراق، أظهرت مدى عمق الأزمات النفسية والفكرية في مجتمعنا الذي يعدّ محافظاً. وتجلّى ذلك من خلال تفاقم العنف والطائفيّة في مناطق في وسط وجنوب البلاد، وظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، فضلاً عن موجات النزوح والهجرة التي لا يبدو أنّها ستنتهي قريباً. وترى أنّ هذا الواقع كان كافياَ لتغيير سلوك الأفراد. فمن كان يعتبر أن أية كذبة هي عيب أو حرام أو فعل مذموم، بات يلجأ إلى اعتمادها اليوم كونها وسيلة دفاعية، مبرراً ذلك بأنه أمر طارئ.
وترى الخزرجي أنّ تغيير الحقائق ليس بالأمر السهل لأشخاص لطالما كانوا صادقين في حياتهم. ويمكن لهذا أن يتسبّب في معاناة البعض من الاضطراب النفسي. "أستطيع القول إن من بين عشرة أشخاص يلجؤون إلى الكذب لإخفاء الحقيقة، سبعة منهم يشعرون بالذنب، لأنّهم يفعلون ذلك يومياً، ومع أي شخص يسألهم سؤالاً عادياً. أين أنت؟ وهذا يعني أنّه يتوجّب على هذا الشخص أن يكون يقظاً في حال لم يرغب في الإفصاح عن الحقيقة، وأن يهيّئ جواباً سريعاً، ما قد يجعله في حالة قلق دائم وخوف مستمر، حين يضطر إلى المراوغة وعدم قول الحقيقة. "صحيح أن هذا الكذب وإخفاء الحقيقة ليس فيه إيذاء للآخرين، إلّا أنّه يعدّ مؤذياً للأشخاص الذين يقومون به، لأن هذا السلوك بعيد عن شخصيّتهم الحقيقية".
وتشير الخزرجي إلى أنّ هذه الحالة يمكن أن تزول مع زوال السبب، وحين لا يخشى الأشخاص المجتمع، ويكون هناك قانون يلتزم به الجميع.